«دار الشرق» للطباعة تستقطب كتّاباً سوريّين وعرباً رغم سنوات الأزمة

كتب محمد الخضر وميس العاني من دمشق- سانا : رغم تراجع نشاط دور النشر الخاصة واضطرار بعضها إلى الإغلاق نتيجة تداعيات الأزمة في سورية إلا أن عددا منها استمر في العمل الثقافي وطباعة المنشورات والكتب في صورة تعكس إصرار المثقفين السوريين على الحياة ونقل فكرهم وإبداعهم والدفاع عن سورية في وجه الحرب الكونية. وكانت «دار الشرق للطباعة والنشر» إحدى هذه الدور التي لم تثنها الظروف عن العمل، واستمرت هذه الدار كجزء من مجموعة «الشرق» الاقتصادية في إصدار دورياتها المتنوعة خلال الأزمة، وأولها مجلة «الأزمنة» الأسبوعية المنوعة، والثانية مجلة «الباحثون» وهي دورية شهرية علمية وفكرية تستقبل الأبحاث والآراء والأفكار لتقدمها الى قرائها. وحافظت «دار الشرق» على مشاركتها في جميع المعارض العربية والعالمية المتخصصة في الكتاب في بقاع عديدة من العالم، مثل فرانكفورت والقاهرة وبيروت ودبي والشارقة والسعودية وتونس والجزائر والمغرب وسلطنة عمان. يوضح مدير «دار الشرق» الدكتور نبيل طعمة «أن غاية الدار تقديم الباحث والكاتب والمفكر والمبدع والمخترع من دون أن تستثني صنفاً من صنوف العلم والأدب ومن دون أن تنحصر بفكر النخب المتقدمين عمرياً، فاتجهت نحو الأخذ بيد الشباب وشجعت الكثيرين منهم ونشرت كتبهم وساهمت في توزيعها ليتخطى عناوين الكتب المنشورة الـ200 عنوان».

ويرى طعمة ان أهمية دور النشر تتجلى في إعطاء المحتوى والصورة الحقيقية لأي مجتمع والإفصاح عن الأفكار والعادات والتقاليد التي يتبادلها القراء في مجتمعاتهم ونشر الأفكار وتعزيزها خدمة لبناء المجتمع، معتبراً أن الكتاب المطبوع على الورق أهم بكثير من وسائل النشر والتواصل الأخرى، فالمكتبة المنزلية تختزن رؤى ومنظومات فكرية وصوراً وعادات وتقاليد عبر التاريخ والحاضر وتؤدي مهمّات لا يمكن أن تؤديها الوسائل الإلكترونية الحديثة.

يشير طعمة كذلك إلى مساهمات مجموعة «الشرق» في قطاع الدراما السورية عبر إنتاج مسلسلات ذات دور إيجابي في الثقافة الوطنية وفي مكافحة الأمراض الاجتماعية، مثل مسلسل «غزلان في غابة الذئاب» و«الشتات» و«زمن الصمت» و«حنين وأشواك ناعمة» و«نزار قباني» و«هولاكو» و«بكرا أحلى»، إلى مسلسلات أخرى وأفلام سينمائية طويلة محلية وعالمية مثل «المهاجران» و«دمشق مع حبي» و«نصف ملغرام نيكوتين»، و«سبعة كيلو متر من القدس» الذي أنتج بالتعاون مع شركة إيطالي، فضلاً عن فيلم «رجل سيناء» الذي يصوّر حالياً في مدينتي روما ولندن.

مثقفون سوريون يدلون بآرائهم حول طبيعة عمل «دار الشرق» وأثرها في الساحة الثقافية، فيعتبر الدكتور علي القيم، رئيس تحرير مجلة «المعرفة»، أن الدار ساهمت عبر دورياتها المنتظمة ومئات الكتب التي أصدرتها على مدى أكثر من عشر سنوات في إثراء الثقافة العربية والتعريف بها، كما ساهمت في التعريف بالمبدع والباحث السوري، من خلال نشر مؤلفات العديد منهم، إضافة إلى المشاركة في المعارض العربية والدولية، ما يظهر أثرها الثقافي والفكري والإبداعي ومدى أهميتها ثقافيّاً واجتماعيّاً.

الدكتور حسين جمعة، رئيس اتحاد الكتاب العرب، يعتبر أن الدار مؤسسة معنية بالأدب والفكر والسياسة من دون أن تهمل الشأن الاجتماعي وما يتعلق بهموم الناس، عبر إصدار مجلات دورية تستضيف أبرز المثقفين السوريين وتكتشف تنوع الأقلام والمواضيع التي تتطرّق إليها هذه الدوريات، موضحاً أنه نشر عبر «الشرق» ثلاثة من مؤلفاته وهو يعتز بنشرها في الدار وبنوعية التسويق للكاتب وطبيعة التعامل معه.

الدكتور والباحث عفيف بهنسي يرى أن «دار الشرق» قدمت مجموعة مهمة جداً من المطبوعات التي تتضمن كتباً مرجعية وأدبية وتاريخية، قائلاً أنه نشر عبرها مجموعة من الموسوعات والكتب التي أخرجت بطباعة أنيقة مصورة. وينوّه بمجلة «باحثون» للأطفال التي تصدرها الدار، مؤكداً أهمية هذه المجلة الصغيرة التي تشارك فيها مجموعة من الكتاب والباحثين المتخصصين في ثقافة الصغار كفئة تحمل تطلعاتنا للمستقبل.

الصحافية والكاتبة ميساء نعامة تؤكد أن اجتماع رأس المال مع الفكر الثقافي سيؤدي إلى منتج أكثر رقياً وأكثر عطاء وديمومة، عبر مختلف مجالات الثقافة والفنون، من دون محرمات أو ممنوعات أو حدود حمراء أو فيتو على الفكر، إلا ما يخدم الوطن السوري الكبير والامتداد الحضاري القومي والعربي. وتعتبر نعامة أن مجلة «الأزمنة» ذات نكهة مختلفة، فالجلسات الفكرية مع القائمين عليها أضافت إلى تراكمها المعرفي بصورة شخصية، كما أن الجرأة في نشر المقالات أضافت لديها فائضاً من الجرأة في التصدي لقضايا تحتمل النقد الموضوعي والبناء المبني على الحب للوطن.

الكاتبة نبوغ اسعد تعتقد بأن «دار الشرق» تنافس معظم المؤسسات الثقافية ودور النشر نظراً إلى تبنيها مختلف المواهب والمواضيع ولا ترهق الكاتب أوالمؤلف بأي مقابل، إضافة إلى انتقاءاتها الملتزمة بتطلعات الوطن، بدءاً بالفلسفة وبحوثها إلى الأدب والشعر والقصة والرواية والكتب العلمية والتاريخية والموسيقى والفلك والآداب المقارنة. وترى اسعد أن الدوريات وملحقاتها التي تصدر عن الدار تعمل على نحو منهجي ونموذجي وتستقطب العديد من المواهب وتتحمل أيضاً كثيراً من الرؤى بلا قيد أو شرط، لخدمة الثقافة الوطنية، إذ تعتبر الدار نفسها في خط نضالي متقدم للحفاظ على كرامة سورية وصون ثقافتها والتصدي لأي فكر يحاول أن ينال منها.

العاملون في دار الشرق لهم كذلك آراؤهم حول ما تقدمه هذه المؤسسة، فالصحافي أيمن ونوس مدير العلاقات العامة في الدار يعتبر أن ما تقوم به من نشر ومساهمات ثقافية يغني المكتبة الوطنية ويدعم الثقافة السورية ويسمو بإنساننا السوري والعربي إلى المستوى المطلوب من المثقف والمتلقي، حتى لو تحملت أعباء وتكاليف، فالغاية أسمى بكثير، مبيناً أن الدار تفتح أبوابها لكل من يملك محاولات قادرة على الاستمرار وتخدم الثقافة، خاصة من فئة الشباب.

المصممة والمخرجة في «دار الشرق» روز سليمان تقول إن التعامل مع الكتاب يتم بوصفه «منتجاً إبداعياً» قبل أن يكون «صناعة ورقية» ما يسمح بنشوء علاقة بين دار النشر والكاتب تتجاوز الإطار المادي وتبدأ من اختيار الشكل الفني للمنتَج كحامل تفاعلي ملموس يرسخ صورة ذهنية «بدئية» عن مضمون المنتَج قبل قراءته. وتشرح سليمان هذه العلاقة المزدوجة عبر تواصل الكاتب مع الدار في مراحل إنجاز الكتاب وبينها مرحلة الإخراج الفني تشكل العامل الأهم في إبراز التقاطعات بينهما، سواء من الناحية الفكرية أو الفنية أو حتى الاجتماعية، فحسابات الكاتب قد تختلف عن حسابات الدار، ما يحقق في النهاية الهدف المشترك لكليهما بالوصول إلى القارئ، لافتة إلى أن ذلك انعكس إيجاباً على الموثوقية التي تتمتع بها الدار لدى كتّاب كبار على الساحة العربية عامة والسورية خاصة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى