تركيا والنوم مع الشيطان

حميدي العبدالله

التعاون الوثيق بين الحكومة التركية وتنظيم «داعش» والتنظيمات المنتمية لـ»القاعدة» ليس خافياً على أحد، وكانت آخر تجليات هذا التعاون مسرحية الإفراج عن رهائن القنصلية التركية في الموصل مقابل تسهيل سيطرة «داعش» على ريف عين عرب.

حتى هذه اللحظة يمكن الاستنتاج بأنّ التعاون التركي مع التنظيمات الإرهابية والتكفيرية مكّن الحكومة التركية من تحقيق مكاسب تكتيكية. من بين هذه المكاسب، شراء وبيع النفط المهرّب من سورية والعراق بأسعار تعود بفوائد كبيرة على مراكز النفوذ داخل تركيا، وتجنّب قيام التنظيمات التكفيرية بأيّ هجمات داخل تركيا، ولعب دور الوساطة بين التنظيمات التكفيرية وجهات في المنطقة والعالم لتحرير الرهائن مقابل فدية تدفع للتنظيمات الإرهابية، تشكل هذه الفدية عملية التفاف على قرارات مجلس الأمن الدولي التي تجرّم تمويل التنظيمات الإرهابية.

لكن مقابل هذه المكاسب الآنية الصغيرة ثمة خسائر استراتيجية كبيرة نتيجة لتعاون وتحالف الحكومة التركية والتنظيمات الإرهابية، من أهمّ هذه الخسائر التي تسبّبت بها سياسات حكومات حزب العدالة والتنمية:

أولاً، خسارة تبادل تجاري واستثمارات اقتصادية في العراق وسورية تقدر بعشرات مليارات الدولارات، وهذه الخسارة أثرت على معدلات النمو في تركيا، كما أثرت على قوة الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية، وسعر العملة الوطنية دائماً يشكل معياراً لقوة أو ضعف الاقتصاد.

ثانياً، تدهور علاقات تركيا مع غالبية الحكومات العربية، إن لم يكن جميعها، بسبب علاقتها مع جماعة «الإخوان المسلمين»، فدول الخليج، باستثناء قطر تقف ضدّ تركيا وتتضامن مع السعودية، ومصر كبرى الدول العربية، وثالث أكبر دولة في المنطقة، في خلاف سياسي حادّ مع تركيا بسبب سياسات حكومة حزب العدالة والتنمية، وحكومة الجزائر وأطراف فاعلة في ليبيا أيضاً تناهض تركيا العداء، وبديهي القول إنّ روسيا وإيران وهي دول إما مجاورة لتركيا أو قريبة من حدودها، لهما علاقات متوترة مع أنقرة بسبب سياسات حزب العدالة والتنمية.

ثالثاً، وهي الخسارة الأخطر على تركيا في المستقبل، حتى وإنْ لم تظهر مفاعيلها بعد، فالتنظيمات التكفيرية التي تتعاون الآن مع الحكومة التركية، ستنقلب عليها لاحقاً عندما تستكمل جهودها لبناء قواعد ارتكاز قرب حدود تركيا، وداخل المناطق المحافظة في تركيا. وبديهي أنّ هذه التنظيمات التي تكفّر حكومة مثل حكومة المملكة العربية السعودية، وتعتبرها خارجة عن تعاليم الإسلام وفق تفسير الإسلام عند هذه التنظيمات التكفيرية، فإنها ستكفّر الحكومة التركية آجلاً أم عاجلاً لأنها عضو في حلف «الناتو» هذا أولاً، ولأنّ المفاهيم الإسلامية المعتمدة من قبل حزب العدالة والتنمية هي أقلّ تطرّفاً من المذهب الوهابي الرسمي في السعودية، وبالتالي فإنّ أسباب الصدام بين الحكومة الإخوانية في تركيا هي أقوى من صدام التنظيمات التكفيرية مع الحكومة السعودية الوهابية، وآجلاً أم عاجلاً ستقع المواجهة، وعندها لات ساعة مندم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى