وليد زيتوني

تطرح الأوضاع السائدة في منطقتنا وحتى في العالم العربي وربما في العالم أجمع، مسألة الأقليات الإتنية والدينية والطائفية على بساط البحث من جديد، خصوصاً بعد الأحداث الجارية على الأرض في العراق وسورية ولبنان ومصر واليمن وغيرها من البلدان التي تعاني من اقتتال داخلي، أو صراع على السلطة تحت عناوين الحفاظ على حقوق الأقليات الموجودة في كل منها.

وفي لمحة تاريخية سريعة، وإذا ما عدنا إلى بدايات هذه المشكلة، نرى أن جذورها بدأت فعلياً أثناء الحقبة العثمانية التي اعتمدت على «مبدأ فرّق تسد» المعروف من الجميع، وأن الغرب الذي كان طامحاً في وراثة الرجل المريض، فرض عليه في حالة الاحتضار نظام الامتيازات المشهور ورعاية الأقليات الموجودة تحت الحكم العثملي.

استفاد الغرب من أوضاع الإمبراطورية العثمانية المادية المتردية، مستغلاً ممارسات الحكم السلطوي القمعي والاستغلال المادي والإنساني ونظام السخرة وسفر برلك والرشوة والفساد والفوقية العنصرية للشعب الطوراني على ما عداه من الشعوب، كذلك استفاد من التخلف الذي يسود هذه الشعوب وحالات القمع الفكري الممارس من الطغمة التركية وتهجير الكوادر الثقافية والعلمية، ففتح لهذه النخب بخاصة جماعة الأقليات ذراعيه وأمّن لها المدارس عبر الإرساليات الأجنبية وأوفد المستشرقين وعيّن الدلالين ووزع عليها الامتيازات التي تؤمن لها القوة والقدرة على الاستمرار. من خلال هذه النخب استطاع الغرب الاستعماري بناء قواعد موالية، بعدما هدم منظومة القيم المحلية وأقام مكانها قيمه الفكرية والاجتماعية.

لحظة سقوط الإمبراطورية العثمانية، كان الغرب قد استكمل نفاذه من خلال هذه التشكيلات إلى إيجاد التناقضات الاجتماعية المطلوبة لتحقيق حلمه باللعب على هذه التناقضات للوصول إلى سيطرته المباشرة على هذه الشعوب وبأدوات محلية.

طبعاً، استغلت هذه البنى وبشكل رسمي في نهاية الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في مؤتمر باريس وفي ما بعد لتنفيذ اتفاقية سايكس ـ بيكو ومعاهدات سيفر ولوزان، بحيث تشكلت جغرافية سياسية جديدة على قاعدة هذه التناقضات الطائفية والمذهبية، سميت دولاً، منها نجح في أن يتحول إلى إدارة ضعيفة وتابعة ما زالت قائمة، ومنها لم ينجح كدولة العلويين في جبال العلويين، ودولة الموحدين الدروز في جبل العرب والدولة السنية في حلب، نتيجة رفض النخب البارزة في تلك المناطق من الانخراط في المشروع التقسيمي.

يبدو بعد انحسار الاستعمار القديم وحلول الولايات المتحدة الأميركية مكانه، وتسلمها قيادة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والتبعية المطلقة للدول الاوروبية لها، لا سيما بعد نجاحها في وراثة المشروع الأوروبي، تحاول الآن تحقيق ما فشلت به أوروبا في صوغ جغرافية تمعن في تقسيم المقسم سابقاً، تأميناً لمصالحها وإرضاء للصهيونية العالمية في الإبقاء على «إسرائيل» الدولة القوية الوحيدة في المنطقة.

إن الصراع القائم حالياً تحت العناوين المذهبية والطائفية والاتنية وحتى العشائرية، إنما يستمد زخمه وفعاليته من التغذية الأميركية المباشرة لهذه الحالات، وهي نمت وترعرعت في غياب الدولة القومية الديمقراطية الحديثة العادلة والمنصفة لمواطنيها.

نعم، في كل دولنا الكيانية لم ترتق المواطنية فيها إلى مستواها الفعلي. فظلت ببعضها أكثرية مهيمنة، أو اقلية طاغية على الأكثرية. لم يصل فيها المواطن إلى حقوقه الفعلية، إما نتيجة التمييز بين الفئات الشعبية وإما لعدم قدرته على الخروج من القوقعة الطائفية والمذهبية. فأصبح كل الشعب إما من الرعايا أو مستلزماً أو تابعاً للزعيم الطائفي أو الإقطاعي أو المناطقي.

الأقليات لا تحصل على حقوقها بإقامة دولة خاصة بها لأنها بالتأكيد ستكون تابعة وضعيفة، الأقليات تأخذ حقوقها فقط في الدولة القومية الديمقراطية الحديثةأ بحيث يكون المواطن فيها مواطناً بالانتماء له الحقوق نفسها وعليه الواجبات نفسها. إن مواطن الدولة ليس شريكاً فقط مع الآخر، فالشراكة هي للمصلحة والاستغلال، في حين أنّ الانتماء يكون لوحدة الحياة الاقتصادية والقيم الاجتماعية.

عميد ركن متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى