تركيا وقاعدة الأطلسي في سورية

عامر نعيم الياس

أعلن الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عن نيّته «إنشاء منطقة عازلة على الحدود مع العراق وسورية لمواجهة خطر الجهاديين». إعلان وصفته «لو موند» الفرنسية «بالمهمّ»، خصوصاً أنّ الدول الغربية «وجّهت انتقادات إلى تركيا بأنها لم تتخذ الإجراءات الكافية لمنع تدفّق الجهاديين إلى سورية والعراق».

وأكّد مصدر حكومي تركي لوكالة الصحافة الفرنسية «أنّ إنشاء هذه المنطقة يأتي فقط لأسباب إنسانية بحتة. فهدفنا الرئيس عدم وصول موجة جديدة من اللاجئين السوريين، لدينا مليون ونصف المليون سوري ولا نستطيع استيعاب موجة أخرى من هذا الحجم».

الهدف إنساني، وحتى ما جرى في ليبيا والعراق والعودة إليه في عهد أوباما بحجّة «داعش» هو أيضاً أمر إنساني، فالبداية كانت من التدخل الجوي «لحماية الأقليات من الإبادة». ذريعة من شأنها في تصريحات أردوغان أن تحفظ ماء وجه الغرب والحكومة التركية من جهة، ومن جهة أخرى تضع حجر الأساس لقاعدة الأطلسي على الأراضي السورية. فكيف سيُمرَّر المقاتلون «المعتدلون» لما يُسمّى «المعارضة السورية»، والمدرّبون في السعودية إلى سورية؟ هل يتحمّل لبنان والأردن هذا الأمر، أم أنه يحتاج إلى دولةٍ بحجم تركيا؟

في ذكرى أحداث الحادي عشر من أيلول أعاد أوباما رسم خريطة المنطقة بإعلانه عن صكّ براءة لأدواته في المنطقة، وعلى رأسها المملكة السعودية التي صارت ركيزة المواجهة في سورية رسمياً، عبر التمويل وتدريب الميليشيات المرتبطة بالمشروع الأميركي. وصارت المملكة أساس الحراك ومركز مؤتمرات إقليمياً بدأها كيري لصوغ التحالف، ولم تنته يوم أمس بمؤتمر عن «التحدّيات الإقليمية للإرهاب» بالنسبة إلى دول الخليج. والواضح في سياق الأحداث المتسارعة الخاصة بالتحالف الدولي لأوباما، أنّ صكوك البراءة لم تقف عند هذا الحدّ. لا بدّ أن يُخفَّف الضغط عن حكومة «حزب العدالة والتنمية» في ما يخصّ ملف الشبكات «الجهادية»، ومنع تدفق المقاتلين الأجانب من سورية وإليها.

وفي مقابل ذلك، وبالتوازي مع الرفض التركي الرسمي والحاسم لمساعدة أوباما عسكرياً في حربه على تنظيم ما يُسمّى «الدولة الإسلامية»، لا بدّ من دفع الثمن وتأمين الدعم اللوجستي.

هنا يمكن لحظ أمرين:

ـ أنّ استراتيجية أوباما خصّت «داعش» دون غيره، وارتكزت في سورية على التنظيمات المعتدلة التي شملت كلّ ما هو موجود، ما عدا «داعش»، بهدف شرعنة تدفّق المقاتلين الأجانب إلى سورية، شرط عدم انضوائهم تحت راية «داعش».

ـ تركيا على يمين الإدارة الأميركية، وتحاول في أيّ مرحلة تصعيد أميركيّ، إثارة ملف إنشاء شريط حدوديّ. وهي وحدها القادرة على إنشاء قاعدة للأطلسي داخل الأراضي السورية تُدعى مجازاً «المنطقة العازلة»، فضلاً عن أنّ الشمال الذي يشهد الانتشار الأكبر لكافة التنظيمات المتطرّفة المرتبطة بالاستراتيجية الغربية، أو التي تتطابق مصالحها مع واشنطن ضدّ «الدولة الإسلامية» في هذه اللحظة. هذا الشمال مرتبط حدودياً مع تركيا، وبالتالي فإنّ عملية ملء الفراغ المتوقّع بعد الضربات الجوّية الأميركية «الشرسة والطويلة» بحسب وصف الجنرال مارتن ديمبسي رئيس الأركان الأميركي، ستتمّ عبر هذه الحدود وفي هذه المناطق بالذات.

هو انتقال من «الحرب المقدّسة» إلى «الحرب على الإرهاب» استبدال لشرعية إلهية بشرعية كونية تفرضها الدولة الأقوى حتى اللحظة في هذا العالم الذي يصارع للانتقال إلى التعدّدية القطبية. لكن هل إنشاء المنطقة العازلة في الشمال تحديداً سيكون بهذه السهولة؟ وهل تقبل بها واشنطن بغضّ النظر عن تداعيات المواجهة المباشرة بين دمشق وطهران وموسكو من جهة، وأنقرة والأطلسي من جهة أخرى؟

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى