لو كنتُ

أحمد طيّ

مؤثّرة جدّاً تلك المشاهد التي يظهر فيها أهالي العسكريين المخطوفين لدى التنظيم اللاإسلامي «داعش» في جرود عرسال. وجليلةٌ جدّاً رباطة الجأش تلك التي أظهرها معروف حمية والد العسكريّ الشهيد محمد حميّة، وعظيمٌ موقفه المؤازر للجيش والدولة بأنّه يرفض المساومة على تسلّم جثمان ابنه الشهيد مقابل الإفراج عن إرهابيين سجناء. ومبكٍ حتى الحرقة رحيل والد الشهيد علي الخرّاط من صيدا في اليوم نفسه الذي سُجّي فيه جثمان ولده الشهيد.

مواقف لا يمكن لعاقل إلّا أن يقف عندها، ويحني رأسه خجلاً، لا بل يذرف الدمع تأثّراً. ولكن!

في ظلّ هذه الأزمة، وبعيداً عن التنظير في عالم العسكر والتكتيك والقتال الذي لا نملك منه إلا قليلاً. لا بدّ من كلمة علّها تصل إلى المعنيين، إلى أهالي العسكريين المخطوفين وأشقائهم وشقيقاتهم وزوجاتهم وأقاربهم وحتّى عشائرهم. وإلى قيادة الجيش وضباطه وجنوده الأبرار. وأيضاً إلى المقاومين المرابضين الميامين.

وما هذه الكلمة إلّا تمنٍّ، من مواطنٍ فردٍ يرى كلّ يوم تلك الفظائع في شتّى وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والإلكترونية، وعلى الوسائط الإلكترونية المختصة بما يسمّى الهواتف الذكية.

والتمنّي هذا ينبع من فرضية عنوانها: «لو كنتُ».

فلو كنتُ شقيقاً لأحد هؤلاء العسكريين المخطوفين، لكنت قمت بالخطوات التالية المؤدّية حتماً إلى إنهاء هذه الأزمة، التي لن تنتهي حكماً بالإفراج عن العسكريين المخطوفين أو باستشهادهم أجمعين.

لو كنتُ شقيقاً لأحد العسكريين المخطوفين لتجاهلت تماماً كلّ رسالة مُصاغة من قبل الخاطفين التكفيريين الإرهابيين، إن كانت تسجيل فيديو، أو تسجيلاً صوتياً، أو بياناً مكتوباً، أو أيّ شكلٍ من الأشكال التي تلهث وسائل إعلامنا إلى تلقفها من باب الـ«سكووب»، عن غباءٍ أو عن قصد. لتجاهلت هذه الرسائل لأنّ تجاهلها يقطع الطريق أمام إرهابيي «داعش» الذين لا يبغون من وراء تلك الرسائل إلّا إثارة الفتن والفرقة بين الشعب والمؤسّسة العسكرية.

لو كنت شقيقاً لأحد العسكريين المخطوفين لاستنفرت أهالي المخطوفين جميعاً، ولتنادينا إلى عقد مؤتمرٍ صحافيّ ندعو إليه وسائل الإعلام المحلية والعالمية، ولأصدرنا من خلاله بياناً واضحاً نقول فيه إنّنا نعتبر أشقاءنا وأبناءنا العسكريين المخطوفين لدى «داعش»، شهداء لهذا الوطن، لأنّ دماءهم ليست أغلى من دم أيّ شهيد افتدى الوطن بروحه. لأنّ دماءهم ليست أغلى من دماء الشهداء الذين سبقوهم، من محمد حمية وعباس مدلج وعلي السيد، إلى الشهداء الأبرار في المعارك السابقة، إلى الشهيد عماد مغنية والشهيد هادي نصر الله، إلى بلال فحص ومالك وهبي وسناء محيدلي، وجميع الشهداء الأبرار.

وبعد هذا البيان، لكنت طلبت وأهالي المخطوفين من قائد الجيش العماد جان قهوجي، عدم التعويل على هذه الدولة المشلولة، واتخاذ القرار الحازم والحاسم، ووضع يده في يد المقاومة تنفيذاً للمعادلة الذهبية «جيش شعب مقاومة». وطلب العون من طيران الجيش العربي السوري بموجب معاهدة الأخوّة والتنسيق الموقّعة بين لبنان وسورية. ثمّ ضرب هذه الحثالة القذرة التي خطفت عرسال قبل الجنود وعناصر قوى الأمن، ضربها من دون هوادة، من دون مساومة، والأهم الأهم من دون الإصغاء إلى أيّ بوقٍ طائفيّ يقول إنّ الجيش يقتل «أهل السنّة».

ولكنّا طالبنا قائد الجيش في موازاة ذلك، أن يفعّل استخبارات الجيش، ويلقي القبض على أيّ بوق من هؤلاء، وزيراً كان أم نائباً، رئيس تيارٍ أو منافقاً بعمامة. وإيداعهم السجون من دون الالتفات إلى أيّ حصانة كانت.

لو كنت شقيقاً لأحد العسكريين المخطوفين، لأخفيت دموعي، وأجّلت غضبي، وعضضت على وجعي، ونسيت جراح نفسي النازفة لأضمّد جراح وطني البالغة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى