الائتلاف ضدّ الإرهاب… ما له وما عليه!

د. مهدي دخل الله

هو ائتلاف Coalitions وليس تحالف Allies والفرق بينهما واضح. وبغض النظر عن هذا الفرق فغالبية الدول العربية في هذا الائتلاف تشبه في علاقتها مع أميركا «عنزة الزمخشري» التي كانت تطأطئ رأسها أثناء حديث العالم الكبير من دون أن تفهم ما يقول.

ولا شك في أن هذا الائتلاف تنقصه الإرادة الحقيقية لمكافحة الإرهاب لأسباب معروفة، أقلها أن الإرهاب يحقق أهداف أميركا تماماً. فهو يطبق نظرية جو بايدن في التقسيم ونظرية زبنيغيو بريجنسكي في تمكين الإسلاميين من حكم المنطقة، كما يطبق نظرية الفوضى الخلاقة بكل مكوناتها من فتن وقتل وتدمير وتوتر.

لكن لنفترض أن الائتلاف يريد محاربة الإرهاب فعلاً، وهو افتراض يخدم منهج التحليل لكن لا علاقة له بالواقع، فإن خطة أوباما فيها بعض الايجابيات. وكي يكون النقد موضوعياً لا بد من الاعتراف بأن كل حدث سلبي لا شك يترافق مع بعض الايجابيات، وكل حدث ايجابي يترافق مع بعض السلبيات، وهي ما يسمى بالظواهر الهامشية المرافقة. ومن ايجابيات خطة أوباما: 1- هي ثاني حشد عالمي ضخم «إسرائيل» ليست عضواً مباشراً فيه على رغم أن أميركا تقوده. الأول كان حشد تحرير الكويت 1991 – -2 هي اعتراف علني ورسمي بما كانت سورية تردده دائماً من أن الإرهاب خطر على الجميع، وهو نداء كان الرئيس الراحل حافظ الأسد أول من أطلقه محذراً العالم أثناء زيارته لليونان 1986 – -3 فضحت الخطة ارتباك الدول الإقليمية الداعمة للإرهاب علناً كتركيا والسعودية وقطر – -4 دفعت بمصر إلى إظهار تميزها عن مجموعة جدة، حيث أكدت مصر ضرورة أن تكون مواجهة الإرهاب شاملة مرتين، مرة لتشمل جميع الدول المتضررة من الإرهاب، ومرة لتشمل جميع المنظمات الإرهابية 5 استخدمت الخطة مصطلح تدمير Destroy الإرهاب بعد أن كان اللفظ الشائع احتواء Contain .

وإذا كانت الايجابيات نتيجة لمنطق الأحوال، فان السلبيات تأتي من نص الخطة الأميركية وروحها. فهذا النص يتمرد على القانون الدولي بوجه واضح:

1 – لا تستند الخطة إلى القرار الأممي 2170 ولا تذكره مما لا يعطيها شرعية دولية.

2 – إذا كانت أميركا تريد انتهاك السيادة السورية فسيكون هذا إعلان حرباً لأن سورية أعلنت أن ذلك عدوان. لذا فإن الإدارة الأميركية. بحاجة إلى شرعية داخلية، أي قرار الكونغرس الأميركي لإعلان الحرب على دولة مستقلة.

3 – لا يملك الائتلاف أي تفويض قانوني لأنّ القرار 2170 لا يفوض أي دول لتطبيقه. كما أن الفصل السابع المادة 42 من الميثاق تقول انه في حال استخدام التدابير العسكرية للدفاع عن الأمن والسلام الدوليين يقوم بذلك مجلس الأمن وليس دول تعطي نفسها هذا الحق من دون وجه حق.

4 – حتى لو فرضنا أن مجلس الأمن فوض الائتلاف وفقاً للمادة 42 من الميثاق الفصل السابع ، فان القرار 2170 يؤكد استقلال وسيادة سورية والعراق. وهذا القرار هو الأساس لأنه توصيفي وسياسي أما الفصل السابع فهو إجرائي، والإجراء يرتبط بالتوصيف وليس العكس.

5 – إن خطة أوباما تشذ عن القرار الأممي في مسألتين، أولاً إن القرار يطالب جميع الدول بمكافحة الإرهاب بينما تكتفي الخطة بالائتلاف، ثانياً إن القرار يطالب بمكافحة جميع المجموعات الإرهابية. ويذكر بالاسم «داعش» و«النصرة» وجميع مفرزات القاعدة، بينما الخطة تكتفي بـ»داعش» لأن «النصرة» تدعمها السعودية وكذلك الجبهة الإسلامية، ولأن الإخوان المسلمين مدعومون من قطر وتركيا على رغم إعلانهم منظمة إرهابية في مصر وسورية والسعودية. وقد لاحظت مصر هذه المحاباة الأميركية لقطر والسعودية، لذلك أصرت على وضع جملة في البيان الختامي لاجتماع جدة، بما يشير إلى «جميع المنظمات الإرهابية بما فيها داعش».

6 – إن الخطة تستثني سورية من الائتلاف على رغم أن سورية المعنية الأولى بمكافحة الإرهاب، وإن جيشها القوة الأكثر تماسكاً وتنظيماً وخبرة في مكافحة الإرهاب.

7 – تتضمن خطة أوباما تسليحاً إضافياً لما أسمته الخطة «المعارضة المعتدلة» من دون أي تفصيل، ولما كان الإرهاب محصوراً بـ»داعش» فهذا معناه أن «جبهة النصرة» و«الجبهة الإسلامية» وغيرها من التنظيمات التي لا تقل إرهابية عن «داعش» سوف تعتبرها أميركا « «معتدلة» وتدعمها. بدليل التعاون الوطيد بين «جبهة النصرة» و«إسرائيل» في الجولان.

8 – وبعيداً عن قراءة النوايا، وتأكيداً على الالتزام بالنص فإنني أنقل إلى القارئ ما جاء في الخطة حول سورية بالحرف. قال أوباما: «أنه لن يتردد في العمل ضد «داعش» كما في العراق» لكن قبل هذه الجملة وردت جملة تقول إن أميركا ستنسق مع الحكومة العراقية. فهل جملة «كما في العراق» تعني أنه سينسق مع الحكومة السورية أسوة بالعراق؟… أعتقد أن أوباما ترك هذا الخيار قائماً.

9 – إن أوباما لا يستطيع أن يتصرف كما يشاء في العلاقات الدولية لأن توازناً جديداً اليوم موجود ومؤثر. لا يمكن لواشنطن اليوم أن تفعل ما فعلته عام 2003 باجتياح بلد مستقل كالعراق. ولقد سأل أحد الصحافيين وزير الخارجية كيري بأن روسيا تنتقد تصرف أميركا لأنه خارج القانون الدولي، فأجاب المسؤول الأميركي غاضباً: «وهل احترم الروس القانون الدولي في القرم»؟ في رأيي هذا يطرح سؤالاً آخر: وهل احترمت واشنطن القانون الدولي في دعمها للفوضى الخلاقة في كييف ضد حكومة منتخبة ديمقراطياً؟.

هذا كله يشير إلى أن واشنطن بدأت تعترف بثقل التوازن الدولي. فالولايات المتحدة ما زالت الدولة الأقوى في العالم لكنها لم تعد الحاكم المطلق بأمره، ولا شك في أنه من الصعب عليها انتهاك السيادة السورية لثلاثة أسباب على الأقل: أولاً لأن سورية ليست منطقة وصاية وإنما هي دولة موجودة ومؤسساتها تعمل وحكومتها متماسكة ولها حضور دولي وجيش قوي، ثانياً لأن هناك دعماً إقليمياً واضحاً من قوى إقليمية كإيران إضافة إلى أن المخاطرة في سورية قد يوصل المنطقة إلى «الزلزال الكبير» الذي لن تنجو منه «إسرائيل» بحكم طبيعة الأشياء، ثالثاً لأن لسورية حلفاء على المستوى الدولي خصوصاً روسيا ومجموعة شنغهاي.

وزير وسفير سوري سابق

mahdidakhlala gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى