الدعم… والشتاء الصعب

د. لمياء عاصي

مع نهاية أيلول، وعلى أبواب شتاء لا يمكن أحداً التكهن بما سيحمل معه من شقاء… يجد السوريون أنفسهم بين مطرقة الحرب الشرسة وسندان تداعياتها الاقتصادية وآثارها المدمرة على حياتهم يوماً بعد يوم، والأسباب عدة، الأول سياسي يتعلق بطبول الحرب الإعلامية المرافقة للتحالف الدولي لمكافحة داعش في العراق وسورية، وما قد تضيفه هذه الحرب إلى معاناة الشعب السوري، الذي يواجه حرباً قذرة دخلت عامها الرابع، أما السبب الثاني، أن أزمة المشتقات البترولية تلوح في الأفق، وغني عن القول إن الحكومة السورية اليوم تواجه تحديات معقدة ومركبة، تتمثل في نفقات الحرب المتصاعدة… والصعوبات التي تكتنف عمليات الاستيراد من السوق الخارجية، بسبب العقوبات المفروضة عليها من الولايات المتحدة وأوروبا، إضافة لسيطرة الإرهابيين على منابع النفط في شمال سورية، والانخفاض الحاد في الإيرادات العامة للدولة، في ظل مثل هذه الظروف كيف ستتم مقاربة ملف المشتقات البترولية ولا سيما المازوت الذي يعتبر عصباً مهماً في تأمين الحياة من حيث التدفئة والصناعة والزراعة.

لعشرات السنين قدمت الحكومة السورية الدعم لأسعار العديد من السلع الأساسية ومنها المشتقات البترولية والرز والسكر والكهرباء، وصنفت في طليعة الدول التي تقدم الدعم لمواطنيها. وفي الموازنة العامة للسنة المالية 2014، التي بلغ إجماليها، 1.39 تريليون ليرة سورية أي ما يعادل 9.26 مليار دولار، تم تخصيص مبلغ 4.1 مليار دولار لنفقات الدعم الحكومي للسلع الأساسية، أي ما يصل إلى نحو 45 في المئة من الموازنة وهي نسبة عالية جداً.

اقتصادياً يعتبر الدعم المقدم للسلع الأساسية من التشوهات الهيكلية في الموازنة العامة للدولة التي يجب إصلاحها، وفي هذا الإطار لا بد من ذكر نقطتين:

الأولى أن الدعم الشامل لعموم المواطنين الأغنياء والفقراء على حد سواء دعم غير عادل وغير أخلاقي، حيث يمكن للأغنياء الحصول على السلع بأسعار رخيصة غير حقيقية، ويتم تمويل فروقات الأسعار من المال العام، وهذا يعتبر نوعاً من التشوهات الهيكلية في الموازنة العامة حيث يلتهم الدعم جزءاً كبيراً من المخصصات المالية في الموازنة العامة.

الثانية: أن المبالغ المخصصة من الموازنة العامة للدولة للدعم، يجب الاستفادة منه في مجالات أخرى تنعكس على التنمية الاقتصادية والبشرية في شكل أكثر كفاءة، خصوصاً أنها عملية يكتنفها الفساد في محطات عدة، إضافة إلى أن الدول التي تريد الانخراط في النظام الاقتصادي العالمي، لا بد أن تخطو باتجاه إصلاح التشوهات التي يسببها هذا الدعم.

تلجأ الدول عادة في معالجة ورفع الدعم، إلى إتباع طرق عدة منها: الإصلاح التدريجي، وذلك برفع الدعم تدريجياً عن كل الفئات والشرائح الاجتماعية، وتقوم بعض شبكات الأمان الاجتماعي بمساعدة ودعم المتضررين، مع أن هذا الانسحاب يؤدي عادة إلى مشاكل اجتماعية عميقة وخطيرة، خصوصاً للفقراء، هذه الطريقة تم تطبيقها في الدول التي اتبعت سياسة الإصلاح الاقتصادي بطريقة الصدمة، مثل روسيا وبعض دول أوروبا الشرقية، أما النموذج الثاني وهو انتقال الدولة إلى تقديم الدعم الاستهدافي لشرائح محددة من الناس، وهم من يستحقون الدعم، خصوصاً ذوي الدخول المحدودة والضعيفة، وهي الطريقة الأكثر تفضيلاً من قبل الكثير من الدول، ولكن في التطبيق هناك حاجة ماسة لاستخدام فعال لتكنولوجيا المعلومات لضبط قواعد البيانات والمعطيات والعمل وفقها، منعاً لإساءة الاستخدام والفساد.

في سورية رفعت الحكومة في عام 2008 الدعم جزئياً عن المازوت وارتفع سعر الليتر من 7.5 ل.س إلى 20 ل.س وقامت بالتعويض النقدي للمواطنين بمعدل 10 ل.س لليتر الواحد، ومنحت كل أسرة قسائم لشراء ألف ليتر، وتم توزيع المازوت بموجب قسائم مطبوعة في وزارة المالية، وككل الأوراق ذات القيمة النقدية فقد اعترى هذه العملية، خصوصاً مرحلة إعادة الأموال للناس الكثير من الفساد فكانت عرضة للتزوير، الأمر الذي كلف الخزينة المركزية أموالاً إضافية.

لعل النقطة الأكثر أهمية في موضوع الدعم هو أن الأسعار الرخيصة للمشتقات البترولية ولا سيما المازوت، شجعت شبكات الفساد لتهريبه إلى دول الجوار وبخاصة لبنان، وتركيا، فبلغت كميات المازوت المهربة حوالى 5.1 مليار ليتر، كلفة دعمها على الخزينة بحدود 250 مليون دولار، وبسبب التهريب وفي شكل غير مباشر تم دعم المنتجات اللبنانية والتركية على حساب الأموال السورية.

بالإضافة إلى كل ما سبق، فإن الحكومة السورية وبسبب الحرب، تقوم باستيراد معظم احتياجاتها من المشتقات البترولية من السوق الخارجية والذي يبقى متأثراً بأسعار الصرف، فارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية التي تدنت قيمتها الشرائية إلى حدود غير مسبوقة في بداية هذا الشتاء، سيؤثر سلباً على مهمة الحكومة الأصعب والمتمثلة بتأمين المازوت بأسعار مناسبة، وتقديمها للمواطنين للحصول على التدفئة، في بلد غالباً ما يكون الطقس فيه بارداً لفترة لا تقل عن خمسة أشهر في السنة، إضافة إلى تأمين احتياجات الصناعة، حيث تعمل المصانع بظروف صعبة للغاية لضمان التدفق السلعي الضروري للسوق، حتى الزراعة تحتاج المحروقات في عمليات الري وغيرها، في ظل هذه التحديات غير المسبوقة، كيف سيكون هذا الشتاء الذي بات على الأبواب؟ وكيف ستتمكن الحكومة من حل هذه المعادلة الفائقة الصعوبة.

وزيرة سابقة في سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى