التحالف الدولي… إلباس الإرهاب ثوب الاعتدال للأهداف ذاتها

نسرين الديماسي

في الحادي عشر من أيلول، قبل ثلاثة عشر عاماً، تلمّس الشعب الأميركي خطر الإرهاب، وبات هذا التاريخ مطبوعاً في ذاكرة الأميركيين بوصفه هجوماً إرهابياً وحشياً، لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية، أقوى دولة في العالم الحؤول دون وقوعه. لكنها في المقابل، وتحت مسمّى مكافحة الإرهاب، شنّت حروباً استهدفت بها دولاً ذات سيادة، في حين قويَ عضد الإرهاب وتمدّد.

في الحادي عشر من أيلول 2014 رعت الولايات المتحدة اجتماعاً في جدة ـ السعودية لتطلق حلفاً دولياً لمكافحة الإرهاب، يضمّ الدول التي لها باع طويل في دعم المجموعات الإرهابية وتمويلها، بينما تمّ استبعاد دول تحارب الإرهاب قولاً وفعلاً!

السؤال: هل اكتشفت الولايات المتحدة الأميركية أنّ وحش التطرف الذي صنعته ورعته لنشر «الفوضى الخلاقة» في المنطقة قد أصبح خطراً عليها؟ أم أنها أدركت أنّ هذه الأداة لا تستطيع تحقيق هدف إسقاط الدولة السورية وضرب المقاومة، وأنه لا بدّ من تغيير قواعد اللعبة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي بالنسبة إلى أميركا وحليفتها «إسرائيل»؟

ما يثير العجب ويدفع الى طرح علامات استفهام كبيرة، هو أنّ الدول التي كانت ولا تزال أساسية في دعم المجموعات الإرهابية المتطرفة وتمويلها وتسليحها، على اختلاف تسمياتها، هي نفسها التي يتشكل منها التحالف الدولي ضدّ الإرهاب، فهل نحن أمام مرحلة جديدة من سياسة الخداع ومسلسل الحروب المفتوحة لتقويض سيادة الدول تحقيقاً لمخطط تفتيت المنطقة إتنياً ومذهبياً وطائفياً؟

ما هو لافت أنّ دولاً أساسية مثل روسيا والصين وايران وسورية لم تدعَ لكي تكون جزءاً من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، علماً أنّ هذه الدول كانت ولا تزال تحذّر من الإرهاب وتحاربه. إذن… ما هو هدف هذا التحالف الذي تشكل تحت يافطة محاربة الإرهاب؟

حروب أميركا السابقة ضدّ الإرهاب لم تكن مشجعة، وبالتأكيد لم تكن مجدية، لأنّ هدف تلك الحروب هو فرض السطوة الأميركية على العالم وتكريس القطبية الواحدة، بعد انهيار الخصم التاريخي المتمثل بالاتحاد السوفياتي سابقاً… وقد نجحت الولايات المتحدة بتحقيق الجزء الأكبر من مصالحها في المنطقة بعد غزو العراق، وبالوصول إلى جمهورية آسيا الوسطى وتهديد الأمن القومي لروسيا الاتحادية التي اتجهت مع قيادتها الجديدة إلى لعب دور متنام ومؤثر على الساحتين الدولية والإقليمية.

الدور الروسي المؤثر والوازن، اصطدمت به الولايات المتحدة منذ شروعها بما يُسمى «الربيع العربي» مع حلفائها الأوروبيين و»إسرائيل» وبعض الدول الإقليمية والعربية، فقد توخّت واشنطن من «الربيع العربي» إسقاط المنطقة كلها، بهدف تصفية قضية فلسطين وتصفية المقاومة والدول الداعمة لها. لكن الاستعصاء الذي تمثل بسورية وقوى المقاومة والمحصّن بموقف روسي ـ إيراني، أفشلَ الأهداف التي توخّتها أميركا، وهذا ما يفسّر الاندفاعة الأميركية لممارسة ضغوط كبيرة على روسيا من خلال افتعال الأزمة الأوكرانية، ووضعها في وجه الروس، للضغط والمقايضة، بعدما استعادت روسيا موقعها في المعادلة الدولية ولم تعد أميركا هي الآمرة الناهية في هذه المعادلة.

الآن تحاول الإدارة الأميركية من خلال التحالف الدولي فرض أمر واقع، يبدأ بترميم قوة حلف «الناتو» ليشكل أداة التحالف الدولي، فتُضرب سورية بذريعة ضرب الإرهاب وتُستهدف المقاومة في لبنان وفلسطين تحت هذا العنوان ويُقسّم العراق.

من المؤكد أنّ التحالف الدولي بمكوّناته الراهنة لا يعكس نية أميركية بالتخلّص من الإرهاب، واللافت أنّ التصريحات والمواقف الأميركية لا تتحدّث عن اجتثاث الإرهاب، بل عن تطويقه، وبرغم صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي القرار 2710 بتجفيف منابع الإرهاب، فإنّ الولايات المتحدة التفّت على القرار الدولي بتشكيل تحالف يضمّ دولاً راعية للمجموعات الإرهابية المتطرفة.

والخطير هو أنّ تحالفاً دولياً يضمّ دولاً ثبت تورّطها في دعم الإرهاب، لا يمكن أن ينفذ حرباً حقيقية ضدّ الإرهاب والتطرف، فتوازياً مع الإعلان عن قيام الحلف الدولي تكفّلت السعودية بإقامة معسكرات تدريب على أراضيها لما يُسمّى «مقاتلي المعارضة السورية» ليشكلوا قوة تحت مُسمّى «المعارضة السورية المعتدلة» وتوفير كلّ الدعم التسليحي لهذه «المعارضة»، تحت عنوان محاربة «داعش» وأخواتها، ومحاربة الدولة السورية في الوقت عينه، وكلّ المؤشرات تدلّ إلى أنّ هذه «المعارضة» المسمّاة «معتدلة» ستشكل الصحن الذي سيضمّ المجموعات الإرهابية المتطرفة من «داعش» و»النصرة» وغيرهما! وهكذا ترتدي «داعش» ثوباً جديداً هو ثوب محاربة الإرهاب، فيتغيّر الاسم لكن الهدف يبقى واحداً وهو القضاء على سورية والمقاومة في لبنان. والداعم يبقى هو نفسه وإنْ ارتدى ثوباً جديداً هو ثوب محاربة الإرهاب، بعد أن قرّر خلع ثوبه المضمّخ بدماء الأبرياء، والتنصّل من مسؤوليته عن الجرائم الوحشية التي ارتكبت بحق الآمنين في سورية والعراق ولبنان وفلسطين.

ما من شك أنّ شبهات كبيرة تحوم حول التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، فالعدو «الاسرائيلي» هو المستفيد الأول، إذ يسعى هذا العدو إلى إقامة ما يشبه المنطقة العازلة قبالة القنيطرة السورية. فقد بات الدعم الصهيوني واضحاً للمجموعات الإرهابية في تلك المنطقة حتى تشكل سياجاً حدودياً للكيان الصهيوني على غرار الشريط الحدودي الذي أقامه جيش العملاء في لبنان. وسيتفرّغ هذا العدو لاستكمال مخططه بهدم المسجد الأقصى وبناء المستوطنات وتهويد الأرض الفلسطينية، الأمر الذي تعتبره «إسرائيل» نقطة الوصول إلى تحقيق حلمها بقيام «دولة إسرائيل من الفرات الى النيل».

بناء على ما تقدم، فإنّ أمام التحالف الدولي عقبات كبيرة، إذ انّ سورية، وهي الدولة المعنية الى جانب العراق في مواجهة الإرهاب، لن تمنح هذا التحالف شرعية لضرب مناطق سورية تحت ذريعة ضرب الإرهاب، كما أنّ روسيا لن تمنحه شرعية على المستوى الدولي، والمواقف الروسية واضحة بهذا الخصوص، وقد اعلن وزير خارجيتها أنّ روسيا ستحارب الإرهاب تحت راية الأمم المتحدة وبمشاركة سورية وايران، وكذلك المواقف الإيرانية ومواقف الصين ودول البريكس والألبا.

روسيا وايران لن تقفا مكتوفتي الأيدي، فقد صرّح الرئيس بوتين أنّ أميركا تستغلّ إحياء «الناتو» ليس كمنظمة عسكرية، بل كإحدى الأدوات المحورية للسياسة الخارجية الأميركية من أجل حشد أتباع لها وتخويفهم بتهديد خارجي مزعوم.

أما لبنان الذي أكد بلسان وزير خارجيته أنه شريك في التحالف الدولي، فإنه قد لا يكون كذلك، إذ انّ الحكومة اللبنانية لا تزال تسير في سياسة «النأي»، وحين تغادر هذه السياسة، فالأوْلى بها أن تنسّق مع الدولة السورية لمحاربة الإرهاب الذي يشكل تهديداً مشتركاً. ومن المعروف أنّ لبنان محكوم بتوازنات خارجية وداخلية، وقرار الانضمام الى التحالف الأميركي لن يكون متيسّراً بمعزل عن اشتراك سورية وايران وروسيا.

الحلف الدولي الأميركي قد يخلط الأوراق، وهناك دول بدأت تتحسّس التداعيات، فتركيا التي لم توقّع على حلف جدة، بدأت تتلمّس الخطر المحدق بها في حال نجحت سورية بفتح ممرات لعبور المجموعات الإرهابية وحصرها على الحدود مع تركيا، والأمر ذاته على الحدود مع الأردن.

إذن… الحلف الدولي يواجه عقبات، خصوصاً أنّ إيران رفضت الاشتراك في التحالف وتمسك بالكثير من خيوط اللعبة وهي مستمرة بدعم حركات المقاومة التي ستقف رافضة التدخل الأميركي، في حين أنّ الردّ الروسي الهادئ البعيد عن الصخب يتقاطع ويتفاعل مع الأداء الإيراني البارد، ما قد يوقع أميركا في فخ محاولتها إلباس الإرهاب ثوب الاعتدال، ويؤسّس لقيام حلف دولي لمحاربة الإرهاب بقيادة روسيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى