الدّواعش… بعد الصّناعة التّدمير

توفيق بن رمضان

أوّلا يجب أن نفهم كيف صنع الدّواعش؟ ولماذا صنع الدّواعش بكلّ أصنافهم وأنواعهم؟ لا شكّ أنّ هناك أرضيّة هُيّئت لظهور الجماعات المتطرّفة بكلّ أصنافها، فعندما تُمتهن كرامة المواطن، وعندما تُصادر حريّته، وعندما يُعذّب ويُنكّل به من دون شفقة أو رحمة في أقبية أجهزة الأمن، عندها يمكن لأيّ مواطن سويّ ومعتدل أن يتحوّل إلى داعشي متطرّف.

أمّا السّبب الأساسي لصنع «داعش» فهو تحجيم الدّور الإيراني في العراق، وبعد انتهاء المهمّة التّي صنعوا من أجلها، وبعد إزاحة نوري المالكي، وبعد التوافق الأميركي الإيراني على رئيس حكومة جديد في العراق، لم يعد لوجود الدّواعش أي فائدة أو مصلحة، وأصبح التّخلّص منهم ضرورة ملحّة وأكيدة، خاصة بعد انفلات المارد الدّاعشي من القمقم وانتشار العمليّات الدّاعشية كالنّار في الهشيم، الأمر الذي أصبح يهدّد الحلفاء والأنظمة العميلة في المنطقة، وتحوّل الخطر الدّاعشي إلى كارثة يصعب محاصرتها والتّحكم فيها.

ولكن الدّواعش المساكين والحمقى الذّين يشكّلون حالة مرضية تتطلّب الدّراسة والعلاج، وأنا أشفق على الكثير منهم، هم بغبائهم واندفاعهم الطائفي والمذهبي المفرط والأعمى والغير عقلاني تصوّروا بكلّ سهولة وبساطة أنّ بإمكانهم إقامة دولة الخلافة الإسلامية!

كيف ستسمح لكم المنظومة الغربية المتصهينة بإقامة دولتكم؟ وهم لم يسمحوا لـ»الإخوان» الذين قدّموا تنازلات أن يحكموا في مصر، ولم يسمحوا من قبل لحماس أن تترأّس حكومة السلطة التّي لا دولة لها ولا كيان، كما أنّهم لم يتركوا الثّورة الإيرانيّة وشأنها، وهم يواصلون محاربتها منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويحاولون الإطاحة بها المرّة تلوى الأخرى، من حرب صدام إلى التّدخّل الأميركي المباشر على حدودها الشّرقية في أفغانستان وحدودها الغربيّة في العراق.

ومن الأهداف الخفيّة من الفتنة السّورية هو ترحيل أزمات الأنظمة الخليجيّة إلى القطر السوري، كما رحّلوا في السّابق الشّباب المتحمّس إلى القتال في أفغانستان بعد اندلاع الثّورة الإيرانية، وها هم يعيدون الكرّة بترحيل الشّباب الخليجي المتحمّس بعد «التّسونامي العربي» إلى الأراضي السّوريّة ليجمّعوهم هناك ويحقّقوا بهم عدّة أهداف، من تدمير سورية وجيشها إلى تحجيم الدّور الإيراني، وفي نهاية الأمر التّخلّص منهم والقضاء عليهم على الأراضي السّوريّة والعراقية، ولا شكّ أنّ البقيّة الباقية منهم سوف يلقى بهم في غياهب السّجون عند عودتهم إلى أوطانهم الأصليّة كما حصل مع الأفغان العرب من قبل.

هكذا تكون الولايات المتّحدة الأميركيّة قد تمكّنت من التّخلص والقضاء على كلّ مشروع مقاتل يمكن أن يواجه جنودها في ساحة من ساحات القتال، وعلى الأراضي العربيّة، وفي الوقت نفسه لا تخسر جنديّاً واحداً ولا فلساً واحداً في هذه العمليات، وتكون قد جنّبت حلفاءها في المنطقة شرور الثّورات ومخاطر الدّواعش من الشّباب المتحمّس والمندفع، وذلك من خلال توفير ساحة قتال لهؤلاء خارج أراضي دول مجلس التّعاون الخليجي، وهكذا يكونون قد تخلّصوا بالقتل من عدد هائل منهم على الأراضي العراقيّة و السوريّة، ولاحقاً بالسّجن لمن نجا منهم بعد انتهاء مهامهم في سورية والعراق.

وها هي أميركا بعد صناعة الدّواعش من كلّ الأنواع والفصائل تتحالف مع عشرات الدّول للتّخلّص منهم، والدّواعش الأغبياء والحمقى والمساكين بغبائهم وحمقهم وقعوا في المصيدة ودمّروا أوطانهم وأنفسهم، وبتنطّحهم واندفاعهم الأعمى خدموا أجندات الأعداء والصهاينة، وكما يُقال يفعل الأحمق بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوّه.

نائب سابق وكاتب وناشط سياسي تونسي

romdhane.taoufik yahoo.fr

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى