واشنطن تخسر رهان «المعارضة المعتدلة» اليمن يخرج «داعش» من تركيا

كتب المحرر السياسي:

بالدهشة والذهول كانت واشنطن تتلقى أنباء الانهيارات الدراماتيكية للمجموعات المسلحة في ريف دمشق تحت ضربات الجيش السوري، بما يرسم ظلال شك كبرى حول جدوى الرهان على بناء قوة معارضة مسلحة، تحتاج عاماً من التدريب والتسليح والتجهيز والتنظيم، بعديد من خمسة آلاف عنصر، سيصبحون وقوداً لنيران الجيش السوري يوم يجري زجّهم في المعركة، بعدما تكون المناطق التي يراهن الأميركي على تعزيزها بهم قد صارت بيد الجيش السوري، وبدا لمتابعي الحملة الأميركية للحرب على «داعش» التي يشكل الاهتمام الأميركي بعدم توظيف الجيش السوري لنتائجها لحسابه همّه الأول، أنّ الحرب في شمال سورية لا تزال في بداياتها ضدّ «داعش» و«النصرة»، بينما الذي ينهار أمام الجيش السوري هم جماعة السعودية وقطر والغرب من مسمّيات «الجيش الحر» و«الجبهة الإسلامية» و«جبهة ثوار سورية» و«أجناد الشام» و«أكناف الشام» وسواها، والمسرح هو دمشق وريفها.

ومع الانهماك الأميركي بلملمة الشظايا التابعة للائتلاف وتسميتها بالمعارضة المعتدلة، صرّح قادة الائتلاف أنّ الحرب الأميركية تقطع عليهم طريق المشاركة في الحرب، وأنهم يشعرون بضعف حيلتهم وحجتهم وتشظّي قواعدهم وجماعاتهم، وذهابها للقتال مع «داعش» و«النصرة» بما يطلق رصاصة الرحمة على الرهان الأميركي.

وليكتمل الذهول الأميركي بالذهول التركي، وجدت واشنطن نفسها مضطرة للضغط على حكومة العدالة والتنمية في أنقرة للمشاركة الكاملة في الحرب على «داعش» و«النصرة»، بعدما اضطرت بتأثير أحداث اليمن ومخاطر وصول النار للبيت السعودي الداخلي، إثر سيطرة الحوثيين على صنعاء، إلى الطلب من إيران المساعدة كوسيط مع الحوثيين لضمان حلّ سياسي ومواكبته، والشرط الإيراني كان التوصل إلى تفاهم يطاول المبادئ الأساسية لسياسات المنطقة، والتوقف عن زرع العراقيل بطريق التفاهم على الملف النووي، حيث أعلن مساء أمس وزير خارجية روسيا بعد لقائه وزير خارجية إيران أنّ الملف النووي الإيراني قطع نحو التفاهم مع المجموعة المفاوضة، أكثر من تسعين في المئة من طريق صياغة اتفاق شامل ونهائي، بينما كانت نتيجة التفاوض الإيراني – الأميركي قيام إيران بضمان التزام الحوثيين بالاتفاق السياسي للشراكة في الحكم في اليمن، مقابل التزام واشنطن بعدم التعرّض لمواقع الجيش السوري في الغارات التي تشنّ تحت عنوان الحرب على «داعش» من جهة، والتنسيق مع الحكومتين السورية والعراقية بتفاصيل كلّ عمل عسكري في حدود سيادتهما الوطنية من جهة ثانية، والأهمّ، الزجّ بتركيا بصورة كاملة في الحرب على الإرهاب كي يكون هناك مصداقية لما تقوله واشنطن، عن خطر وجودي ومصيري يمثله الإرهاب، بينما الحليف الأول لواشنطن في المنطقة، يدير تجارة «داعش» النفطية ويوفر لعائلات قادة قوات «داعش» ومقاتليها الملاذ الآمن والإيواء.

دخلت تركيا الحرب من بوابة اليمن، وخرجت المعارضة المعتدلة من بوابة ريف دمشق ومعارك عدرا.

في لبنان على رغم الانشغال بقضية المخطوفين، والجلسة التشريعية، طفا إلى السطح ما تضمّنه بيان الائتلاف السوري المعارض الموجّه إلى مجلس الأمن من تطاول على الجيش اللبناني، وكذلك الحملة التي يتعرّض لها الجيش على قناة «الجزيرة»، بعد قيام كبير مذيعيها فيصل القاسم بالتوجه بإهانات للجيش مما أشعل غضب اللبنانيين، وخرج كلام مندّد بموقف المعارضة السورية من الرئيس سعد الحريري، أوّل وأهمّ حلفاء هذه المعارضة، بينما نالت «الجزيرة» نصيباً تستحقه من العناية، حيث امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالكلام عن «الجزيرة» وفيصلها القاسم، كما دعوات إلى محاكمته، وتجمهر شباب لبنانيون أمام مكاتب «الجزيرة» يطلبون اعتذاراً علنياً.

من جهة أخرى، أثار البيان الذي تلاه رئيس الائتلاف السوري المعارض هادي البحرة في مجلس الأمن وفيه اتهامات للجيش بانتهاك حقوق الإنسان والاعتداء على النازحين في عرسال، استياء اللبنانيين في فريقي 8 و14 آذار على حد سواء. وفيما رأى رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه يجب معرفة الجهة التي تقف وراء هذا البيان، أكد الرئيس سعد الحريري أن البيان «لم يكن في محله بكل المعايير التي نريدها أن ترعى العلاقة بين الأخوة والأشقاء، لا سيما بين الأشقاء النازحين من سورية، وبين اللبنانيين الذين لم يتأخروا عن نصرة الثورة السورية وأهلها والتضامن معها … ويؤلمهم أن يجدوا في صفوفها من يمتطي الإرهاب لتخريب تلك العلاقة وخطف العسكريين وتهديد السلم الأهلي».

وأشار إلى «أن القوى العسكرية اللبنانية تتحرك تحت وطأة تحديات ومخاطر داهمة تفرضها المجموعات المسلحة التي تستقوي على الجيش واللبنانيين بأرواح العسكريين المخطوفين لديها وتريد لمخيمات النازحين أن تكون ظهيراً قوياً لها في الضغط على الحكومة اللبنانية وجيشها».

واعتبر أن «مصلحة النازحين ومصلحة الثورة السورية توجب في المقابل رفع الصوت عالياً، بالدعوة إلى تحرير العسكريين اللبنانيين وإعادتهم إلى عائلاتهم سالمين، وهو ما خلا منه بيان الائتلاف إلى مجلس الأمن الدولي وما يجب أن يشكل أساساً لصون حقوق النازحين وحماية تجمعاتهم».

المفاوضات وتحركات الإرهابيين

على صعيد آخر، ينتظر أن تزخم الاتصالات في شأن العسكريين المخطوفين، بعد عودة رئيس الحكومة تمام سلام من نيويورك أمس، علماً أن هذه القضية لم تغب عن اهتماماته هناك. وهو طلب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد التدخل لدى الخاطفين من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش». وهذا ما اعتبره وزير الصحة وائل أبو فاعور خلال لقائه أهالي العسكريين المعتصمين على طريق ضهر البيدر، تقدماً في هذا الملف.

إلا أن مصدراً أمنياً بارزاً قال لـ«البناء» إن موضوع المفاوضات في شأن العسكريين هو مسألة سياسية بامتياز، موضحاً أن القوى الأمنية غير معنية بالمفاوضات الحاصلة مع القطريين أو الأتراك أو أي وسيط آخر مشدداً على أن الأجهزة الأمنية لا تتدخل في مسار المفاوضات. وأوضح أن «هناك مسارين متكاملين لإتمام أي اتفاق يمكن أن يتوصل إليه المفاوضون، الأول سياسي ويمر إما عبر مجلس النواب أو عبر الحكومة والمسار الثاني يمر عبر الأجهزة القضائية المختصة».

وأشار المصدر في المجال الأمني، إلى أن الوضع في عرسال دقيق جداً بعد إدخال النازحين السوريين في عملية الابتزاز التي تقوم بها المجموعات المسلحة بتواطؤ من بعض الجهات المعروفة داخلياً بهدف الضغط على الدولة والأجهزة الأمنية في مسألتي المفاوضات الخاصة بإطلاق العسكريين والحد من الإجراءات التي يقوم بها الجيش لمنع تحركات الخلايا الإرهابية، لكن المصدر أكد أن أي محاولة قد تقوم بها المجموعات الإرهابية في جرود عرسال أو أي مكان آخر سيرد عليها بقوة ولن يسمح الجيش لهذه المجموعات المتطرفة بضرب الاستقرار .

النصرة مستعدة للتخفيف من مطالبها

في غضون ذلك، أكد عضو «هيئة علماء المسلمين» الشيخ حسام الغالي لـ «البناء»: «أن جبهة النصرة باتت مستعدة للتخفيف من مطالبها المتعلقة بالإفراج عن الموقوفين في سجن رومية، بحيث أنها باتت تطالب فقط بالموقوفين الذي لم تصدر بعد بحقهم أحكاماً قانونية، وتخلت عن مطالبتها الإفراج عن الذين صدرت بحقهم أحكاًماً بالإعدام أو بالسجن»، مشيراً إلى «أن هذا الأمر تبلغته الهيئة عبر أحد المشايخ السوريين الموجودين في عرسال».

وأشار الغالي إلى «أن الأمور في حالة مراوحة، وأن أهالي العسكريين المختطفين سيستمرون في تصعيدهم من أجل الضغط على الدولة من أجل المقايضة للوصول إلى تحرير أبنائهم».

في غضون ذلك، واصل أهالي العسكريين المخطوفين قطع الطرق وأبرزها ضهر البيدر على رغم الأمطار. ويتجه الأهالي إلى قطع أوتوستراد طرابلس بيروت والطريق البحري في القلمون من الخامسة حتى التاسعة من صباح اليوم.

بري والسنيورة وضعا اللمسات الأخيرة على السلسلة

أما في الشأن السياسي الداخلي، فقد فتحت الطريق أمام الجلسة التشريعية بعدما أسقط رئيس كتلة المستقبل النائب فؤاد السنيورة «الفيتو» عن الاتفاق الذي كان النائب جورج عدوان من جهة ورئيس المجلس النيابي نبيه بري ووزير المال علي حسن خليل من جهة ثانية، وقد أبلغ السنيورة بري بموافقته على الاتفاق خلال لقائهما في عين التينة مساء أول من أمس بعيداً من الأضواء.

وأكد بري بحسب ما نقل عنه زواره لـ«البناء» أن اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس سيعقد قبل ظهر اليوم لوضع جدول أعمال الجلسة العامة التي من المرجح أن تعقد يوم الأربعاء المقبل لإقرار سلسلة الرتب والرواتب البند الأول على جدول أعمال الجلسة.

وأشار زوار بري إلى أنه وضع اللمسات الأخيرة مع السنيورة في اجتماعهما على السلسلة، والتي تنص على تقسيط السلسلة سنتين، وفرض واحد في المئة على TVA وإعطاء الأساتذة والموظفين 6 درجات، من دون أي تخفيض أو مفعول رجعي، وأنه تم الاتفاق على تخفيض دوام العمل في الإدارات الرسمية إلى الثالثة والنصف بعد الظهر بدلاً من الخامسة.

وفي السياق نفسه يلتقي أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان الوزير خليل اليوم مجدداً، بعد أن بحثا مساء أمس كل ملفات السلسلة وجدول أعمال الجلسة التشريعية، ولا سيما موضوع الزيادة للعسكريين.

اعتصام لهيئة التنسيق الأربعاء

من جهته، أكد رئيس هيئة التنسيق النقابية حنا غريب لـ«البناء» أن الهيئة تطالب بنسبة زيادة واحدة لكل القطاعات فغلاء المعيشة واحد على جميع اللبنانيين. وطالب غريب بتوحيد نسبة الدرجة على أساس الراتب، لا سيما أن نسبة الدرجة للأساتذة والمعلمين هي 3.2 في المئة وهي أقل نسبة زيادة بالنسبة للقطاعات الأخرى.

وإذ أشار إلى أن هيئة التنسيق على تواصل مع الكتل السياسية وأنها قدمت مذكرة حول مشروع اللجان النيابية المشتركة لسلسلة الرتب والرواتب، أكد غريب «أننا لم نتبلغ عن أي لقاء مع وزير المال ولم نتلق حتى الساعة أي جواب على مطالبنا».

وأشار عضو الهيئة نعمة محفوض لـ»البناء» إلى أن أحداً لم يأخذ برأينا ولم يشاورنا في شأن السلسلة، قائلاً: «ليتحملوا مسؤولية ما سيفعلون». وأكد «أن الهيئة ستنفذ اعتصاماً الأربعاء المقبل في أقرب نقطة من المجلس النيابي، بالتزامن مع الجلسة التشريعية».

من جهة أخرى، أكد بري أمام زواره رداً على سؤال في شأن التمديد للمجلس النيابي واقتراح النائب نقولا فتوش في هذا الصدد قال بري: «الاقتراح موجود وأن وضعه على جدول الأعمال يعود إلى الهيئة»، مكرراً أن دوره سيكون بعد الأولويات ومؤكداً أن كتلته ستصوت ضد التمديد للمجلس وكرر أن لا مقايضة بين التشريع والتمديد.

أما في شأن الاستحقاق الرئاسي الذي تركز عليه لقاء بري السنيورة فقد علمت «البناء» أن الثاني اقترح سحب قوى 14 آذار ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مقابل سحب ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، محذراً من استمرار الفراغ الرئاسي.

وينتظر أن يجري بري سلسلة مشاورات مع حلفائه لإطلاعهم على اقتراح السنيورة تمهيداً لإعطاء جواب عليه.

جلسة لمجلس الوزراء الخميس

إلى ذلك، من المتوقع إذا حدد موعد انعقاد الجلسة التشريعية يوم الأربعاء أن يجتمع مجلس الوزراء الخميس المقبل في السراي الحكومية برئاسة سلام الذي سيطلع المجلس على نتائج لقاءاته على هامش مشاركته في أعمال افتتاح الدورة العادية للأمم المتحدة واجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان، والتي ركزت على مكافحة الإرهاب وحل مسألة النازحين السوريين كما سيبحث المجلس في قضية العسكريين المخطوفين والمفاوضات الجارية لإطلاق سراحهم.

ومن المتوقع أن يعرض وزير الداخلية نهاد المشنوق في الجلسة مشروع إنشاء مخيمات للنازحين السوريين على الحدود اللبنانية السورية الذي ترفضه «قوى 8 آذار».

وقال الوزير محمد فنيش لـ»البناء»: «إن موضوع المخيمات لا يناقش بهذه الطريقة فهو يتطلب إجماعاً وتوافقاً داخل مجلس الوزراء»، مشيراً إلى أن ما قاله المشنوق يعبر عن وجهة نظره لا أكثر.

وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ»البناء» أنه «سحب طرحه بإقامة مخيمات للنازحين على الحدود اللبنانية السورية من التداول أثناء جلسة مجلس الوزراء، لأن لا إجماع عليه».

وأشار إلى أن ما قاله المشنوق يأتي انطلاقاً من مسؤوليته الأمنية بعد التقارير التي وصلته من الأجهزة الأمنية عن النازحين المتواجدين في عرسال.

ورأى درباس «أن ثلاثة أسباب وراء موقف وزير الداخلية من إنشاء المخيمات: الأول: نزع فتيل التفجير في عرسال بعدما باتت عرسال مخطوفة. السبب الثاني: خيم النازحين احترقت في غالبيتها وفصل الشتاء على الأبواب الأمر الذي يتطلب تأمين مأوى لهم. أما السبب الثالث فيعود إلى أن الوضع الأمني يتطلب فصل النازحين عن المسلحين الموجودين في الجرود».

باسيل غداً في الكي دورسيه

على صعيد آخر واستكمالاً للقاءات التي عقدها على هامش اجتماعات الدورة 69 للأمم المتحدة في نيويورك والتي ركزت على كيفية مواجهة خطر الإرهاب وملف النازحين السوريين، يعقد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل غداً الثلاثاء لقاء مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس في الكي دورسيه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى