«داعش» بين القوة والضعف

هاني قاسم

نما تنظيم داعش وكبر في مدة زمنية سريعة لم تتوافر للتنظيمات الإسلامية الأخرى والعلمانية كذلك، وهو تنظيم تكفيري يعود في أصوله الفقهية إلى الفكر الوهابي وفي مرجعيته الحركية إلى تنظيم القاعدة الذي أسسه أسامة بن لادن.

إن نمو هذا التنظيم بسرعة فائقة يتطلب منا دراسة هذه الظاهرة والوقوف عند مجموعة العوامل الأساسية التي ساعدت على هذا النمو السريع له نذكر منها:

ـ إن ضعف الحركات الإسلامية الصوفية والسلفية في العالمين العربي والإسلامي، وإضاعة الفرص التي توفرت لها كفرصة الإخوان المسلمين في مصر الذين تسلموا الحكم في مصر لمدة عام بعد ثورة يناير اعتبرها الإمام الخامنئي جزءاً من الصحوة الإسلامية ولم يحافظوا على هذه التجربة الجديدة بسبب ممارساتهم الخاطئة، فكانت ذريعة للآخرين في الانقلاب عليهم ووضعهم في مصاف الحركات الإرهابية ومحاربتهم، ما أفقدهم دورهم الريادي في المنطقة، ما ساهم في المقابل في نمو الحركات التكفيرية وتصديها لمشاكل الأمة.

ـ استعاضت أميركا عن الحرب العسكرية بالحرب الناعمة في منطقة الشرق الأوسط، من أجل تنفيذ مشاريعها التي لم يكتب لها النجاح من خلال التدخل العسكري المباشر، كما حصل في أفغانستان والعراق وفي غيرهما، وكان عنوان هذه الحرب الناعمة استثارة الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، فهيأت المناخات الملائمة لها في العراق مستفيدة من تصدي الشيعة للحكم في العراق وإحساس السنة بالغبن لظنهم باستئثار الشيعة بمفاصل الدولة، واستفادت من الأزمة التي تعرضت لها سورية وعملت على تسويقها على أنها صراع بين العلويين والشيعة الذين ناصروا هذا النظام حزب الله وإيران من ناحية، وبين السنة من الإخوان المسلمين والمجموعات التكفيرية المعارضة لهذا النظام من جهة أخرى، وساهمت الدول الخليجية مع أميركا في هذه الحرب القذرة التي لا تبقي ولا تذر.

ـ استغلت غالبية الدول العربية والتيارات العلمانية والتيارات السلفية عنوان تهميش السنة والظروف السلبية التي عاشوها كعنوان استقطابي من أجل تحشيد الجماهير السنية والتفافها حولها من أجل غاياتها السياسية، فكانت الوسيلة السيئة التي لن تغفرها لها شعوب أمتها، ومع ذلك فإنها لم توفق إلى استثمارها، فاستغلتها الحركات التكفيرية وعملت على استقطاب السنة، ونجحت في جذب الكثيرين منهم.

ـ تبنت أميركا داعش ورعته من أجل أن تستفيد منه في ملفاتها الإقليمية وتنفيذ مشاريعها التقسيمية، ووجد داعش فرصته في إعلان إمارته، ولكنه تجاوز الدور المرسوم له بتعرضه لبعض مصالحها، فأعلنت أميركا الحرب عليه وصنفته بأنه تنظيم إرهابي بموجب القرار 2170 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.

وهناك مجموعة عوامل إضافية ساهمت في نمو هذا التنظيم أيضاً نذكر منها:

استفادة داعش من وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية التي روّجت للإمارة الإسلامية والتي تشكل عامل استقطاب لكثير من المسلمين.

قيام داعش بتصوير أعماله الوحشية من قتل وتعليق للرؤوس على الرماح وذبح وجلد عبر وسائل الإعلام، من أجل إدخال الرعب إلى قلوب الناس ودفعهم إلى التسليم من دون أية مقاومة تذكر في العديد من المناطق التي يدخلها.

فشل التنظيمات الإسلامية والعلمانية في مواجهة داعش، بسبب إمكاناتها القليلة وتغلبه عليها في كثير من المناطق.

القدرة المالية لداعش والتي حصل عليها بعد استيلائه على الآبار النفطية، والتي جعلته من أغنى الحركات على الإطلاق.

إن مواجهة هذا التنظيم وأخواته لن تستقيم إذا لم تؤخذ في الحسبان مجموعة من الأمور:

1. العمل على تغيير المناهج الدينية في العالمين العربي والإسلامي وتحديداً في السعودية، المرجعية الأساس للفكر الوهابي. وعدم حصر المواجهة مع الحركات التكفيرية بإصدار الفتاوى والقرارات الملكية التي تعاقب كل من ينتمي أو يدعم هذه المجموعات، لأن المشكلة الأساس هي في المناهج الفكرية بحيث لا تستقيم المعالجة إلا بتغيرها.

2. اجتماع علماء الأمة بمختلف مذاهبهم تحت شعار الوحدة الإسلامية والعمل على مواجهة أي مشروع يسعى إلى تفريق الأمة وتكفيرها.

3. تبني القضية الفلسطينية كمشروع استراتيجي للأمتين العربية والإسلامية، باعتبار أن غياب هذا المشروع كان عاملاً أساسياً في فقدان الثقة بين شعوب المنطقة ورؤسائها وشعورها بالإحباط، ما شكل دافعاً لارتمائها في أحضان التكفيريين.

4. تفاهم دولي وإقليمي صادق وبعيداً من الحسابات الضيقة، من أجل مواجهة هذا الخطر التكفيري والإرهابي.

5. تجفيف مصادر التمويل للمجموعات الإرهابية وإيقاف المساعدات العسكرية لها ومنع دخول مقاتليها عبر حدود الدول الملاصقة للعراق.

هذه العوامل في جلّها إذا ما سُعي إلى تحقيقها، وإن احتاجت إلى جهد كبير بسبب التعقيدات الإقليمية، فإنها خطوة بالاتجاه الصحيح وباتجاه الوحدة بين المسلمين. فهل لدى القادة العرب الجدية للسير بهذا المشروع الوحدوي؟ وهل لديهم النية الصادقة بأن يتفلتوا من عقال أميركا؟ أم أنهم سيبقون رهن إرادتها لأنهم يخافون من أن تذهب عروشهم إلى غيرهم إذا ما تمردوا عليها؟ وهل عملوا على احترام الإنسان عندهم وأعطوه حقوقه كاملة وعملوا على رفع حزام الفقر عنه؟ أم إنهم لم يكترثوا لذلك كله ولم يعتنوا إلا بأنفسهم، واكتفوا بجمع الأموال التي هي حق لشعوبهم وقاموا بكنزها في بنوك أميركا، ليصبحوا هم وأرصدتهم رهينة لديها؟ وهل أميركا صادقة في قولها بانها تريد محاربة الإرهاب التكفيري؟ وهل غيّرت أميركا مشروعها التقسيمي في المنطقة؟ وهل بات أمن «إسرائيل» لا يعدّ من أولوياتها؟ وهل ستقبل أميركا بأن تساعد الأمة في النهوض من كبوتها والقادة في التحلل من التبعية لها؟ وهل ستقبل بتبديد مشروعها فتقضي على أحلامها بالسيطرة على مقدرات الأمة وخيراتها؟ وهل؟ وهل؟

إن مسار الأحداث في المنطقة يجيب عن جميع هذه التساؤلات، ويؤكد لنا أن أميركا ماضية في مشروعها التقسيمي ولا مناص لنا من العمل على مواجهته، فعوامل القوة لدى الأمة ما زالت موجودة والظروف مهيأة لها، والتجربة ماثلة أمامنا، بانتصار غزة على «إسرائيل» وانتصار المقاومة الإسلامية عليها والفرصة ما زالت سانحة، فهل نستفيد منها ونتعاون مع المخلصين من دول وحركات من أجل مواجهة هذا المشروع التقسيمي ونعمل على إسقاطه؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى