إيبش: نسعى إلى حلّ القضية الكردية في إطار الوطن السوري علاقة أردوغان و«داعش» استراتيجية وليست مرحلية

حاوره سعد الله الخليل

فيما تسعى واشنطن إلى كسب التأييد لجولة جديدة من حربها المزعومة على الإرهاب من بوابة الحرب على «داعش»، يدرك القاصي والداني أنّ العقلية الأميركية لا تتدخل إلا لحصد مكاسب إضافية لرصيدها السياسي، في حين أنّ دور تركيا مكشوف ومفضوح في سعيه إلى ضرب المكوّن الكردي في المنطقة، وما معارك عين عرب كوباني سوى صورة مصغّرة عما تطمح إليه أنقرة أردوغان.

وللإضاءة أكثر على تفاصيل هذه المسألة حاورت «البناء» و«توب نيوز» عضو المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق المعارضة مسؤول حزب الاتحاد الديمقراطي في العاصمة دمشق محمد إيبش، الذي رأى «أنّ هجوم تنظيم داعش على كوباني عين العرب جاء نتيجة لفشله في سنجار وجزعا وباقي المناطق التي واجهته فيها وحدات الحماية، وله أهداف أخرى أبرزها تأمين خط ضخّ النفط إلى تركيا ومن ثمّ إلى أوروبا.

تورّط تركي

أضاف إيبش: «السؤال الذي يجب طرحه هنا هو عمّن يقف وراء داعش؟ الواضح أنّ الدولة التركية تقف وراءه، وما زالت تمدّه بالأسلحة كما مدّت قبله «جبهة النصرة» وغيرها من التنظيمات الإرهابية، تحت مسمّيات عدة، والتي قاتلت وحدات الحماية في تل كوشر وعفرين وكوباني». واعتبر إيبش «أنّ دعم تركيا لداعش يبعث برسالتين للأكراد بقدرتهم على إفشال تجربة الإدارة الذاتية، ولوحدات الحماية في حال نجاح داعش بالتقدم لأنهم غير قادرين على التدخل المباشر في عمق الأراضي الكردية والتي تستدعي مقاومة شرسة من المجتمع السوري ككلّ، لذلك نجد أنّ دعم داعش يحقق غايات تركيا». وأضاف: «كما هو واضح فإنّ داعش تنظيم بيد الرأسمالية العالمية، كما كان تنظيم القاعدة في التجربة الأفغانية، ولا بدّ أن ينقلب السحر على الساحر، واليوم نجد داعش ينقلب على صانعيه في العراق عندما هاجم الموصل». ولفت إلى أنّ تنظيم داعش «مهتم بالسيطرة على المناطق الغنية بالنفط، من خناقين وصولاً إلى دير الزور والرميلان إلى الكويت ودول الخليج، وهذا المخطط في مداه البعيد يخدم مصالح الدول الرأسمالية، وعند إساءة التصرف تجاه الدعم الإمبريالي بات الخطر يهدّد الجميع وليس الأكراد فقط، ذلك أننا نقف في وجه تنظيم إرهابي بات يشكل خطراً على السوريين والمنطقة بل على المجتمع الدولي كله».

واتهم إيبش الحكومة التركية «بالتورّط في ما يجري بكوباني والمناطق الشرقية والشمالية بشكل مباشر عبر دعم داعش، مشيراً إلى أنّ «تركيا افتتحت مكاتب لتجنيد المقاتلين في أورفة ومكتباً لاستقبال المقاتلين الأجانب في إسطنبول والذين يأتون للجهاد في سورية»، وأكد أنّ «من بين جثث القتلى لدى وحدات حماية الشعب من هم من الجنسية الصينية، والوثائق تؤكد قدومهم عبر مطار إسطنبول».

«داعش» عصي عن الوصول إلى الحدود

ويشرح إيبش ما يدور في عين عرب كوباني بالقول: «منذ 15 تموز ومع إعلان الحلف الدولي الحرب على تنظيم داعش، سحب التنظيم مقاتليه من دير الزور والرقة متجهاً إلى كوباني عين عرب لضمان تواصل الإمدادات للتنظيم من تركيا، ولكن حتى الآن لم يحقق تقدماً ملموساً نتيجة مقاومة وحدات الحماية ووحدات المرآة وأبناء المنطقة القادرين على حمل السلاح والتحرك مع وحدات الحماية».

وعن دوافع «داعش» لمهاجمة المنطقة والسيطرة على القرى، أوضح إيبش «أنّ داعش لم يسيطر على كامل القرى بل إنّ وحدات الحماية أخلت القرى كي لا يتضرّر المدنيون من القصف المدفعي ومن الدبابات الذي يقوم به داعش ولمنع تكرار مجزرة شنغار سنجار ».

واعتبر إيبش أنّه «عندما يعلن حزب العمال الكردستاني عن إرسال مقاتلين كدعم لوجستي للمدينة فإنه لا ينطلق من منظور حزبي بل لأنّ الأمر واجب وطني أخلاقي وإنساني، تماماً كما شارك في الدفاع عن مدينة دهوك لصدّ هجوم داعش، وساهم في تطهير جبل سنجار بالتعاون مع البيشمركة». مضيفاً: «انّ القوة التي يمتلكها داعش نتيجة سيطرته على الموصل، وجلب الأسلحة والعتاد من العراق والسيطرة على قطعات تابعة للجيش السوري، كلّ ذلك مكّنه من امتلاك ترسانة عسكرية قوية تُضاف إليها الإمكانات المالية نتيجة بيعه النفط عقب استيلائه على حقول دير الزور، كلّ ذلك دفع حزب الاتحاد الديمقراطي، عبر نائب قائد قوات الحماية الكردية في كوباني أوجلان إيسو، إلى طلب الدعم من القوى الكردية لدعم وحدات الحماية لمواجهة تنظيم داعش وصدّه وإفشال محاولته السيطرة على المنطقة».

«بروباغاندا» تركية

ونفى إيبش وجود أي علاقة بين الهجوم على كوباني وبين إطلاق سراح الدبلوماسيّين الأتراك، واصفاً «تصريح أردوغان الأخير الذي ادّعى فيه أنّ إطلاق سراحهم تمّ عقب مساومات سياسية ودبلوماسية بـ«البروباغاندا» الإعلامية». وتابع: «إنّ سياسة أردوغان تقوم على مبدأ إكذب إكذب حتى يصدق الآخرون، فعلاقة أردوغان وداعش علاقة استراتيجية وليست مرحلية».

كما وصف إيبش إعلان تركيا استقبالها النازحين الأكراد وتقديمها الحماية لهم بـ«الدعايات المفضوحة»، وقال: «طالما أنها تهتمّ بالأكراد وتدعمهم، فلماذا تواجه بالهراوات والغازات المسيّلة للدموع في شمال كردستان الراغبين في مساندة إخوانهم في كوباني، حتى أنها منعت الشبان الأكراد السوريين من العودة للمساهمة في الدفاع عن أراضيهم». وطالب إيبش القوى الإقليمية «بمواجهة إزدواجية السياسات التركية في حقّ الأكراد».

وعن طلب الائتلاف المعارض من الدولة التركية بناء معسكرات للأكراد، وإمكانية استثمار تركيا في هذا الأمر بعد سنوات من الاستثمار في النازحين السوريين، رأى إيبش «أنّ الوضع مختلف بين الكرد والنازحين السوريين كون الأكراد يتواجدون في القرى الكردية في الداخل التركي، ولا تتمّ معاملتهم كنازحين، فالشريط الحدودي فصل بين الإخوة وأبناء العمّ الأكراد، وقد لا يسمح لهم بإقامة مخيمات في مناطقهم في تركيا لاستقبال إخوانهم السوريين». ورأى أنّ «الائتلاف وبعد أن خسر كلّ أوراقه في سورية للوصول إلى السلطة، لعب على وتر الأكراد»، لافتاً إلى أنّ «من ذهب إلى تركيا من الأكراد لن يكون قراره بيد الائتلاف».

حرب ضدّ سورية

وأكد إيبش أنّ الحرب «ليست موجهة ضدّ الشعب الكردي بعينه، إنما الهدف كلّ سورية كوطن، وفرض ما يناسب الغرب على سورية لا ما يناسب الشعب السوري رغم تشكيل التحالف لمواجهة داعش». وقال: «إذا كان التحالف جادّاً في القضاء على داعش فليضغط على النظام التركي لإيقاف دعمه وإغلاق مكاتبه في تركيا والتوقف عن معالجة جرحى التنظيم»، مستغرباً «الصمت المطبق للمجتمع الدولي حيال ممارسات تركيا».

ورداً على سؤال عن رغبة تركية بضرب عصفورين بحجر واحد وذلك عبر ضرب الأكراد في الداخل السوري والاستثمار لاحقاً بتقديم المساعدات، أجاب إيبش: «بعد سايكس ـ بيكو وضعت المناطق الكردية في أربع دول ومن يسيطر عليها يسيطر على قلب الشرق الأوسط، ولذلك نقول إنّ المسألة الكردية لا يمكن حلّها إلا بتوافق الدول الأربع المعنية في المسألة الكردية… سورية والعراق وتركيا وإيران، في إطار ديمقراطي لا تقسيمي ونحن نسعى إلى حلّ القضية الكردية في إطار الوطن السوري بما يضمن العيش المشترك في الدول التي يتواجد فيها الأكراد».

المناطق العازلة رغبة تركية قديمة

واعتبر إيبش أنّ «المخطط التركي لإقامة المناطق العازلة يعود إلى عشرات السنين وهو ليس مشروعاً آنياً، بل إنّ الأتراك حاولوا إقامة المناطق العازلة بين كردستان العراق وكردستان تركيا، وفشلوا نظراً إلى وعورة التضاريس، أما في سورية فالمسافات الشاسعة التي تمتدّ حوالى 1200 كيلومتر، تمنع تحقيق ذلك، ولو استطاعت تركيا إقامة مناطق عازلة لما تردّدت لحظة واحدة». واستغرب إيبش «الربط بين تسلّل المقاتلين الأكراد من الأراضي التركية وإمكانية تسلّل مقاتلي داعش من دون علم الحكومة»، مشدّداً على أنه «لا يمكن تشبيه تسلّل مقاتل بسلاح فردي بتسلّل مقاتلين مزوّدين بعربات مدرّعة ورشاشات دوشكا، كما حصل في رأس العين حيث دخل المسلحون من الجانب التركي عبر البوابة الحدودية بالمدرّعات وقواعد الصواريخ أمام مرأى العالم كله وفي تورّط علني مفضوح».

من كوباني إلى الحسكة

ورأى إيبش «أنّ التطورات في عين عرب كوباني تختلف عما يجري في ريفي الحسكة والقامشلي، كون الجزيرة تمتلك منافذ تسمح بتحرك المقاتلين بسهولة، أما في كوباني فالمقاتلون محاصرون بداعش من الجنوب وبالحدود التركية من الشمال، أما منطقة تل أبيض فتسيطر عليها داعش، ومن الشرق تحالفت المجموعات المسلحة التي تؤمن بالحلّ السياسي مع وحدات الحماية كالجبهة الكردية، تحالفت ضدّ داعش وحققت نتائج».

واشنطن و«داعش» والبرزاني

واستغرب إيبش كيف أنّ «المجازر التي ارتكبها داعش لم تدفع واشنطن إلى تحريك ساكن، بينما انتظرت حتى ذبح داعش الصحافيين الأميركيين حتى شعرت بخطورة التنظيم، ومن هذا المنطلق ضغط الأميركي على حكومة إقليم كردستان للتخلي عن برنامج إعلان الدولة الكردية». وأضاف: «أتت توجهات داعش وفق الرؤية الأميركية وحين استنجد البرزاني لم يجد إلا وحدات الحماية تلبّي النداء، فيما انسحبت قوات بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني من شنغال، وتركت الأهالي عرضة لمجازر داعش».

واعتبر إيبش «أنّ الإعلان عن التحالف الدولي، الذي يزعم أنه يريد محاربة الإرهاب، هو «وسيلة للعودة إلى العراق من بوابة واسعة وبرضا عراقي».

وأشار إيبش إلى أنّ «التدخل الأميركي في سورية، إن حدث، فإنه سيكون لفرض واقع سياسي وفق رؤيتهم وليس وفق ما يشتهيه السوريون»، ورأى أنّ «الغارات الجوية ضدّ التنظيم في العراق سيجبره على سحب قواته إلى سورية بما يفاقم المشكلة، في محاولة لإجبار النظام على القبول بحلّ سياسي وفق المصالح الأميركية».

الإرهاب والرأسمالية

ووصف إيبش الإرهاب بأنه «آفة صنعها النظام الرأسمالي العالمي نتيجة فشله في سياسة القطب الواحد ومحاولته إظهار قدرته على التحكم بالسياسة العالمية عبر خلق فوضى منظمة وخلق تنظيمات إرهابية على شكل داعش».

الأكراد والإدارة الذاتية

وأشار إيبش إلى «أنّ تجربة الإدارة الذاتية في المناطق الكردية انطلقت من فكر وفلسفة الزعيم عبد الله أوجلان، والذي يقول إنّ شعوب المنطقة في حاجة إلى أن تعيش وفق مبدأ أخوة الشعوب وتعايش المجتمعات في شكل طوعي». وقال: «طرحنا مشروع الإدارة الذاتية والتي تهدف إلى بناء نظام مجتمعي، وليس هدم دولة وبناء دولة أخرى، وهناك فرق بين مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة التي تمتلك الخبرات والإمكانات». وتابع: «إنّ نقاط القوة في التجربة عديدة أولها تبنيها فكر وفلسفة ورؤية منفتحة لا تستند في طرحها على هوية إيديولوجية أو دينية أو قومية بل رؤية مستندة على أخوة الشعوب والعيش المشترك في إطار وطن ديمقراطي، وللإدارة الذاتية مبادئ عامة منها الأمة الديمقراطية حيث يشكل الموزاييك السوري نموذجاً يمكن جمعه في إطار الإدارة الذاتية، وهذا ما تمّ تطبيقه في الكانتونات الثلاثة الجزيرة وكوباني وعفرين حيث شارك العرب والسريان والأشوريون والأيزيديون ونحاول أن تمتدّ التجربة نحو بقية المناطق السورية».

وفي ما يتعلق بمشاركة الأكراد في الحياة السياسية في سورية، قال إيبش: «عند تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي السوري ومن خلال قراءتنا التجارب الحزبية في العالم، رأينا أنّ الاتجاه العالمي يأخذ منحىً ديمقراطياً منفتحاً، وأنّ طرحنا يقوم على حلّ المسألة الكردية السورية عبر التفاوض والحوار في ما بين القوى السياسية الكردية والدولة السورية، ولكنّ النظام السوري منذ تأسيس الحزب عام 2003 لم يبدِ أية مرونة في حلّ تلك المسألة».

يُبث هذا الحوار كاملاً اليوم الساعة الخامسة عصراً على شاشة «توب نيوز» تردد 12036

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى