طواويس «داعش» بيننا

جورج كرم

كلمة «داعش» اليوم على كل شفة ولسان. وصلت صورة إرهابهم إلينا قبل أن يصلنا إرهابهم في هذا البلد المهزلة. وآلة «داعش» الإعلامية كانت ولم تزل أدوات الأعلام الغربي وأذياله في بلادنا، مثل محطة «الحرب على إسرائيل» ومحطة بيارو «السئيل» التي روّجت لتلك المنظمات الإرهابية من خلال تشويه صورة الدولة في الشام وجيشها والنظام وأتت بعملاء وخونة وجعلت منهم رجالاً، مثل معاذ الخطيب وتتيتو وهيتو والعاجز من آل طلاس وشقيقه المنحرف، وهذا الشذوذ كله لمتعة الجميع على موقع «يوتيوب» والأخ الثالث «الوسيم» الذي التجأ إلى السيجار ليحمي رجولته في البوستر الدعائي الذي روّجته وسائل الإعلام الغربية، بالإضافة إلى «صحيفة مقاومة» على أنه رجل ذو شفافية في التعامل، علماً أنه ربيب النظام الحالي في الشام، الذي عاد فبصقه خارج البلاد، على ما أشار الرئيس الأسد قائلاً في إحدى مقابلاته التلفزيونية ما معناه إنّ خروج المنشقين وانضمامهم إلى الثورة المزعومة المشؤومة ما هو إلاّ خير على الأمة التي تتخلّص من أوساخها البشرية بهذه الطريقة. وعلى مألوفه كان الرئيس الأسد حضارياً راقياً في مقاربته وليس «داعشياً» بذيئاً مثلما عوّدنا أولئك «الدواعش» وإعلامهم في خطابهم وممارساتهم.

قصة نشوء «داعش» ونموّها وتطورها تشبه كثيراً قصة الطواويس في مدينة ميامي، والطاووس طير رائع الجمال، أما «الداعشيّون» ولحاهم البرتقالية، والحقد الذي يعتري وجوههم وعبسة الموت على شفاههم تجعلهم من أقبح المخلوقات التي تدبّ على الأرض، حتى لو شملنا فصيلة القرود والأفاعي في مقاربتنا هذه. واليوم تعاني مدينة ميامي في ولاية فلوريدا الأميركية من غزو الطواويس البرية، والطاووس ذو ريش خلاّب المنظر حين يفرشه مزهوّاً به، وهو ليس طيراً من طيور الجنوب الأميركيّ الأصلية، وينتشر عادة في الهند. لكن أحد مربّي الحيوانات الأليفة قرر إطلاق زوج طواويس في شوارع المدينة مطلع الثمانينات لغاية في نفس يعقوب، فتكاثر هذا الزوج وأضحت مستعمرة الطواويس هناك تضم المئات منهم، تدور في الشوارع وتدخل حدائق المنازل لقضاء حاجتها ملوّثة برك السباحة وناشرة الأمراض الجرثومية بين السكان، خاصة الأطفال الذين يلعبون في التراب أحياناً. و«داعش» أيضاً بدأت بحفنة أو أكثر من خرّيجي «مدارس» باكستان الدينية المتطرّفة أو ما شابه، استوردتهم إلى الشام الدول الراعية للإرهاب مثل السعودية وقطر وتركيا، وأشار إليهم الإعلام الغربي بتعبير «فريدوم فايترز» أو «مناضلون لأجل الحرية» وسوّقهم في الشارع الغربي المحلي كمقاتلين شرفاء، وما لبث هؤلاء «الداعشيون»، كتسمية عامة في هذه الحال، أن تكاثروا و«تزاوجوا وأنجبوا» مستغلين بعض فقراء أرياف الدول الإسلامية الذين أغراهم المال السعودي والفندق التركي والطعام و«مجاهدات» النكاح، وأضحوا الآن خطراً على الجميع، حتى على مشغّليهم، فالوباء حين ينتشر يغزو الجميع ويضرّ بالجميع ولا يستطيع من نشره الاحتماء منه.

لنعد بالذاكرة إلى بداية حوادث المؤامرة في الشام وكيف كانت الحدود مفتوحة على نحو غير شرعي بين الكيانين الجارين في الشمال وعرسال لتصدير السلاح والرجال والمال، وكيف كانت طرابلس شبه إمارة سلفية غير معلنة ينبح فيها نبّاحو الفتنة، وكيف خرج الإرهابي المولوي من السجن بضغط من «طواويس» أو بالأحرى حيتان سياسية في لبنان، في سيارة أحد تلك الحيتان، وكيف طالب المتظاهرون المغفلون باسترجاع جثث قتلى كمين تل كلخ من الإرهابيين، وكيف تدخلت الدولة بأجهزتها للوساطة لاسترجاع جثث هؤلاء الإرهابيين. وما يثير الذهول أكثر فأكثر اليوم، والبلاد متنبهة إلى الخطر «الداعشي» أكثر من ذي قبل، تصريح أحد نواب المقاومة حول أن عملية ذبح جنود الجيش اللبناني أتت بأمر من خلية «داعش» في سجن رومية والحكومة عاجزة عن الحسم في سجن رومية بسبب معارضة «طواويس داعش» في الحكومة. و«طواويس داعش» ليسوا من طائفة واحدة، فمن ينسى صورة فارس سعيد وإيلي ماروني وسمير جعجع مجتمعين برئيس بلدية عرسال ومحاولين تخفيف وطأة تصريح وزير الدفاع اللبناني فايز غصن آنذاك بأن «داعش» باتت تشكل خطراً إرهابياً علينا. قد يكون الحذر من دخول «داعش» إلينا عبر حدود سايكس بيكو مبرراً بالطبع، فالأعداد المسلحة الكبيرة منهم متوافرة في المقلب الآخر، لكن من خلق «داعش» وحرّض «داعش» ورعى «داعش» وسهر على نموّها وتكاثرها يعيش بيننا في الحكومة والزعامة السياسية وبعض السلطات الدينية. لن يزول خطر «داعش» وأخواتها قبل كمّ أفواه المحرّضين في لبنان وتجميد أرصدتهم ومحاكمتهم بالخيانة العظمى والتحريض على الفتنة، ويقودهم «طاووس» أتى قبل أسبوعين ونيف إلى البلاد مهزوماً و«ذنبه مبتور» بعدما هدّد وتوعّد إبان سنوات الفتنة والمؤامرة الحالية على الشام بتغيير النظام حيناً وبالعودة من مطار دمشق «السلفي» أحياناً، وإذا به طاووس بلا حلّة وطول بلا غلة، يعود مطأطأ الرأس، حاملاً ملياراً لينقذ به ابن بندر بن سلطان المعتقل، على ما أشيع على شبكات التواصل الاجتماعي، وسواء صحّ خبر ابن بندر أو لم يصحّ، يبقى صاحب المليار المستعار طاووساً هزيلاً أمام «الطاووس» الآخر من موظفي آل سعود الذي تمنطق «سلاسة مليراط» سعودية ونادى بحياة المملكة حفاظاً على كرسيه قبل أن يترك سدة الرئاسة.

لقب «الطاووس» يلائم بعض زعماء «لبنان أولاً» وبدلاتهم المستوردة وأطنان «جِلّ» الشعر الذي يضعونه لإخفاء «البوني تيل» البوهيمي الذي يطلق أسره من تحت قشرة «الجِلّ» فقط في حانات باريس، ناهيك عن تبييض الأسنان وزرع الشعر في بعض الأحيان. لكن «داعش» يليق بها تشبيه آخر هو ثعبان بورما الذي أتي به أليفاً إلى ولاية فلوريدا أيضاً وبات الآن وباء عملاقاً يأكل الماشية والحيوانات البرية. بيد أن المدينة، وعلى عكس سياستها حيال الطاووس الذي تمنع مكافحته، افتتحت موسم صيد هذا الثعبان في أنحاء الولاية كلها مع جوائز قيّمة لمن يقتل الثعبان الأكبر حجماً. وليحذر جبناء «داعش» الذين يعرضون بطولاتهم على شاشات الإنترنت في «مواجهة» جندي أسير مقيّد أو جثة هامدة يمثّلون فيها وبينهم الذبّاح الميقاتي، إنّ موسم صيدهم قد بدأ في قرانا ومدننا وليس من «طاووس» ليشفع بهم ولو كان أمير «داعش» في بيت الوسط عينه.

كاتب سوري من جبل لبنان

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى