حماية المستهلك المتعاقد عن بعد «إلكترونياً»

أظهر تقرير صادر عن شركة «بيفورت» حول «مؤشرات صناعة المدفوعات الإلكترونية في العالم العربي لعام 2014»، أنّ التجارة الإلكترونية ستكون المحرّك الرئيسي لاقتصادات العالم العربي خلال الـ10 أعوام المقبلة، وسيقود هذا الأمر إلى تطوير وسائل الدفع الإلكتروني لكي تلبّي متطلّبات المستهلكين في المنطقة بما في ذلك الخدمات الحكومية الإلكترونية.

كما توقّعت في تقريرها أن يرتفع حجم المبيعات في صناعة التجارة الإلكترونية في العالم العربي من 9 مليارات دولار في عام 2012 إلى 15 ملياراً في عام 2015. أما بالنسبة الى التجارة عبر الهواتف المحمولة فمن المتوقّع أن ترتفع المبيعات التي تتم عبرها من 900 مليون دولار في عام 2012 إلى 3 مليارات دولار في عام 2015، الأمر الذي يعكس الإمكانات الضخمة التي تمتاز بها هذه القناة التجارية في المنطقة.

أمام هذا الواقع الجديد والأرقام التي تعكس تغيّرات وتطوّرات اقتصادية واجتماعية، ما الذي يحمي حقوق المستهلك عند استخدامه الوسائل الإلكترونية لشراء حاجاته؟ هل عرّف القانون اللبناني في شكل واضح بالمستهلك؟ وماذا عن حقوق المستهلك المتعاقد عن بعد «إلكترونياً»؟

في هذا السياق، أعدّ الطالب فداء متني في كلية إدارة الأعمال في جامعة القديس يوسف – بيروت، دراسة كاملة عن حماية المستهلك اللبناني ونالت الدراسة علامة 19/20 Majeur ، وتنشر «البناء» جزءاً من هذه الدراسة، والمتعلّق بـ«حماية المستهلك المتعاقد عن بعد إلكتروني»، للإضاءة أكثر على هذا الموضوع.

نظرة عامة ـ شاملة

إنّ التجارة الإلكترونية هي ثمرة الإنجازات العلمية في القرن الحادي والعشرين. إنّ التعاملات في إطار التجارة الإلكترونية تختلف في كثير من الجوانب عن التجارة التقليدية بدءاً من عملية الإتصال عبر الوسائل الإلكترونية وإنتهاءً بعملية التسليم لبعض السلع والخدمات وما يصاحبها من تسوية المدفوعات الإلكترونية. لذلك، فإنّ نموّ هذه التجارة ينبني على الثقة المتبادلة بين الأطراف الداخلة فيها، بخاصة في ظلّ غياب التشريعات الوطنية.

ولعلّ من المقومات الأساسية لزرع الثقة والأمان لدى المتعاملين في التجارة الإلكترونية هو وجود تنظيم قانوني ملائم ومناسب يضع القواعد المنظّمة بمختلف جوانبها في المراحل كافة على المستويين الوطني والدولي مما يتطلّب إجراء تعديلات على التشريعات المدنية والتجارية والجنائية والإقتصادية القائمة واستحداث العديد من الأحكام في المجالات كافة.

إنّ هذه التجارة تلعب دوراً متزايداًَ في التجارة العالمية، فهي التجسيد الحي للعولمة الاقتصادية والقانونية والعلمية. فهذه التجارة التي بدأت بالسلع البسيطة الكتب، برامج الكومبيوتر، القطع الموسيقية… ، نجدها تمتد اليوم إلى أشكال السلع والخدمات كافة.

إنّ الزيادة في التجارة الإلكترونية عادة ما تكون مصحوبة بزيادة في استخدام المدفوعات الإلكترونية.

ضرورات حماية المستهلك المتعاقد عن بعد

قد أدى استخدام شبكة الإنترنت في التعامل إلى بروز نوعين من التعاملات، منها ما يعد مشروعاً ومنها ما يعتبر تعاملاً غير مشروع يتمثل في ارتكاب الجرائم من بعد والتي قد يكون أحد ضحاياها مستهلك يتعاقد عن بعد.

إنّ المستهلك المتعاقد عن بعد هو المستهلك الذي يبرم عقداً مع موّرد بشأن سلع وخدمات في إطار نظام بيع أو تقديم خدمات عن بعد من قبل الموّرد الذي يستعمل تقنية الاتصال عن بعد لغاية إبرام العقد بما في ذلك إنشاء العقد ذاته. والمستهلك في هذا الإطار أي في نطاق التعامل عن هو ذاته المستهلك في عملية التعاقد التقليدية لكنه فقط يتعامل عبر وسائط إلكترونية، أو يستفيد من الخدمات الإلكترونية.

ولم يعرّف القانون اللبناني في شكل واضح بالمستهلك اللبناني وإنما أشار إلى العمليات التي يجريها الطرف الآخر لعقد الاستهلاك التي تتم في محل إقامة المستهلك أو عبر الهاتف أو الإنترنت، أو أية وسيلة أخرى معتمدة لذلك المادة 51 من قانون حماية المستهلك .

إنّ ضرورات حماية المستهلك المتعاقد عن بعد تكون قبل التعاقد وأثناء إبرام العقد وخلال تنفيذه، فالمستهلك وبعد المفاوضات يقوم بإعلان إرادته في إبرام العقد بإرسال البيانات المطلوبة من طريق البريد الإلكتروني، وبذلك يكون ما صدر عنه هو إيجاب بالتعاقد، ويقوم المهني/المحترف بإرسال قبوله، وبه ينعقد العقد الإستهلاكي عن بعد، أو العكس فقد يكون المهني/المحترف عارضاً لخدماته وسلعه في موقعه الإلكتروني بما يحقق مفهوم الإيجاب الموجه للجمهور أو عدد غير محدّد من العملاء، ويتقدم المستهلك ويطلب التزود بالسلعة أو الخدمة فيعد قابلاً فينعقد عقد الإستهلاك عن بعد.

وسواء كان طرفا العملية الاستهلاكية موجودين داخل دولة واحدة أو في دول مختلفة، فإنّ العملية الاستهلاكية برمتها يجب إحاطتها بضمانات يحمي من خلالها الطرف الضعيف وهو المستهلك، لجهة حماية رضائه وحمايته من تعسف المهني/المحترف وحمايته في مواجهة وسيلة إلكترونية عما يصدر عنه، وبما يراعي خصوصية العقد الاستهلاكي الذي يتم عن بعد «إلكترونياً».

وسائل حماية

منح القانون المستهلك المتعاقد عن بعد حماية إضافية عن تلك الممنوحة له بناءً على اعتباره مستهلكاً متعاقداً بالطرق التقليدية وتنقسم الحماية القانونية الممنوحة لهذا المستهلك بين حماية حقوق موضوعية وإجرائية.

إنّ الحماية الموضوعية هي التي تعنى بحماية حقوق المستهلك في تنوير إرادته تجاه ما يريد أن يتعاقد عليه من سلع وخدمات قد يكون قد تم الإعلان عنها على الموقع الإلكتروني الخاص بالمهني/المحترف، وفي ذات الإطار قد يتضمن الموقع معلومات حول السلع والخدمات يتطلب القانون أن تكون صحيحة وحقيقية.

أما الحماية الإجرائية فتنطوي على حماية المستهلك على الصعيد المدني تتمثل في إجراءات تسوية المنازعات التي يكون طرفاً فيها، علاوة على الحماية الجزائية التي تتضمن عقوبات بحق كلّ من يرتكب فعلاً معاقباً عليه في قانون حماية المستهلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى