«اتفاق أوسلو» في مواقف أصحابه

رامز مصطفى

بعد مرور عقدين من الزمن على «اتفاق إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الفلسطيني»، في 13 أيلول من العام 1993، وهو ما بات يعرف بـ«اتفاق أوسلو». يُطرح السؤال الذي يمثل القاسم المشترك في رأي أصحابه في الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، وحتى رعاته… أين أصبح «اتفاق أوسلو»؟ وبغضّ النظر عما نسمعه من تصريحات، وما نقرأه في وسائل الإعلام المختلفة حول هذا الاتفاق وعدم الالتزام والتقيّد بما نصّ عليه، لا تزال أطرافه عاجزة عن إطلاق رصاصة الرحمة عليه، أو البدء بإهالة التراب على قبر الجثة الهامدة منذ أكثر من عقد ونصف العقد، أي بعد انتهاء مرحلة الحلّ الانتقالي، ومضيّ السنوات الخمس الأولى على توقيع الاتفاق، وكان من المفترض الدخول في مفاوضات الحلّ النهائي في العام 1998.

الجواب أنّ الطرف الفلسطيني تحديداً، لا يزال يجد في «اتفاق أوسلو» مشروعية لاستمرار السلطة الفلسطينية، برئيسها ومجلسها التشريعي وحكومتها وأركانها وأجهزتها الإدارية والأمنية على حساب الحقوق والثوابت. أما «الإسرائيلي»، فهو يتمسك بهذا الاتفاق ليس لأنه يسعى حقيقة إلى «السلام» مع الفلسطينيين، فـ«أوسلو» بالنسبة إلى الكيان هو بمثابة «تأكيد لاستمرار المشروع الصهيوني، للحفاظ على سيادة يهودية ووجود إسرائيل كدولة ديمقراطية»، وهذا ما كتبه إبراهام بورغ في جريدة «هآرتس» عام 2013. مضافاً إلى ذلك وسيلة وأداة استغلال وتوظيف، حيث تمكّن من وراء التوقيع على «اتفاق أوسلو»، أن يُجمّل صورته أمام المجتمع الدولي، ويعفي نفسه من مسؤولية الأكلاف الاقتصادية المترتبة على احتلال الأرض الفلسطينية، وبالتالي التنسيق الأمني. وقد اعتبر يوسي بيلين «أنّ التغيير المهمّ الذي حملته اتفاقات أوسلو هو التنسيق في جميع الميادين، وعلى وجه الخصوص الأمنية منها»، و«اتفاق أوسلو غيّر مجرى التاريخ في منطقة الشرق الأوسط برمّتها، وأتاح إمكان عقد اتفاقية السلام مع الأردن، وأوجد عنواناً جديداً لتمثيل الشعب الفلسطيني السلطة الفلسطينية ، وأدى إلى ازدهار اقتصادي غير مسبوق في إسرائيل، وحسّن صورة الدولة العبرية في نادي الأسرة الدولية، وفتح أمامها مجالاً كبيراً لإقامة علاقات دبلوماسية مع دول كثيرة بما فيها دول عربية».

وعندما كان بنيامين نتنياهو رئيساً لما تسمّى المعارضة في الكيان، وخلال جلسة النقاش حول «اتفاق أوسلو» في الكنيست الصهيوني، قال: «حينما أتولى رئاسة الوزراء سألغي اتفاق أوسلو»، لكنه لم يفعل ذلك على الرغم من تهديداته المتواصلة بوقف العمل في نصوص الاتفاق. وهو عملياً أوقف العمل فيه والالتزام به، كما فعل أسلافه من قبله. وعندما اغتيل المقبور رابين على خلفية توقيعه على «اتفاق أوسلو»، حمّلت زوجة رابين، نتنياهو مسؤولية مقتل زوجها بسبب تحريضه على «اتفاق أوسلو» والموقع عليه.

سنوات طويلة مرّت والسلطة الفلسطينية بأركانها، لا تزال تنعى هذا الاتفاق وتعتبره غير موجود، بسبب ممارسات الاحتلال في التهويد والاستيطان، واستمراره في سياسة الاعتقالات والاغتيالات، والعمل الحثيث للقضاء على عناوين القضية الفلسطينية عبر فرض وخلق الوقائع الميدانية في طريقها. هذا النعي الذي لم يرتق إلى اتخاذ خطوات في اتجاه قلب الطاولة في وجه الأميركي و«الإسرائيلي»، بعد فضح سياسة الإدارة الأميركية كراعية حصرية للاتفاق والمفاوضات، وكذلك الاحتلال وممارساته الإجرامية، وليس آخرها العدوان الهمجي والبربري على قطاع غزة على مدار 51 يوماً.

وفي مراجعة سريعة لمواقف أصحاب الاتفاق، والمهللين له في الجانب الفلسطيني يتأكد أنّ هذه المواقف ما كانت سوى ذرّاً للرمال في عيون الشعب الفلسطيني الذي اكتشف الأكذوبة الكبيرة المسماة «اتفاق أوسلو». فقد اعترف كبير المفاوضين الدكتور صائب عريقات بعد مؤتمر أنابوليس العام 2007، بفشل 18 عاماً من المفاوضات».

كما أن رئيس السلطة الفلسطينية الذي تكرّرت تصريحاته ومواقفه من «اتفاق أوسلو»، أكد في طريق عودته من اجتماعات لجنة المتابعة العربية والقمتين العربية والعربية الأفريقية في ليبيا العام 2010، «أن إسرائيل قامت فعلياً بإلغاء اتفاق أوسلو. وقامت أيضاً بسحب الولاية الفلسطينية، السياسية القانونية، والأمنية، والوظيفية للسلطة، على الأراضي الفلسطينية بشكل كامل». وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال رئيس السلطة في أيلول العام 2013: «قدمنا تنازلات مؤلمة بتوقيعنا على اتفاق أوسلو قبل 20 عاماً، ونؤكد أننا نرفض الدخول في دوامة اتفاق موقت يتم تدويمه. وأضاف رئيس السلطة: «إنّ الصورة تبدو محبطة وقاتمة بعد 20 سنة على توقيع اتفاق أوسلو»…

وبدوره أحمد قريع أحد مهندسي أوسلو، فقد صرح في مقابلة مع صحيفة «معاريفـ« بأن «اتفاق أوسلو قد انتهى». وذهب إلى القول لقناة «العربية» في تشرين أول من العام 2003 «بأنّ الجدار يجعل إقامة دولة فلسطينية مجرّد نكتة». وفي تصريح آخر، قال: «ثبت بعد عشرين سنة من اتفاق أوسلو أنّ التفاوض ليس الآلية الصالحة، بل هو مضيعة للوقت لغاية الآن».

الدكتور نبيل شعث قال: «لم يعد الفلسطينيون يريدون السماع باتفاقات على مراحل مثل أوسلو»، مضيفاً: «لا اتفاق مرحلياً بعد الآن، أننا تعلمنا أمثولتنا».

وبدورها الدكتورة حنان عشراوي وفي تصريح لوكالة «فرانس برس» قالت: «منذ إعلان المبادئ، حققنا عودة القيادة الفلسطينية، وبناء مؤسسات فلسطينية، ونظام فلسطيني إداري خاص ، واستطردت قائلة: «خسرنا الكثير سواء على صعيد الأرض أو الموارد والقدرات الفلسطينية، وقامت إسرائيل بفرض بنية تحتية معينة، وتمّ تحويلنا إلى معازل منفصلة، بحيث باتت المستوطنات كأنها الأساس، والوجود الفلسطيني هو الجديد».

أما مساعد وزير خارجية السلطة الأسبق محمود العجرمي فأكد «أنّ قيادة منظمة التحرير تدرك أنّ حق العودة ضاع باتفاق أوسلو، الذي شكل محطة انحدار في المسار الفلسطيني. كما جاء لضرب القضية الوطنية في الصميم بعد اعتراف المنظمة بالعدو الصهيوني على أرض فلسطين».

نبيل عمرو أورد في مقالة نشرت أخيراً أنه «بعد أكثر من مائة ألف ساعة حوار ومفاوضات مع الإسرائيليين، وصلنا إلى ما نحن فيه الآن. أنا لا أنكر أننا وفي هذه المسيرة الطويلة ارتكبنا الكثير من الأخطاء، ووقعنا في حالات من سوء التقدير في الحسابات والمواقف والقرارات. هل وعينا الدرس بما يكفي، أم أننا سنواصل العمل وفق متطلبات اللحظة، وهذا أفضل ما ترغبه إسرائيل وتستفيد منه».

أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة ياسر عبد ربه قال في اختتام اجتماعات القيادة الفلسطينية، التي استمرت على مدار يومين، «إنّ السؤال الأهمّ من ذلك كله، كيف يمكن الدفاع عن المصير الوطني الفلسطيني؟ بعد أن أصبح ليس أوسلو فقط بل حلّ الدولتين عملياً في حكم الملغى. نتنياهو عمل على خلق وقائع استيطانية على الأرض تجعل قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 أمراً مستحيلاً. وبديل نتنياهو عن ذلك هو الدولة الواحدة العنصريةن ليكون فيها الفلسطينيون في وضع المسيطَر عليهم أمنياً واقتصادياً وتتقلص باستمرار المساحة الجغرافية التي يتحكم بها الشعب الفلسطيني، وهذه هي القضية التي ينبغي مواجهتها وليس شعارات لا محتوى لها ولا أهداف لقتل ما هو ميت أصلاً»، وقصد بذلك طبعاً «اتفاق أوسلو».

ومع وصول المفاوضات التي استؤنفت في آب من العام الماضي، إلى أفق مغلق لا يزال أصحاب أوسلو من الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»، متمسكين بهذا الاتفاق لأنه صلة التواصل الوحيدة، وتحديداً بالنسبة للسلطة الفلسطينية لسبب بسيط أنّ كلّ مقدراتها واستمرارها هو رهينة بيد الاحتلال. وبغض النظر عن جدية رئيس السلطة حول عزمه التوجه إلى الأمم المتحدة من أجل انتزاع جدول زمني لإنهاء الاحتلال. وهو ما عرضه الدكتور صائب عريقات أمام وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي تفيد المعلومات أنه أكد رفض إدارته لهذا التوجه. مما يتيح لنتنياهو الاستمرار في برنامج فرض وقائعه في التهويد والاستيطان، حيث لم يبقِ الاحتلال من هذا الاتفاق سوى التنسيق الأمني، واتفاقية اقتصادية تتحكم بها حكومة الكيان. كيف لا، وكبير مهندسي «اتفاق أوسلو»، وهو اليوم رئيساً للسلطة، كان قد أقرّ في أحد اجتماعاته «بأنّ السلطة باتت توفّر للاحتلال خدمة خمس نجوم، وتعفيه من جميع التزاماته».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى