جريصاتي: الفرق الشاسع بين أن تكون العدالة موجودة أو واجبة الوجود

واصل المركز الدولي لعلوم الانسان أعمال المدرسة الخريفية التي ينظّمها بالشراكة مع المديرية الاقليمية لـ«اليونيسكو»، في قاعة مؤتمراته في جبيل، ونُظّمت أمس محاضرة، حاضر فيها كل من الوزير السابق سليم جريصاتي، وعميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية في الجامعة اللبنانية الدكتور كميل حبيب، بعنوان «علاقة السلطة بالعدالة والعلاقة بين الديمقراطية والعدالة في ضوء النظام اللبناني»، بمشاركة مدير المركز أدونيس العكرا وطلاب في صفوف الدكتوراه والماجستير من تسع جامعات لبنانية، وأساتذة باحثين من لبنان وتونس والبحرين وعمان والاردن.

جريصاتي

بعد تمهيد من منّسق أعمال المدرسة الخريفية كريم المفتي، عالج جريصاتي موضوع علاقة السلطة بالعدالة، وأشار إلى «أن العلاقة على مرّ الزمن تشوبها إشكالية بفعل أن السلطة سلطة قائمة، في حين أنّ العدالة التي يفترض أن تكون سلطة مرادفة للديمقراطية، غالباً ما كانت ولا زالت ذراعاً للسلطة بمفهوم أهل السلطة لا بمفهومنا نحن أهل العدالة».

واعتبر «أن هذه الاشكالية مشابهة في جوهرها وطبيعتها لاشكاليات أخرى تتعلق بمفهوم العدالة وعلاقتها بمفاهيم أخرى كالحقيقة»، مؤكداً على الفرق الشاسع بين أن تكون العدالة موجودة أو واجبة الوجود كي يستكين الانسان إلى قيمها السياسية والاجتماعية والمعيشية والعقائدية والقانونية وما شابه.

ورأى أن التحدي الاكبر الذي يواجه الديمقراطيات الحديثة، ألا تقف السلطة حاجزاً أمام قيام سلطة قضائية مستقلة قائمة بذاتها ومحصنة دستورياً، فتحقق أخيراً أمنية مونتسكيو بأن توقف السلطة السلطة. ولفت إلى أن الخوف من حكم القضاة غير مبرّر على الاطلاق، ذلك أن الخطر الحقيقي يكمن في غيابهم واضمحلال سلطتهم. مشدداً على أن الخلاص بأن يكون القضاء سلطة، لا قضاء سلطة حتى تتحرر العدالة من إشكالية علاقتها الدونية بالسلطة.

وقال: «الامل متاح، لا سيما أن تجربتين اختبرتهما العدالة وقد توافرت فيهما شروط حالات متقدمة من إرساء دولة القانون وإحقاق الحق، عنيت بهما المجلس الدستوري ولا أقصد بالتأكيد المجلس الدستوري اللبناني الذي لا يزال يتعثر في بداياته وينتكس».

وأضاف: «أما العدالة الانتقالية فتنطلق من المصارحة والمصالحة كي تصل إلى الوئام الذي هو هدف كل عدالة، فإن هذه العدالة قد سدت ثغرات كثيرة في العدالة التي تكاد تكون سراباً في القانون الجنائي الدولي إذ تتحكم السياسة بالمحاكم الجنائية الدولية سواء المنشأة خصيصاً للنظر في جرائم معينة يفترض ان تكون جرائم ضد الانسانية، أو المحاكم الدولية الدائمة كالمحكمة الجنائية الدولية مثلاً».

حبيب

وتناول حبيب العلاقة بين الديمقراطية والعدالة على ضوء النظام اللبناني، متطرّقاً إلى العلاقة الجدلية بين العدالة والديمقراطية، موضحاً أنّ إشكالية الديمقراطية في القرن العشرين كانت قضية تعني البرلمانات، إلا انها في القرن الحادي والعشرين أضحت تعني العدالة في كل مكان، أكان في النظام الدولي أم في النظم الوطنية. مشيراً إلى أن صورة القضاء هي التي تطغى خصوصاً بعد التدخل القضائي لمجلس الامن عبر إنشاء محاكم جنائية دولية خاصة استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.

وأكد حبيب أن الشعب اللبناني ليس مصدراً للسلطة القضائية بأيّ شكل من الاشكال، ولا يمكن مقارنته مع شعوب الأنظمة التي يناط بها انتخاب القضاة، وأن السلطة القضائية ليست سلطة متوازنة مع تلك التشريعية والتنفيذية، فهي مهيمَنٌ عليها من قبل السلطة التنفيذية السياسية بامتياز، ولو أنها سلطة مستقلة فعلاً لكان أعطي لها الحق بمراجعة المجلس الدستوري، في حين أنّ هذا الحق أعطي للسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية من دون أن يعطى للسلطة القضائية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى