الخليج في ظلّ التطوّرات الأخيرة… صراع بين إيران والسعودية والبساط يُسحَب من تحت قطر

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

الصراع بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، ليس وليد هذه الأيام كما يظنّ البعض. وهو ليس مبنيّاً على أساس طائفيّ صراع سنّي ـ شيعي، أو وهابي ـ شيعي كما يحلو لبعض الطارئين توصيفه. الصراع بين البلدين كان مستعراً أصلاً، منذ أن انتقلت إيران من كونها الحليف الأكبر للولايات المتحدة في منطقة الخليج، إلى عدوّها الأكبر بعد انتصار الثورة الإسلامية فيها عام 1979. ومنذ ذلك الوقت، غرقت الرياض وطهران في حمأة مجابهات تراوحت بين الحروب بالوساطة، كما حدث إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية التي دعمت فيها السعودية بقوّة الرئيس الإيراني السابق صدّام حسين، وبين المجابهات الودّية خلال عهدَيْ الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمود أحمدي نجاد.

إلّا أنّه لا يُخفى على أحد، أنّ بحر الخليج العربي أو الخليج الفارسي يُعتبر منطقةً استراتيجيةً غاية في الأهمية من الناحيتين الجيوسياسية والعسكرية، فمن يطبق السيطرة على هذا البحر المتفرّع من المحيط الهادئ، فإنّه بذلك يحكم القبضة على أغنى منطقة بالنفط في العالم من جهة، وعلى الداخل الآسيوي والهلال السوري الخصيب من جهة ثانية. والبرهان على ذلك، اللهاث الأميركي للسيطرة على هذه المنطقة، واجتراح أميركا شتّى الأعذار لتعلن حروباً في تلك المنطقة، كما حصل في العراق مرتين، وبذلك تدخل أساطيلها الحربية ذلك الخليج، ولا تخرج منه حتّى لو انتهت تلك الحروب.

فوق مياه بحر الخليج حاملات طائرات، وفي أعماقه غواصات، ومَنْ يقول إنّ ذلك الخليج ليس محتلّاً يكون مختلاً. فالقاصي يعرف قبل الداني أهمية ذلك الخليج، بالنسبة إلى أميركا، وحلفائها وحتّى أعدائها.

اليوم، وإذ تخضع المنطقة لتطورات محلية وإقليمية خطِرة، يلعب الخليج دوره البارز من جديد، وإذا كان الصراع سابقاً يهدف إلى السيطرة على هذه المنطقة البحرية، فإنّ الصراع اليوم يحتدم من أجل إثبات الوجود في هذه المنطقة.

وإذا كانت إمارة قطر قد دخلت منذ سنواتٍ قليلة جدّاً طرفاً ثالثاً في هذا الصراع، عبر تنطّحها لدعم الجماعات الإرهابية المتطرّفة المنبثقة عمّا سمّي «الربيع العربي» وأيضاً عن فلول تنظيم القاعدة. فإنّ البساط اليوم يُسحب من تحتها، لتعود إيران والسعودية إلى الانفراد في هذا الصراع من جديد.

لكن السياسة اليوم تختلف عن السياسة أمس، وستختلف أيضاً مستقبلاً. وربّما يكون الوقت قد حان فعلاً لإذابة الجليد بين السعودية وإيران، إذ فعلت المصالح المشتركة بين البلدين فعلها، وذلك بعد تمدّد تنظيم «داعش» في المنطقة، ما أثار قلق كلّ من طهران والرياض على حدّ سواء.

التشارك بين البلدين في قمع هذا الخطر الزاحف ضروريّ، لكن ثمّة ما يوحي أنّ إمكانية ذوبان الجليد بين «العدوين القديمين» الرياض وطهران، أمر يصعب تحقيقه لفترة طويلة. فهناك تناقض جوهري في العلاقات السعودية ـ الإيرانية، منذ صعود نجم إيران كقوّة واعدة في المنطقة، وكرقم صعب في التطبيع مع العالم الغربي، وفي دخولها القوي والوشيك إلى سوق الطاقة العالمية، وانطلاقتها الاقتصادية والتكنولوجية التي ستتبع فكّ أسرها من قيود العقوبات الدولية. وبعبارة أخرى، إنّ تطوّر إيران يقلّص من أهمية المملكة العربية السعودية ودورها، بصفتها الحليف الأقوى للولايات المتحدة في المنطقة… فبروز إيران كدولة إسلامية ديمقراطية قوية يهزّ كيان السعودية.

في التقرير التالي، تعريجٌ على محاولات إذابة الجليد بين طهران والرياض، وما يحوم حوله من صراع على منطقة الخليج العربيّ. وفيه أيضاً ما كُتب عن محاولات إنقاذ محادثات مجموعة «5+1» النووية وتفادي انهيارها، إذ ربما يكون الموعد النهائي الذي حُدّد في تشرين الثاني المقبل الخيار الوحيد المتبقي لذلك. ونختم هذا التقرير بخروج قطر من المعادلة، بعدما تخلّى عنها الأقربون. وما هذا التقرير سوى مقتطفات من صحف ومدوّنات أجنبية، قمنا بترجمتها وجمعها.

يتبادر سريعاً إلى أذهاننا، احتمال تدوير الزوايا وذوبان الجليد بين السعودية وإيران بعد زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان إلى الرياض ومحادثاته منذ أسابيع مضت مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل.

حول العلاقات الإيرانية ـ السعودية 1

ربّما يكون الوقت قد حان فعلاً لإذابة الجليد. فقد فعلت المصالح المشتركة بين البلدين فعلها، وذلك بعد التمدّد المخيف الذي بدأه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ما أثار قلق كلّ من طهران والرياض، وضرورة أن يتشارك البلدان في قمع هذا الخطر الزاحف.

ما من شك في أنّ لإيران دوراً أساسياً في استبدال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، والذي جاء بناءً على مطلب سعودي ـ علماً أنّ طهران تملك الكثير من الأسباب الخاصة لدعم العملية الانتقالية في بغداد. ومن المؤكد أن طهران تسعى إلى إقامة حكومة وطنية جامعة في بغداد، والتي ستحتضن آمال العراقيين السنّة وتحافظ على وحدة العراق وسلامة أراضيه. وزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى العراق في الآونة الأخيرة ليست سوى دليل على أن السعوديين يطالبون بحلّ شامل في السياسة العراقية.

مرّة أخرى، لا تخطئ إيران في السعي إلى أن تكون عاملاً أساسياً من عوامل الاستقرار في العراق. فالمشاورات التي أجراها ظريف هناك، تعكس بوضوح مدى تأثير إيران وسيطرتها على بعض المدّ مثل أربيل وبغداد والنجف وكربلاء.

وعليه، فإن مراهنات الإيرانيين على نجاح مشاورات عبد اللهيان مع الفيصل، والبحث حول المصالح المشتركة في شأن التطوّرات الخطِرة الحاصلة في الشرق الأوسط. ويقول هذان الدبلومسيان إنّ الجمهورية الإيرانية الإسلامية تشدّد على أهمية فتح علاقات سياسية جديدة بين البلدين وضرورة هذه العلاقات. ومع ذلك، لم يرد في هذا التقرير أيّ إشارة إلى دعوة الفيصل لظريف إلى زيارة السعودية، والتي يُخطّط لها منذ أيار الماضي. وذلك بعد أن قام ظريف بجولة واسعة على أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك بعد زيارته أنقرة، وهي زيارد تعدّ الثانية منذ أشهر.

غير أنّ هذه العلاقات ليست واضحة وعلنية للجميع. فالأكثر وضوحاً أنه، على رغم أن الفيصل صافح عبد اللهيان في الرياض، استطاعت إيران بوسائلها الخاصة معرفة أنّ طائرة التجسّس «الإسرائيلية» التي استهدفتها إيران قبل يوم من لقاء الدبلوماسيَيْن، كانت قد أقلعت من قاعدة جوية عسكرية أميركية في الأراضي السعودية.

وما لبث أن ادّعى قائد إيرانيّ بارز في الحرس الثوري أن طهران استطاعت رصد حركة هذه الطائرة منذ لحظة إقلاعها لمعرفة الهدف من تحليقها. واتّضح في ما بعد أن الهدف كان مركز تخصيب اليورانيوم في «نطنز». وقد هدّدت إيران «إسرائيل» بالانتقام، لكنها عمدت بعد حين إلى تجاهل شريك «إسرئيل» السعودي. ويضيف القائد الإيراني: «إن ردّ فعلنا إزاء هذا العمل العدائي لن يكون دبلوماسياً، وسنردّ في ساحة المعركة، وليس من الضروريّ أن نعلن كيف سيكون الردّ، فالعدوّ هو من سيرى وسيفهم».

كيف سيكون الردّ؟ من المحتمل جدّاً أن ترفع إيران وتيرة تزويد حماس بالأسلحة والصواريخ المتطوّرة، جنباً إلى جنب مع حليفها الاستراتيجي حزب الله. وما من دليل على أنّ عبد اللهيان قد أشار في مشاوراته مع الفيصل إلى إمكانية تواطؤ السعودية مع «إسرائيل» في شأن طائرة التجسّس «الإسرائيلية». فليس من عادة الإيرانيين أن يكونوا صريحين، على عكس العرب الخليجيين.

وما توحي به كل هذه الأحداث إلى أنّ إمكانية ذوبان الجليد بين العدوين القديمين الرياض وطهران، أمر يصعب تحقيقه لفترة طويلة. فهناك تناقض جوهري في العلاقات السعودية ـ الإيرانية، منذ صعود نجم إيران كقوّة واعدة في المنطقة، في التطبيع مع العالم الغربي، في التكامل مع المجتمع الدولي، في دخولها القوي والوشيك إلى سوق الطاقة العالمية، انطلاقتها الاقتصادية والتكنولوجية التي ستتبع فكّ أسرها من قيود العقوبات الدولية، دعمها الربيع العربي… كل هذه الأمور تتناقض والمصالح السعودية. بعبارة أخرى، إنّ تطوّر إيران يقلّص من أهمية المملكة العربية السعودية ودورها، بصفتها الحليف الأقوى للولايات المتحدة في المنطقة… فبروز إيران كدولة إسلامية ديمقراطية قوية يهزّ كيان السعودية.

إنّ التعاون القائم بين السعودية و«إسرائيل» في شأن المهمات الاستخباراتية الموجّهة ضدّ المنشآت النووية الإيرانية، من شأنه أن يظهر نوايا سعودية أقلّ بكثير من إمكانية احتواء إيران، على رغم المحاولة القديمة للولايات المتحدة القيام بذلك على مدى ثلاثة عقود، إذ باءت كلّ تلك المحاولات بالفشل.

إذاً، لِمَ أُرسل عبد اللهيان بتلك المهمة إلى الرياض؟ من الواضح أنّ المشاورات السعودية ـ الإيرانية كانت قد وُضعت مسبقاً على جدول الأعمال. والمثير للاهتمام أنّ الفيصل المعروف عنه تشدّده وعناده حيال القضايا المرتبطة بالشيعة الإيرانيين، كان يعلم حكماً بشأن اختراق طائرة التجسّس «الإسرائيلية» الأجواء الإيرانية في اليوم نفسه الذي انطلق فيه عبد اللهيان من طهران لملاقاته في الرياض!!!

إيران ومجموعة «5+1»: الحصول على الـ«نعم» 2

قد يكون الموعد النهائي الذي حُدّد في تشرين الثاني المقبل، الخيار الوحيد المتبقي لتفادي انهيار محادثات مجموعة «5+1» النووية. فالحلّ الوسطي والوحيد لإنهاء هذه الأزمة، في قبول تخصيب اليورانيوم، وهذا يتطلّب التراجع من قبل الجانبين عن المواقف المتطرّفة والتركيز على الحلول الواقعية.

بقيت إيران ودول مجموعة «5+1» الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا وألمانيا متباعدتين حول القضايا الأساسية، على رغم التقدم الكبير في مسار المفاوضات على مدى الأشهر الستة الماضية. وفي مؤتمرها الأخير بعنوان «إيران ومجموعة «5+1»: الحصول على الـ«نعم»، أوضحت مجموعة الأزمة الدولية أنّ الطرفين قد تناسا الدروس التي يجب أن يستخلصاها، وافترضا ـ خطأً ـ أنهما يئسا من الحصول على اتفاق من شأنه أن يخفّف المنافسة، ويجبرهما على تجاهل القيود السياسية الداخلية. فالنتيجة المحتملة لهذه اللعبة الخطِرة للغاية إذا ما استمرّت، لن تنتج سوى الفشل. ما من مجال للخطأ أو لخسارة الوقت، فالحلول الوسطية العملية ما زالت محتملة الحدوث. وقد بُنيت هذه الإحاطة على خطة مؤلفة من أربعين نقطة للأزمة النووية سُجّلت في أيار الماضي، نتجت عن محادثات استمرت لأكثر من نصف سنة، تحقق نتائج جديدة في مواجهة المفاوضين وتقدّم حلولاً مبتكرة للخروج من المأزق.

التوصيات الرئيسية في المؤتمر هي:

على إيران ودول مجموعة «5+1» إيجاد أرضية مشتركة لهندسة سياسية عكسية كامنة وراء الخلافات التقنية. وهذا يعني برنامجاً تخصيبياً غنياً لإيران استمرار التقدّم العلمي تخفيف العقوبات المفروضة. أما للمجموعة، فإن هذا يتطلّب ستارة حماية توفّق بين القدرات النووية المدنية والعسكرية المحتملة لإيران آليات المراقبة الصارمة والوقت والتعاون الكافيين لبناء الثقة.

يُفترض بإيران قبول المزيد من القيود المفروضة على عدد أجهزة الطرد المركزي لديها وتأجيل خططها لتخصيب اليورانيوم على نطاق صناعي. وبالعودة إلى مجموعة «5+1»، ينبغي القبول باستمرارية النموّ النوعي لقدرة إيران على التخصيب من خلال البحث والتطوير.

ضرورة التزام إيران استخدام الوقود النووي الروسي لمفاعل بوشهر النووي استخداماً طويل الأمد، وذلك بالعودة إلى الضمانات الروسية القوية لدعم التعاون النووي لدى المجموعة وتقويته، خصوصاً لناحية تصنيع الوقود النووي. هذا من شأنه أن يحضّر طهران تدريجياً لتحمّل مسؤولية احتمال إضافة محطة أو محطات، مع نهاية الاتفاق، على مدى 11 أو 16 سنة.

يجب أن يستند الاتفاق على معالم واقعية وموضوعية، كمثل الوقت الذي تحتاجه الوكالة الدولية للطاقة الذريّة للتحقيق في أنشطة إيران النووية السابقة بهدف تحديد توقيت المحادثات النهائية بدلاً من الذاتية التي تمليها تلك التقويمات السياسية.

ويرى علي فايز، وهو كبير المحللين الإيرانيين، أن حجج الجانبين تحمل التدقيق في النقاش حول عدد أجهزة الطرد المركزي، إذ إن جذور الخلافات الأساسية تنحصر في السياسة…، فالمفاوضون من الطرفين مدفوعون ومقيّدون بالسياسة المحلية الخاصة بكلّ منهما، خصوصاً الولايات المتحدة وإيران. إذ لا تزال دوائر التشكيك حيال المفاوضات قوية ولديها القدرة على عرقلة مسارها.

يقول روبرت بليشر، وهو مدير الشرق الأوسط بالنيابة، إن لحظة الحقيقة حانت لكلّ من إيران ومجموعة «5+1». والتي يجب ألا يضيّعوها، إذ من غير المرجّح أن تعود إلى الظهور قريباً… فقد تسمح الأحزاب للمثاليّ والكامل أن يكون عدواً للخير وأن يراقب أفضل الفرص لحلّ هذه الأزمة والتقليل من احتمالات الأذية الناتجة عن المواقف التصعيدية، أو سيكون عليهم أن يختاروا بدقة وحكمة.

دعم قطر للمتطرفين ينفّر حلفاءها 3

القاهرة وقف الشيخ الزائر في مقدّمة قاعة المؤتمرات في الدوحة، متوجهاً إلى جمهوره من الأثرياء القطريين، بضرورة دعم المتضرّرين من السكان السوريين، وعدم إعاقة برامج التبرّعات الإنسانية أو الدعم الغربي للجيش السوري الحرّ.

ناشد الشيخ حجّاج العجمي قائلاً: «أنفقوا الأموال على الجهاد لا على التبرّعات»، وهو الذي اعتبرته الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، جامعاً للتبرّعات المقدّمة إلى تنظيم «القاعدة» في سورية.

قطر، إمارة صغيرة على حدود الخليج الفارسي، حيث تنشر الولايات المتحدة أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط. لكنها وافقت ضمنياً ـ ومنذ سنين ـ على جمع الأموال من الشيخ العجمي وكثيرين أمثاله. بعد تلك الرمية الشهيرة التي لاقت تقديراً لافتاً وسُجّلت عبر الإنترنت عام 2012 خلال البرنامج الرياضي الذي تمتلكه قناة الجزيرة. أصبح الشيخ العجمي الأقدر في مساعدة السوريين، وأعلن عن ذلك صراحة محمد سادوم القويري.

مهنة الشيخ العجمي كجامع للتبرّعات مثال واضح على دعم قطر المجموعات الإسلامية المتنوّعة في المنطقة على مدى سنوات من خلال تأمين ملاذ آمن، وساطة دبلوماسية، مساعدات مالية، وأحياناً كثيرة الأسلحة. وحدّدت الولايات المتحدة الشيخ العجمي وغيره ممن يتحرّكون بحرّية في الدوحة على أنهم المتبرّعون والمموّلون الأساسيون لتنظيم «القاعدة» في سورية، متحدّثين في كثير من الأحيان في المساجد المملوكة من الدولة وغالباً ما يظهرون على قناة الجزيرة. حتى أنّ الدولة نفسها تؤمّن المساعدة من إعلام ومال وأسلحة لحركة الطالبان في أفغانستان، حماس في غزّة، «الثوار» في سورية، الميليشيات في ليبيا، وحلفاء الإخوان المسلمين في المنطقة.

تجد قطر نفسها الآن في خضمّ هجوم مدمّر لمصالحها من قبل كلّ من المملكة السعودية، الإمارات، مصر و«إسرائيل»، الذين اعتبروا أنّ قطر هي الأب الروحي للإرهابيين في كلّ مكان. كما أنّ البعض في واشنطن اتهموها مباشرة بأنها تسلّح تنظيم «داعش» في العراق وسورية، هذا التنظيم الدموي المتطرّف. وهذه الاتهامات من المسؤولين الغربيين والمحللين العرب هي دعوة غير قابلة للتصديق وغير مؤكدة.

«إنه مجرد تضليل»، يقول مايكل ستيفنز وهو باحث بريطاني في معهد خدمات المملكة المتحدة الملكي في الدوحة، ويضيف: «لستُ أبرّر ما تفعله قطر. فقد أصبحت غير مسؤولة حيال الصراع القائم في سورية كغيرها من الدول، لكن الادّعاء بأن قطر هي من تقف خلف داعش فيه الكثير من المبالغة إنها السياسة التي تلعب دورها الأساس وتُعمي الناس عن النظر إلى الحقيقة بجلاء».

تتنافس دول الطاقة الخليجية على توجيه سيول من الاتهامات إلى قطر، بسبب دعمها المعارضة في سورية وليبيا وكذلك في مصر. ففي مصر دعمت قطر وقناتها «الجزيرة» الحكومة السابقة بقيادة الإخوان المسلمين، بينما وجدت الملكيات الخليجية الأخرى خطراً في دعم مثل هذا التنظيم الذي قد يهدّد وجودهم في عقر دارهم، فعملوا على دعم الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس الإسلامي.

تكاد تكون قطر الملكية الخليجية الوحيدة التي سمحت بالتبرّع العلني من المشايخ، والذي تقول الولايات المتحجة أنه تمويل مباشر لـ«القاعدة» و«النصرة»: فالشيخ العجمي وأمثاله في الكويت من المانحين الرئيسيين يجمهون التبرّعات في المملكة العربية السعودية وأحياناً كثيرة يعلنون ذلك على شبكات التلفزة الكويتية والسعودية. وقد اتهمت الولايات المتحدة هذه القنوات بـ«التساهل فضائياً» في جمع الأموال للإرهابيين.

ويرى المحلّلون أنّ قطر سعت بشكل فعّال إلى تحقيق التوازن، إذ راهنت على مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة، جاهدة إلى عدم تنفير الغرب من سياستها. غير أنها غضّت الطرف عن جمع الأموال من المتبرّعين في القطاع الخاص إلى الجماعات الإرهابية المرتبطة بشراء الأسلحة في سورية عل سبيل المثال. وقد صرّح ستيفنز أن الضغط الغربي حضّ قطر على التقليل من دعمها المالي العلني على أقلّ تقدير.

تساعد قطر بشكل علني قادة حماس الفلسطينيين الذين صنّفتهم الولايات المتحدة و«إسرائيل» إرهابيين، لكن الغرب رأى أنّ قطر لا تمدّ هؤلاء بالأسلحة كما تفعل إيران. فقطر سمحت لبعض أعضاء حماس بفتح مكاتب لهم فضلاً عن السكن في الدوحة كجزء من صفقة وافقت عليها واشنطن.

في ليبيا، تلعب كل من قطر والإمارات العربية المتحدة لعبة بغيضة في دعمها الجماعات المسلحة في نزاعها الداخلي: فالإمارات تدعم مقاتلي معمّر القذافي السابقين، بينما تساعد قطر الجماعات الإسلامية المتطرّفة هناك.

خلال انتفاضة ليبيا عام 2011، ساندت قطر جماعة إسلامية مسلّحة في بنغازي تُعرف باسم «راف الله السحاتي» التي يعتبر قادتها المتطرّفون أصدقاء للغرب. وما لبث هؤلاء الإسلاميون أن استقلوا عن «أنصار الشريعة»، المجموعة المسؤولة عن مقتل السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز. وها هي قطر لا تزال تقدم المساعدات إلى هذه المجموعات في قتالها مع الحركات المناهضة للإسلام والتي تدعمها الإمارات العربية المتحدة.

ووفقاً لدبلوماسيين وإسلاميين عملوا مع الدوحة، فإنّ قطر حاولت أن ترسم حدوداً لدعمها هذا، وذلك منذ الإطاحة بحكم الإخوان في مصر على سبيل المثال، إذ صرّح الإسلاميون المنفيون عن تقديم قطر الأمن والحماية لهم، غير أنها رفضت بحدّة دعمهم بالأسلحة خوفاً من استثارة غضب جيرانها الخليجيين، الذين لم يكفّوا عن توجيه التهم إلى قطر بمساندتها الإرهاب في سورية وغيرها من البلدان.

يقول بول سالم، وهو باحث في معهد الشرق الأوسط، إنّ التحوّل الكبير، يحصل في مصر لا في سورية. وإنّ السعودية والإمارات المتحدة وغيرها من دول الخليج تمارس مزيداً من الضغط على قطر.

عمدت السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى سحب سفيريهما من الدوحة منذ الاستيلاء العسكري الذي حصل في القاهرة. و«إسرائيل» التي أشادت سابقاً بقطر كونها الإمارة الخليجية الوحيدة التي قامت بفتح علاقات ثنائية بين البلدين، استفادت من ضغط الدول الخليجية على قطر بسبب دعمها حماس. وأطلق رون بروسور، سفير «إسرائيل» في الأمم المتحدة، على الدوحة لقب «نادي إرهابيي المتوسط» وذلك في مقال للرأي في «نيويورك تايمز».

أبقت الإمارات العربية المتحدة على شركة استشارات أميركية، «مجموعة كامستول» والتي يديرها عدد من مسؤولي وزارة الخزينة الأميركية السابقين الذين وثّقوا سلسلة من المحادثات مع الصحافيين الذين نشروا مقالات نقدية حول دور قطر الرئيس في دعم الإرهاب.

في حديث تلفزيوني لقناة «روتانا» المملوكة من السعودية الصيف الفائت، صرّح الشيخ شافي العجمي ـ الذي ترى الولايات المتحدة أنه المموّل الرئيسي لتنظيم القاعدة في سورية ـ صرّح بأن كل الاستخبارات الخليجية تتنافس في سورية وكلّها تحاول الحصول على «حصّة الأسد من الثورة السورية». وقد أقرّ علانية بدوره في شراء الأسلحة من المجالس العسكرية المدعومة من الغرب والتي تتلقى السلاح أحياناً كثيرة من قطر.

وأضاف: «احزروا من الذي يشتري تلك الأسلحة التي تتلقاها المجالس العسكرية من قطر؟ إنه أنا». دافع عن تنظيم «جبهة النصرة» على رغم علاقته السيئة مع «القاعدة» وقال حرفياً: «لا يجوز التوقف عن دعم هذا التنظيم وإمداده بالأسلحة، طالما أنّه يقاتل الأسد».

ومازح مقدّم البرنامج حول دور الكويت المعروف لجهة تمويل هؤلاء المسلّحين. كلٌّ من حجاج العجمي وشافي العجمي كويتيَيْن، ويقول محاموهما إنهما يبذلان الأموال فقط في الأسباب السورية المشروعة .

كذلك يقول وزير الخارجية القطري خالد العطية في بيان صدر في الآونة الأخيرة حول كلّ تلك الاتهامات والمزاعم، إن قطر تعارض كل التنظيمات المسلّحة بما فيها «داعش»: «نحن نرفض آراءهم وأساليبهم العنيفة وطموحاتهم».

في أوائل عام 2013، عندما أحكم الغرب الخناق على الدول الخليجية المرتبطة بتمويل «القاعدة»، اشتكى البعض من أن قطر انقلبت ضدّهم، ورُحّب ببعض الشيوخ بحرارة وأُغدقت عليهم الهدايا في مؤتمر أُقيم في الدوحة، وذلك بهدف إيقاف قنوات الدعم لـ«جبهة النصرة» وتمويل الجماعات العسكرية ومجلس الائتلاف الوطني، ومن ضمن هؤلاء المكرّمين الشيخ الواعظ حامد العلي، الذي صنّفته الولايات المتحدة على انه من أكبر مموّلي الإرهابيين، واحتجّ هو على ذلك في بيان نُشر في آذار 2013. لكنّ آخرين غيره ممن جرى تسميتهم وتصنيفهم لا يزالون في الدوحة.

وفي عام 2010، موّلت الحكومة القطرية بناء جامع في اليمن بقيمة 1.2 مليون دولار أميركي، للشيخ عبد الوهاب الحميقاني، وهو المعروف بتمويله ودعمه تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، وشارك السفير القطري وأعضاء الحكومة اليمنية في هذا الافتتاح.

في عام 2011 ظهر الشيخ العراقي حارث الداري وهو المعروف بدعمه الإرهابيين على قناة الجزيرة يصلّي في مسجد مملوك للدولة، وكان يصلي على بعد خطوات قليلة فقط من الأمير القطري.

باستثناء دولة واحدة او اثنتين، يقول الداري في تصريح عبر قناة «الجزيرة»، «لن تسمح الدول العربية بمناقشة هذه الأمور معها»، وقطر هي حتماً إحدى هاتين الدولتين.

مراجع:

1. مدوّنة «Bhadrakumar» السياسية

2. موقع « crisisgroup.org»

3. «نيويورك تايمز» الأميركية ـ دافيد د. كيركباتريك

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى