لبنان… عبد مملوك لا يقدر على شيء!

آية الله العلامة الشيخ عفيف النابلسي

المخافة على الوطن مخافة صحيّة وواقعية يشعر بها كل من تهمه هذه الأرض ليس باعتبارها مكاناً للعيش بل منطلقاً للحق ورسالة للمحبة وبقعة للتسامح والتشارك، لا كبعض المنتفعين والانتهازيين الذين يعتبرون لبنان فندقاً للنوم أو سوقاً لتبادل السلع وبيع البضائع. الأحداث تتوالى على وقع التحالف الدولي ضد «داعش» فيما لبنان يبدو أمام هذا التنظيم كأخرس أو كعبد مملوك لا يقدر على شيء. في تحليل المشهد السياسي يبدو أنّه ليس للبنان قوة داخلية لصنع حلول للأزمات التي تواجهه. فقد استعاضت القوى السياسية عن الحلول بألعاب الهروب والنأي بالنفس ودفن الرؤوس في الرمال، حتى تصدرت المساومات العبثية والفوضى المشهد الأمني والسياسي والاجتماعي.

وكأن المطلوب إرهاق اللبنانيين ليسقط الوطن ككيان موحد، وكصيغة للتعايش، وكقوة في مواجهة العدو «الإسرائيلي» والتكفيري.

ولقد زادت الأزمة السورية بمفاعيلها الوضع في لبنان سوءاً والمخاطر اتساعاً، والمخاوف عمقاً، خصوصاً لجهة النازحين الذين لا يشكلون ضغطاً سكانياً فحسب وإنما واقعاً ديمغرافياً يهدد هوية لبنان وصيغته وتوازنه. ولعلّه منذ بداية الأزمة كان المخطط ليس فقط تهديد البيئة اللبنانية، بل تهديد كل البيئات العربية بالفوضى السكانية، بحيث يتغير وجه المنطقة ليس فقط من الناحية السياسية بل من الناحية الديمغرافية والثقافية وصولاً لتمرير مؤامرة طرد ما تبقى من الفلسطينيين في فلسطين إلى البلدان الجديدة المجاورة، بحيث لن يكون هناك بعد ذلك اعتراض على الواقع المستحدث لأن الخريطة القديمة أصبحت معدومة لا تجد من يحرسها ويحميها. ولتبحث ساعتئذٍ كل جماعة عن ملاذ وأرض للاستقرار!.

في الحقيقة إنّ لبنان هو الحلقة الأضعف بين بلدان المنطقة بسبب تركيبته السياسية والاجتماعية الهشّة، وهو يحتاج دوماً إلى عوامل خارجية لاستقراره.

والكل يدرك في هذه الظروف الخطيرة ماذا يعني الفراغ في رئاسة الجمهورية؟ وماذا يعني تعطيل مجلس النواب؟ وماذا يعني إضعاف مؤسسة الجيش وعدم دعمها؟ وماذا يعني أن تصبح مؤسسات الدولة شركات أو تابعة لهذا الفريق أو ذاك؟.

إنّ كل ذلك يمهد الأرضية للتفتت والتفكك والحرب الأهلية، فإذا لم يكن اللبنانيون على دراية كافية بما يجري من حولهم فإن مستقبلهم سيعكس دولة غير مستقرة، وحينئذٍ لن يبقى شعب لبنان خارج المعاناة والمحنة والتشرد، مثله مثل الشعب الفلسطيني والسوري والعراقي الذين قذفت بهم الحياة خارج نطاقها. في المتاه الطلق والعراء القاسي وكأنّهم عابرون على أوطانهم. ومشهد الأكراد السوريين وهم يبحثون عن أرض يفترشونها وسماء يلتحفونها يقطع نياط القلب، وقبله مشهد المسيحيين والإيزيديين العراقيين في الموصل في رحلة تشردهم التي تشبه تشرد الفلسطينيين من إرهاب الصهاينة. ماذا علينا أن نفعل وعرسال ما زالت تستنزف جيشنا والخلايا تنتشر في أكثر من مكان وهي تبحث عن لحظة الانقضاض. السفينة بلا ربّان واللبنانيون على قارب مثقوب وكأنهم ينتظرون ماذا سيحل بهم من موت شنيع بدل المبادرة إلى عملية إنقاذية كبرى!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى