بين سطور المواقف الروسية وا يرانية: «وارسو معدل» في مواجهة الحلف الأميركي…؟

نسرين الديماسي

كلّ الأنظار ترقب ما ستؤول اليه الاستعدادات لتنفيذ ضربات ضدّ تنظيم «داعش» الإرهابي بعدما أعلنت دول عديدة «الحرب على الإرهاب»، والترقب يشمل طبيعة مهام الحلف الدولي الذي تقوده أميركا، في ظلّ عدم اشتراك سورية وإيران وروسيا ودول أخرى في هذا الحلف.

قرار «الحرب على داعش» اتخذ اميركياً.. فبعد الإعلان عن الحلف الدولي في جدة، انعقد في باريس مؤتمر حول السلام وا من في العراق، وأيّدت قوى دولية اتخاذ إجراءات عسكرية لهزيمة مقاتلي «داعش»، لكن، غياب سورية وايران عن المؤتمر على غرار غيابهما عن الحلف الدولي يطرح علامات استفهام كبيرة، وزاد من علامات الاستفهام صدور بيان عن مؤتمر باريس لم يأت على ذكر سورية، بالرغم من أنها تعاني ما تعانيه من إرهاب «داعش» الذي يسيطر على أجزاء من أراضيها.

ما يحصل في سياق التحضيرات الغربية لضرب «داعش» يثير الريبة، والحديث بدأ يطفو على السطح حول أهداف مغايرة تسعى الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها إلى تحقيقها، تحت عنوان محاربة «داعش»، وكذلك هناك حديث عن إمكانية ان يكون لروسيا ومعها ايران وحلفاؤهما خطوات كبيرة في مواجهة الأهداف الأميركية المضمرة.

من المعروف أنّ روسيا وكذلك إيران تتقنان جيداً صياغة معادلات المواجهة، وتتبعان سياسة ديبلوماسية هادئة وباردة، لذا علينا ان نقرأ بين سطور المواقف الروسية وا يرانية، وما سيؤول اليه الحراك الروسي ـ ا يراني والذي يُحضّر على نار هادئة. في وقت تسدّ واشنطن أفق التعاون من فوق الطاولة وتحاول «التفاوض» من تحت الطاولة.

ما هو مؤكد أنّ لدى روسيا أوراق تمسك بها جيداً، وتحديداً على الصعيدين السوري والعراقي، كما لا يمكن تجاهل مدلولات صفقة السلاح التي أبرمتها مع مصر بقيمة 3.5 مليار دو ر، والتي تشي بتقارب روسي ـ مصري عززه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين أكد أنّ بلاده تعمل على استعادة علاقاتها بمصر كما كانت ايام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتعزيز التعاون في مجال تصدير ا سلحة الى مصر، وكذلك إمكانية إنشاء مركز لوجيستي مصري على سواحل البحر ا سود. وهذا التطور في العلاقة بين روسيا ومصر يؤشر إلى إمكانية أن نرى مصر في حلف يتوقّع ان تشكله روسيا في مواجهة التحالف الدولي الذي تقوده أميركا؟

المتابعون للأداء الروسي على الساحة الدولية وفي المنطقة، لا يستبعدون إمكانية قيام حلف روسي جديد لمكافحة الإرهاب بموازاة الحلف الأميركي، لا بل لا يستبعد المراقبون إمكانية لجوء روسيا إلى تشكيل حلف عسكري بموازاة حلف «الناتو»، وربما تكون روسيا قطعت شوطاً كبيراً في التحضير لإنشاء حلف شبيه بحلف «وارسو»، يضمّ روسيا والصين ودول البريكس وايران وسورية ودولاً أخرى عديدة وربما مصر.

وما هو لافت أنه في ظل خطوات التقارب الروسي – المصري لاحظناً «غزلاً» سعودياً باتجاه مصر تمثل بالرسالة التي بعث بها الملك عبدالله بن عبد العزيز من خلال رئيس ااستخباراته إلى الأزهر الشريف يثمّن فيها دور مصر التاريخي مع أشقائها في العالمين العربي والإسلامي ودورها في مكافحة ا رهاب والتطرف، ويثمن مبادرة ترميم جامع ا زهر، وربما تكون هذه الرسالة محاولة سعودية للدخول على خط علاقات التقارب الروسي ـ المصري من أجل إبقاء مصر تحت الرعاية ا ميركية ـ السعودية .

إذن، فإنّ ما يعزز إمكانية قيام حلف روسي، هو إعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي فروف عن أنّ بلاده ستعرض مبادرة لعقد مؤتمر دولي لمكافحة ا رهاب والتطرف في الشرق ا وسط وشمال افريقيا في إطار مجلس ا من الدولي.

فحين يطرح الروسي مبادرة لمكافحة الإرهاب والتطرف في إطار مجلس الأمن الدولي، فهذا دليل تمسك روسيا بموقفها الداعي الى محاربة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة، وفقاً لما نصّ عليه قرار مجلس الأمن الدولي 2710، لكن حينما تُلاقي المبادرة الروسية رفضاً من قبل الولايات المتحدة فهذا يفتح الباب واسعاً امام خطوات روسية قد تصل الى حدّ تشكيل حلف مقابل. وقد حذّر الرئيس الروسي من أنّ أميركا تسعى للتحكّم بقرارات الدول والسيطرة على مجلس ا من وتحاول استخدام «الناتو» أداة لتحقيق مآربها. وجاء موقف الرئيس الشيشاني رمضان قادروف القاضي باستدعاء الشيشانيّين إلى الخدمة العسكرية ا لزامية في الجيش الروسي بناء على طلب وزير الدفاع الروسي ليؤكد انّ هناك تحركاً روسياً ما زال مستتراً الى هذه اللحظة في مواجهة الحلف ا ميركي.

من المؤكد أنّ أميركا لها وجهة نظر وأهداف مغايرة لوجهة نظر روسيا وأهدافها، لذا نرى أن أميركا تتجاهل دعوة روسيا إلى المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة ا رهاب. ويبدو أن أهداف أميركا هي تنفيذ قصف جوي عندما تتعدّى «داعش» الحدود التي رسمتها لها واشنطن، وحماية «إسرائيل» والسعودية وأقليم كردستان من تمدّد «داعش». وهذا يؤكد أن أميركا ليست جادة في التخلّص من «داعش» وهي اصلاً لم تعلن الحرب على المجموعات الارهابية الأخرى، ولو أنها فعلاً راغبة في القضاء على الارهاب لكانت فرضت على حلفاءها وتركيا وقف تدفق الارهابيين إلى سوريا والعراق. لكن هذا لم يحصل، حتى أنّ تركيا آثرت عدم التوقيع على حلف جدة لأنها تعرف جيداً نّ القرار ا ميركي الجدّي غير موجود. فأميركا ترغب فقط من هذا التحالف ان تحرك اقتصادها بعد جمود دام عقدين من الزمن، وتدير أزمات المنطقة وتبقي «داعش» عذراً دائماً للتدخل سياسياً وأمنياً وحتى عسكرياً إن استدعى ا مر. اذن هي تريد الحفاظ على «داعش» ضمن حدود تقرّرها واشنطن.

أما روسيا وايران فهما جادّتان في الحرب على ا رهاب والقضاء على الارهاب ومن ضمنه «داعش» من خلال دعم دمشق استراتيجياً نّ التدخل ا ميركي يهدّد نفوذهما في العمق ويهدّد أراضيهما بالمجموعات الإرهابية المتطرفة التي ستتوجه إذا سقطت الدولة السورية، الى التمدّد في عموم المنطقة.

ويجدر بالذكر انّ روسيا وإيران تعتبران انّ لا صفة قانونية لهذا التحالف الذي تقوده أميركا، إذ أنه تبلور خارج إطار آليات منظمة ا مم المتحدة كما أنّ بعض الممارسات السابقة والراهنة للمؤسّسين الرئيسيّين وعدد من أعضائه في ما يتعلق با رهاب تتناسق مع ا هداف المعلنة في محاربة ا رهاب.

كلّ هذه التطورات وا حداث تدفعنا إلى التساؤل بشكل جدي: هل نحن فعلاً على مشارف و دة حلف روسي – إيراني شبيه بحلف وارسو في مواجهة الحلف ا ميركي؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى