وهم «داعش» وحقيقة دول الطوائف

عامر نعيم الياس

مع اختتام أعمال مؤتمر باريس حول التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وقبله مؤتمر جدّة الذي ترأّسته واشنطن من دون باريس، ركّز الإعلام الغربي على ما أسمته «ليبيراسيون» الفرنسية «الانسحاب المفاجئ للدول العربية» التي لم تشارك في الجهد العسكري الأميركي بشكل مباشر، بل ستكتفي «بالدعم المالي والإنساني واللوجستي». وهو ما سيفرز بحسب «تايمز» البريطانية «فشل التحالف المرتقب للولايات المتحدة ضدّ الدولة الإسلامية»، مضيفةً أنّه «سيكون من الصعب على تركيا أن تلقي بثقلها وراء حملةٍ يمكن أن تفيد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكذلك السعودية». فهل مشاركة الدول العربية والإقليمية وعلى رأسها تركيا والسعودية أمر ضروري في الحرب على «الدولة الإسلامية»؟

التجارب السابقة في المنطقة منذ الحرب على العراق عام 1991 تشير إلى ضرورة توفّر غطاء عربيّ رمزيّ من الناحية العسكرية. فمن غير المنطقي أن يعتقد البعض أنّ سلاح الجوّ القطري أو السعودي سيغيّران ميزان القوى في أيّ صراع من أيّ نوع في المنطقة. لكن هذه المشاركة الرمزيّة تساهم في نزع صفة الحرب الأميركية على الشرق الأوسط والتي تحوّلت بعد احتلال العراق عام 2003 إلى «حرب صليبية على الإسلام». لكن هل بقي هذا المفهوم على حاله؟ وهل امتناع دول المنطقة عن المشاركة الحماسية في تحالف أوباما ناتج من التخوّف ممّا سبق؟ أم أنّ «داعش» دفع بمفهوم آخر لدين الطائفة؟

أعلن البغدادي الخلافة ونصّب نفسه «خليفةً على أهل السنّة» في المنطقة فارضاً مصطلحاً جديداً لشكل «الخلافة الإسلامية» وأطرها. «فالبغدادي خليفة الطائفة، واستهدافه استهدافٌ لها وللمنضوين تحت رايتها في مواجهة شياطين متعدّدة تتربّص بالطائفة المنتجبة للبغدادي وصحبه، تبدأ بالغرب الكافر ولا تنتهي عند إيران وكافة الطوائف غير الداعشية في المنطقة».

وهنا أعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» استعداده لمواجهة «حرب الصليب» التي يقودها الرئيس الأميركي. التقاط آخر ناجح للخليفة البغدادي الذي يتناغم في كل ما سبق مع إعطاء التبريرات للإمارات والممالك في المنطقة بما فيها السلطنة العثمانية الجديدة لشرعنة الانكفاء. فعلى رغم أنّ أسباب الانكفاء تختلف بين دولة وأخرى، خصوصاً إذا ما وضعنا بعين الاعتبار صراع الأجنحة الإقليمي داخل المحور الأميركي، إلّا أنّ القطبة المخفيّة في الانكفاء تتعدّى التحليل السياسي للمصالح والأهداف المرجوّة من الحرب، إلى تحكّم المارد الطائفي بتوازنات الداخل وتصرّفات الحكومات والحكام وسياساتهم قبل أيّ شيء آخر. فاللعبة التي أدارتها الدول الخليجية وتركيا لشيطنة إيران وتغيير بوصلة العداء للكيان الصهيوني, ساهمت في دفع الهوية الطائفية إلى الأمام باعتبارها التعريف الأوضح للكيان والأمة والدين. هذه الهوية التي يعود الفضل في المركز الذي تحتله اليوم إلى الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن الذي تحدّث عن «حربٍ صليبية في أفغانستان». وعند هذه النقطة، فإن جزءاً من الرفض أو ما أسمته «ليبيراسيون» الفرنسية «الالتزام الفاتر للدول السنيّة في المنطقة» يعود إلى الحسابات السياسية الداخلية المتعلقة بمجتمعات صارت تخضع أكثر فأكثر إلى مفاهيم القتل والذبح وإبادة الآخر بحجّة امتلاك السرّ الإلهي للدين الصحيح. الأمر الذي يعكس في بعض أوجهه بوادر مشاريع جاهزة للتشظّي الداخلي لدول الاستقطاب الداخلي، بانتظار اللحظة الأميركية المناسبة لتفعيل هذه الأوراق في مستقبلٍ ليس ببعيد.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى