جامعة المغتربين: سباق بين حوار معدوم ومشروع سياسي معلوم

علي بدر الدين

لم تنفع الأزمات الخطيرة التي تعصف بلبنان، ولا التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية التي وضعته في عين العاصفة الهوجاء التي تهدد حاضره ومصيره، في لجم جماح الفريق المتشدّد في جامعة الانتشار برئاسة أليخاندرو خوري الذي يرفض جملة وتفصيلاً مبادرة الحوار التي أطلقها وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وتوّجت بلقاء رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم أحمد ناصر وخوري، وجرى ـ في خلاله رسم خطوط التلاقي والحوار والانفتاح لكتابة صفحة جديدة ـ من تاريخ الجامعة عنوانها الوحدة والتعاون ولمّ الشمل الاغترابي بعد انقسامات وتشتت وهدر للطاقات والإمكانات الاغترابية على مدى خمسة عقود متصحِّرة. غير أن هذا اللقاء اليتيم بين الرئيسين أفسدت ـ مفعوله والمتوقع الإيجابي منه السياسة الفئوية وغير الوطنية التي تحكمت بقرار خوري وحماسه إلى الحوار وتلبية نداء الوحدة، وأجبرته مرجعياته السياسية المتمثلة بفريق في «14 آذار» إلى التراجع وصرف النظر عن المؤتمر الصحافي المشترك الذي تقرر بعد لقائه ناصر وبرعاية باسيل وحضور المدير العام للمغتربين المحامي هيثم جمعة. وقطع خوري الشك باليقين وغادر إلى المكسيك من دون إعلان أو إعلام أو مجرد توضيح للالتباس الذي تزامن مع إلغاء موعد المؤتمر.

هذا الموقف السلبي من خوري لم يفاجئ أركان الجامعة الثقافية أو يشير لديهم التساؤلات والاستفسارات لأنهم ملمّون جيداً بتفاصيل قرار مرجعية جامعة «الانتشار» بناء على تجارب سابقة للحوار ولتوحيد الجامعة ومؤسساتها والتي كانت سلبية دائماً، ولكنهم ـ لم ييأسوا من محاولات جر الفريق الآخر إلى الحوار وإن كان باعتماد سياسة السلحفاة لأن نهج طبع مسيرتهم منذ بداية مشوار اغترابهم وتسلمهم المهمات والمسؤوليات.

وعلى رغم بطء الحراك التوحيدي للجامعة لاعتبارات كثيرة على علاقة بالأوضاع المتفجرة في لبنان على كل الصعد و«انشغال» الأفرقاء السياسيين الرسميين والحزبيين في تحصين البلد والحؤول دون انهياره أو احتضاره وحفاظاً على المصالح والمكتسبات التي جنوها بالعرق والدموع وتعب السنين، فإن الأمانة العامة للجامعة الثقافية أصرت مع إدراكها لصعوبة الخطوة ـ استكمال الحوار مع الأمانة العامة «للجامعة» الثانية الذي ـ بدأ في مكتب الجامعة الثقافية بين أمينها العام بشير أشقر والأمين العام طوني قديسي واستتبع بلقاءٍ ثانٍ في ضيافة الأخير في ضبيه. غير أن الرياح القادمة من المكسيك أطاحت باللقاءين وغسل رئيس قديسي وفريقه أياديهم من هذه اللقاءات علناً وشكلاً ومضموناً. وأصدرت ما يسمى لجنة الحوار في «الانتشار» بياناً واضحاً، يعبّر بصراحة فجّة عن رفضها المطلق لمثل هذه الحوارات التي لا تحقق مشروعها السياسي اللاوطني. مؤكدة «أنها لم تقم بتكليف أي شخص وخصوصاً الأمين العام طوني قديسي عقد اجتماعات باسم الجامعة». وأوضحت «أن المجالس الوطنية والقارية والفروع ليست على علم بمثل هذه الاجتماعات ولم تفوض قديسي إجراء محادثات».

هذا البيالن ـ الموقف قوّض أمس أية دعوة إلى الحوار في المديين القصير والطويل، وافقد المغتربين التواقين إلى وحدة مؤسسة الجامعة الأمل بوجود تسوية أو تقارب بين المعنيين بعد أن قطع الفريق الآخر حبال التواصل، وأطاح بلقاء شكلي بامتياز ولم يكن يتوقع منه أن يصل بالجامعة إلى الخواتيم السعيدة.

إن بيان لجنة حوار جامعة «الانتشار» يعكس الخطاب السياسي والطائفي لقوى حزبية وسياسية لبنانية وإن كان بعبارات منّمقة ومنتقاة وبعيدة من السياسة، غير أنه يغرف من معين مشروع سياسي متكامل يرفض الحوار مع الآخر أو المساهمة في تهيئة مناخات سياسية وطنية مواتية لإخراج لبنان من دائرة الاستهداف المستمر من قوى محلية وخارجية. وأطلق من خلاله رصاصة الرحمة على الحوار وخرج منه إلى اللاعودة إليه مقفلاً بابه أمام كل طارق وهذا ما يحتّم موقفاً حاسماً ومفصلياً من وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لأنه راعي اللقاء «الرئاسي» الأول وعليه تسمية الأشياء بمسمياتها، وتحميل الفريق الهارب من الحوار مسؤولية فشل المبادرة الحوارية ونكثه الوعود التي قطعها أليخاندرو خوري في لقائه رئيس الجامعة أحمد ناصر حتى لا تلتبس الأمور على المغتربين ويضيعوا في متاهات البيانات والتوضيحات من هذا الفريق أو ذاك.

على الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ان تخرج من صمتها وتضع أمام الرأي العام اللبناني المقيم والمغترب والمنتسبين إليها الحقيقة المرّة التي أفضت إلى انسداد أفق الحوار والتواصل بفعل سياسة التطرف والفئوية وعدم الاعتراف بالآخر التي تنتهجها جامعة «الانتشار».

ووفق مصادر اغترابية فإن الأمينين العامين استعجلا في عقد اللقاء بينهما من دون تنسيق أو إبلاغ الرئيسين عنه، وحجبا «الأجندة» التي رسمت خطوط اللقاء وأهدافه وغاياته. لا سيما أن ناصر وخوري لم يستكملا الحوار بعد أن تهرب الأخير من حضور المؤتمر الصحافي المشترك.

ولفتت المصادر إلى أن الرئيسين لم يكلفا أشقر وقديسي بعد اللقاء واستكمال الحوار، وربما تكون مخالفتهما لتوجيهاتهما تعني وجود حالة تجاوز أو تمرد أحدهما على رئيسه.

غندور

الأمين العام المتنقل للمجلس القاري الأفريقي في الجامعة الثقافية حسن غندور أيّد كل مبادرة حوارية أو حتى لقاء مشترك بين الأفرقاء المختلفين في الجامعة، معتبراً أن الضرورة تقتضي الترفّع عن الاعتبارات المصلحية والنفعية والسياسية، وأن نكون أكثر واقعية وإدراكاً لحال التشرذم والانقسام الذي يشهدها لبنان المقيم والمغترب. مشدداً على ضرورة رعاية الوزير باسيل لأوضاع الاغتراب ولجامعة المغتربين حتى يعم السلام وتتجسد وحدة اللبنانيين في الداخل وانعكاسها على لبنانيي الخارج ومؤسستهم الأم.

يبقى القول إن الرهان على الحوار بين الجامعتين غير واقعي، وغير ممكن على الأقل في مرحلة شديدة الخطورة يعيشها لبنان وتنذر بتداعيات تطيح في كل شيء.

وكفى إغراق اللبنانيين بجرعات التفاؤل غير المنظورة ولا يمكن توقعها في ظل ما نشهده من إرهاب يستهدف لبنان وصراعات واقتتال وخطاب طائفي مذهبي سياسي فاسد. ولا بد إزاء الحوار المكتوم الذي يتبادلون فيه أطراف الحديث والمجاملات أن يتوقف ويسمح من تداول المعنيين في الشأن الاغترابي لأنه لا طائل منه ولا جدوى ولا معنى، بل هو مضيعة للقوت وضحك على «الذقون».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى