هكذا تغيّر العالم من اليمن
ناصر قنديل
– يدور الصراع بين محور المقاومة ومحور واشنطن على مساحة المنطقة في ثلاثة دوائر محورية، الدائرة الأولى تناحرية ووجودية تمثلها سورية، يقوم فيها المشروع الأميركي بجناحيه التركي القطري والسعودي «الإسرائيلي» على السعي للسيطرة الكاملة وإسقاط الدولة السورية، ودائرة قام فيها بتعليق التسويات وتفجيرها بوجه حلف المقاومة وتضم العراق ولبنان، طلباً لتعديل صيغتها على خلفية الموقف مما يجري في سورية، ودائرة ثالثة في الخليج، حيث يسعى الحلف الأميركي بقيادة السعودية لتطويق قوى المقاومة وتهميشها، ورفض الاعتراف بوجودها، فهنا المنطقة الحرام، ليس لوجود المسجد الحرام بل لأنه هنا فقط، يوجد الأمن القومي السعودي، وبالتالي النفط، وما أدراك ما النفط.
– خاض حلف المقاومة حرب سورية بكل التضحيات المرافقة تحت شعار حاسم، لا تسوية إقليمية ولا نظام إقليمي جديد من دون سورية التي نعرفها، سورية بجغرافيتها وثوابتها ورئيسها، وقدمت سورية رئيساً وجيشاً وشعباً مثالاً للتاريخ عن الصمود الأسطوري، وقدم حلفاؤها مثلاً للثبات والوفاء، وصار باعتراف الجميع التسليم بأمرين، التسليم باستحالة سقوط الدولة، والتسليم بتبدل عنوان الحرب.
– في العراق ولبنان لم تضع البوصلة على حلف المقاومة، فكل المرونة للتشارك، ومنع الفتنة، وتوسيع الحصص الحكومية، طالما العنوان هو محاربة الإرهاب، أي طالما لا مساومة على الموقف من الحرب في وعلى سورية، وطالما موازين القوى الحاكمة لم تتغير ولا يزال الحل والربط بيد قوى المقاومة، فجاءت حكومتا تمام سلام وحيدر العبادي تأكيداً لهذا الذكاء الاستراتيجي، من دون تغيير المواقع والمواقف، فلا حزب الله انسحب من سورية، وها هم المحتفلون برحيل نور المالكي، يرون كيف بدأت حكومة العبادي مشاوراتها الخارجية بزيارة قصر المهاجرين ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد، فيفتحون أفواههم دهشة بضياع ما توهّموه تغييراً.
– في الخليج كانت المعادلة، حراك هادئ في الشرق السعودي، ونشاط سياسي لحماية المنجزات في البحرين، والإعداد لتغيير موازين القوى حيث يتقرر مستقبل الخليج، في اليمن، كان التيار الحوثي حزباً تاريخياً ناضجاً، وحركة إصلاحية ووطنية بامتياز، وها هو ينجز ما يشبه انتفاضة السادس من شباط في بيروت قبل ثلاثين عاماً، يغيّر وجه اليمن، يحكم بثوابته، يعلن نهاية التسوية الخليجية والحقبة السعودية.
– التسوية اليمنية تعني أنّ اليمن صار لبنان آخر، مع قوة صاعدة ممسكة بالمعادلة، تشبه حزب الله، في تماسكها وقوتها وقدرتها على التضحية، وتضع أولويتها كما المقاومة هنا، العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني هناك، فتجمع اليمنيّين حولها وتفرض حق الفيتو لها وللحراك الجنوبي بالتساوي شريكين كاملين في الحكم، حزب الله والتيار الوطني الحر، بالمصطلحات اليمنية.
– السعودية تخسر اليمن وهذه بداية التغيير الذي كانت تخشاه في كلّ الخليج، فاليمن هو الخليج ناقص النفط، من دون اليمن الخليج نفط فقط، الشعب يمن والجغرافيا يمن، والاستراتيجيا يمن، والتاريخ يمن، والتجارة والزراعة والصناعة يمن، وما عداه نفط وبداوة، ستتغيّر السعودية والبحرين تباعاً، وفي زمن «داعش» سيجد الحاكم إذا كان فاهماً، أنّ حلفاءه هم من ظنهم أعداءه.
– حلف المقاومة ينتصر، رضي من رضي، وأبى من أبى.
– في الشكل تأملوا جمالية المشهد، شيوخ وقادة تجاوزوا السبعين من العمر يوقعون، وبالمقابل شابان في العشرينات، يوقعان عن التيار الحوثي، الشباب ينتصر.
– مسؤول أميركي سابق خرج على شبكة «سي أن أن»، يقول باب المندب والبحر الأحمر، وأمن النفط، والمحيطات، صارت إيران دولة عظمى، وصار الحوثيون قوة إقليمية، لقد تغيّر العالم من اليمن.