ثقافة سوريّة عميقة الجذور ورائدة في العالم

رانيا مشوِّح

السوريون أصحاب حضارات هي الأكبر والأولى في العالم. وإحدى أهم الصور التي أثرت في هذه الحضارات تنوّع الآلهة وتعدّدها في تلك العصور، إذ كان لكل آلهة دور سخّره السوريون لبناء حضاراتهم على نحو فاق حد عبادة تلك الآلهة.

تعدّدت الآلهة ووظائفها لدى السورييّن القدامى، وهذان التعدد والتنوع في عالم الآلهة يدلاّن على أن المجتمع السوري ذو ثقافة عميقة الجذور ،فخلال الألفين الثاني والثالث قبل الميلاد، وتلبية لرغبات أبناء المجتمعات المتعبدة للآلهة في سورية القديمة، ولعمق أهميتها بحسب اعتقادهم في حماية الزراعة والصناعة والتجارة وأسفار البحار، شيّدوا لها المعابد وقدموا إليها النذور والأضاحي لدرء أي خطر قد يعوق أي مجال من مجالات الحياة آنذاك، عطفاً على دورها في تطور الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية، فاعتمدت الديانة الكنعانية على عبادة قوى النمو والتكاثر، وكانوا يعتقدون أن الآلهة تسيطر على قوى الطبيعة بحسب الألواح والنصوص الآموية الكنعانية المكتشفة في ماري وايبلا وإيمار ومملكة أوغاريت، فقدمت معلومات عن الديانات الكنعانية ومجمع الأرباب الكنعاني. ومن الآلهة ذات التأثير الأكبر في الحضارة الكنعانية، آيل كبير الآلهة، وشمش إله الشمس، وعليان بعل إله الحياة، والإلهة العظيمة عشتروت وغيرها.

دلّت الوثائق المكتشفة على أن إيل كان الإله الأعظم للشعوب الكنعانية وجيرانهم الآراميين، إذ وجد له نصب في أوغاريت من الحجر الكلسي في موسم حفريات 1937 وهو جالس على عرش غني بالزينة، وفق ما جسدته الأعمال الفنية المكتشفة والمنحوتات الحجرية والتماثيل المعدنية على شكل شيخ حكيم جالس بوقار يهب زوّاره الرحمة والحكمة.

الإله بعل ابن آيل هو ثاني الآلهة في الثالوث الأعظم وجوهر العبادة الكنعانية. لقّب في النصوص الأوغاريتية بألقاب عديدة، منها ألين وتعني العظمة والقوة، وراكب السحاب، والعلي أي المرتفع، وعندما يختفي يحل الجفاف، وعندما يظهر تفيض الانهار عسلاً من جديد. ونظراً إلى أهمية بعل في المجتمع السوري القديم عامة وفي أوغاريت خاصة، تناولته المؤلفات الأدبية التي عثر عليها في مكتبة الكاهن الأكبر وتحدثت عن معاركه ضد الإله يم والإله موت. والأهمية الكبيرة لهذا الإله تعود إلى ما فرضته طبيعة البيئة في الأرض السورية، خاصة في المناطق التي اعتمدت على مياه الامطار في زراعتها.

عبد سكان أوغاريت نعمة المطر التي تنتج المحاصيل وألهوها في أسطورة بعل، فهو الشخصية الأساسية والمركزية التي تدور حولها حوادث القصائد الميثولوجيا الأوغاريتية، نظراً إلى دوره المهمّ والحيوي باعتباره إله المياه والعواصف والصواعق وشفيع البحارة، ولذلك أهمية كبيرة لدى كنعانيي السواحل السورية، لافتاً إلى أن موطنه الأصلي كان عند الحدود الشمالية لمملكة أوغاريت على قمة جبل القرع . أما عشتروت فهي إلهة الخير والبركة والخصب، وإلهة التدمير في المعارك والنزال، عرفت بشخصيتها الحربية في أسفار العهد القديم وتمثل الحب الصريح ومن أبرز رموزها العري فهي تظهر عارية في صورها ونقوشها، وكان الحصان من رموزها المهمة لما يمثله من قوة وبطش، ويدل ذلك على أصولها الآسيوية، كما ظهرت برموز مصرية مثل التاج المصري المضاف إليه قرنان جانبيان، وكانت إلهة الخصب لدى الفينيقيين والمعبود الوحيد للشعوب السامية، ولدى السومريين راعية الحرب والحب في آن واحد.

ساهمت تلك الآلهة، بحسب اعتقاد السوريين القدامى، في بناء حضارة من أعظم الحضارات التي عرفتها الإنسانية والتي تعتبر ثروة حظيت بها سورية دون سواها، إذ ساهمت هذه الثروة في تكوين إرث لا تزال جذوره الضاربة في عمق الأرض تُنتج حضارات للأجيال المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى