لا صـوت فـي سوريـة يعلـو على أولويّـة مكافحة الإرهاب وتحقيق المصالحات المحليّة

د. فيصل المقداد

نائب وزير الخارجية السورية

بعد فشلهم في تحقيق مخططاتهم لإركاع سورية وإخضاع المنطقة العربيّة لأطماعهم، يقوم أعداء سورية بلملمة أوراقهم وإعادة حساباتهم ورسم سياساتهم لمواجهة الصمود السوري في المرحلة المقبلة.

المهم الآن هو وجود إجماع دولي، ولو أنّه ما زال شكليّاً، على مكافحة الإرهاب كأولويّة لكل أرجاء العالم، صغيرها وكبيرها في شمالها وفي جنوبها.

إنّ التدخّل السافر للدول الغربيّة وعملائها في المنطقة في الشؤون الداخليّة السوريّة ومحاولتها إحداث تغيير في النظام الوطني القائم في سورية بعد نجاحهم في إحداث هذا التغيير في دول عربيّة أخرى في إطار ما أسموه «الربيع العربي» وفشلهم وفشل ربيعهم العربي التام فيما أرادوا فرضه لخدمة أغراضهم الاستعمارية هو أصل البلاء.

فكل ما حاول هؤلاء العمل من أجله وسخّروا كل الأدوات الدمويّة لتنفيذه في سورية هو نزع شرعيّة الدولة وتفكيك مؤسساتها وإظهار الشعب السوري بمظهر الضعيف الذي يقبل بما يجلبه الخارج عليه ليخلق هؤلاء بعد إنجازهم لمشاريعهم الساقطة مبررات التدخّل الخارجي بذرائع مختلفة. وكانَ لهؤلاء ما أرادوا إذ اعتمدوا في توجهاتهم على عاملين لا أخلاقيين اثنين. كان أوّل العاملين هو الاعتماد في تنفيذ ما أرادوا على الفئات الساقطة والفاسدة وذات التاريخ الإجرامي اللا وطني في الداخل، والعامل الثاني كانَ إغراق هؤلاء العملاء بالمال والسلاح والابتزاز ودفعهم لممارسة الإرهاب بكافّة أشكاله للوصول إلى هدفهم الدنيء المخالف لقواعد القانون الإنساني الدولي والشرعيّة الدوليّة بما في ذلك اتفاقيات ويستفاليا التي تمّ التوصّل إليها في القرن الثامن عشر.

إنّ تعبير: «قل لي من تصاحب، أقل لك من أنت»، ينطبق هنا على القوى التي تحالفتْ لتدمير بلدنا. فهل صدفة أن نرى أن التكتّل الغربي المتصهين وعملائه من الدول الخليجيّة وأدواته السوريّة والمصريّة الاخوانية واللبنانيّة والليبيّة هي التي تدعم هذه التحولات، على رغم كل الخلافات داخل هذا التكتّل؟ لقد تساءل الرئيس بشار الأسد، رئيس الجمهوريّة العربيّة السوريّة، في خطاب القسم بتاريخ 16/7/2014، حول ذلك قائلاً: أليس ما نراه في العراق اليوم وفي سورية وفي لبنان وفي كل الدول التي أصابها داء الربيع المزيّف من دون استثناء هو الدليل الحسّي الملموس على مصداقيّة ما حذرنا منه مراراً وتكراراً… وقريباً سنرى أنّ الدول العربيّة والإقليميّة والغربيّة التي دعمتْ الإرهاب ستدفع هي ثمناً غالياً.

ولا أبالغ إذا قلت أنّه لا توجد في سورية معارضة بل توجد معارضات. وتعرف هذه المعارضات أنّها مفتتة ولم تصمد أمام أي من التحديات التي تواجهها بلادها.

إنّ تجربة الجبهة الوطنية التقدمية في سورية والتي تعترف الأحزاب المكونة لها بالحاجة إلى تطويرها وإغناء تجربتها والاستفادة من الأخطاء التي واكبتْ أحياناً مسيرة عملها، أثبتت قيمة التعدديّة السياسيّة في سورية وإمكانيّة تطويرها للعمل الديمقراطي. كما أنّ الأحزاب الجديدة التي تمّ ترخيصها في سورية وبدأتْ تُمارس عملها الجماهيري في إطار القانون كأحزاب معارضة، جوانب تثبت أنّ سورية تؤمن بالتعدديّة السياسيّة وبالرأي والرأي الآخر.

عندما تأسس ما يُسمّى المجلس الوطني السوري في اسطنبول بعد اندلاع الحرب على سورية من خلال ضغوط قامت بها الولايات المتحدة وبعض الدول الغربيّة وتركيا وقطر والسعوديّة، سقط هذا التجمّع وانتهى كما بدأ بتعليمات من وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون. كما أنّ الشعب السوري لم ولن ينسى توبيخ السفير الفرنسي أريك شوفالييه لأزلامه في هذا المجلس المعارض عندما عاملهم كأطفال وقال لهم: «أنتم لا تستحقون دعمنا ولستم قادرين على القيام بأي شيء»، وكان ذلك مسجلاً تلفزيونياً من دون علم أو ربما بتعليمات منه لإهانة مثل هذه المعارضة على الملأ.

عندما عاد أسياد هذه المعارضة السوريّة وأسّسوا في الدوحة ما أسموه بالائتلاف السوري لقوى الثورة والتغيير، واختلف مؤسسوه من الدول الممولة له وخصوصاً السعوديّة وقطر على أي من أزلامهم سيقود هذا الابن المسخ، وجد هذا الائتلاف نفسه مرّةً أخرى ممزقاً في ولاءاته وممزقاً في مواقفه

لم يفهم بعض المعارضين حتّى الآن أنّ سورية قد تغيرتْ كثيراً بعد الانتخابات التي أقبل عليها شعب سورية بالملايين خارج سورية وداخلها. وما زال البعض حتّى الآن يتحدّث زوراً عن ضرورة تلبية تطلعات الشعب السوري، فعن أي شعب سوري يتحدثون.

وسط كل هذا الصخب والضجيج الدولي حول أولويّة مكافحة داعش والإرهاب، وبعد غياب وسبات لائتلاف الدوحة، يعود الائتلاف فجأة إلى طرح استمرار مؤتمر جنيف لإعادة الحياة لفكرة هيئة الحكم الانتقالية. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: عن ماذا يتحدث هؤلاء؟ وأين هؤلاء من تطلعات الشعب السوري التي يتحدثون عنها أحياناً؟

هنالك الآن أولويتان لا ثالث لهما للتوصّل إلى حل للأزمة السوريّة وهما مكافحة الإرهاب والعمل على تحقيق مزيد من المصالحات المحليّة. إنّ مكافحة الإرهاب تستدعي أن تقوم كل الدول بما في ذلك السعوديّة وتركيا وقطر والدول الغربيّة بوقف تمويل أو تسليح أو إيواء أو تمرير المجموعات الإرهابيّة المسلّحة إلى سورية وإلى العراق. ونعتقد أنّه لا يمكن للمعارضة السوريّة، إذا كانتْ سورية حقّاً، أن لا تعمل في هذا الاتجاه. وإذا كان قادة بعض الدول وخصوصاً في الخليج وتركيا الذين اتخذوا من إمداد المجموعات الإرهابيّة المسلّحة ودعمها بالمال والسلاح، قد بدأوا بإنكار ما كانوا يقومون به لإنقاذ رؤوسهم، علماً أنّ الإنكار شيء طبيعي، لأنّه دفاع عن النفس، فإنّه حري بمن يسمي نفسه معارضة سورية أن يستدير ويتراجع عن مواقفه في دعم الإرهاب. ويجب على كل من يود إنهاء الإرهاب في المنطقة الابتعاد عن استخدام مصطلحات «معارضة مسلّحة معتدلة» أو معارضة غير معتدلة، فكل من يحمل السلاح في بلده وضد أبناء شعبه هو إرهابي ولا توجد أسماء أخرى لوصفهم غير ذلك.

إنّ استمرار مراهنة البعض على التدخّل الخارجي لم يعد منطقيّاً، ولا هو مقبول أخلاقيّاً. وأنّنا في الوقت الذي نحترم فيه ضرورة وجود المعارضة ونؤمن بها لبناء مستقبل سورية التعدديّة، فإنّنا نعرف حجم المعارضة أو المعارضات جيّداً، فإنّه أصبح من مصلحة جميع السوريين الالتفاف حول ما هو خير وطيب لبلدهم والذي يتمثّل الآن في مكافحة الإرهاب وتحقيق المزيد من المصالحات المحليّة في كل أرجاء سورية. فسورية لا ينقذها من إمكانيّة ضياع سيادتها واستقلالها إلاَّ الإيمان بجيشها الوطني لأنّه الحامي الوحيد لعزتها وكرامة شعبها لأنّ من يصدقون النوايا الأميركية بمحاربة داعش والجيش السوري لم يعد لهم مكان في سورية.

وأخيراً، لا بد من التذكير أنّ الحل السياسي لا يمكن أن يكون إلاَّ بين السوريين وبقيادة سوريّة، وعلى الأرض السوريّة، وإنّ أي حديث عن نقل السلطة وإقامة هيئة لنقل السلطة يعني في هذه الظروف، نقل هذه السلطة إلى يد داعش وشقيقاتها، اللهم فاشهد، ألا هل بلّغت؟!

النص الكامل ص 7

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى