حقيقة أهداف التحالف الدولي وأكذوبة القضاء على «داعش»

هاني قاسم

اتخذت أميركا من خطر «داعش» ذريعة لإنشاء التحالف الدولي، بعد أن أعلن امارته الاسلامية في وقت قصير وعلى جزء من الاراضي العراقية والسورية، وأرسل ممثلين له الى العديد من الدول العربية والاسلامبة والحركات الاسلامية في العالم لأخذ البيعة له.

تمدد هذا التنظيم بسرعة فائقة بعد ان احتل الموصل ووضع يده على ثكنات الجيش وأموال البنك المركزي فيها وآبار النفط، واصبح تنظيماً قوياً، فلم يعد تحركه متوقفاً على دعم الآخرين له، وهذا ما اعطاه هامشاً كبيراً في عمله العسكري والسياسي.

هذا التمدد الداعشي ما كان ليحصل لو لم يحظَ بدعم أميركا ورعايتها وغض نظرها عن دعم الدول الاقليمية له وتحديداً تركيا التي فتحت حدودها له وسهلت دخول المقاتلين الأجانب عبرها واشترت النفط منه وفتحت له العديد من المراكز داخل تركيا وساعدته في إحكام قبضته على المناطق الكردية في سورية.

استغلت أميركا هذا التمدد الداعشي الذي اصبح يشكل خطراً على السعودية والكويت والأردن وعلى كردستان العراق بعد محاولة «داعش» احتلال اربيل المنطقة الاستراتيجية للمصالح الاميركية، فأعلنت النفير الدولي والاقليمي لمحاربة «داعش»، وجمعت الحلف الأطلسي وعقدت مؤتمراً بجدة وباريس وضم 26 دولة عربية واجنبية.

ان نشأة «داعش» وتطوره جاءا في ظروف غامضة، ما دفع بالمحللين السياسيين ومراكز الدراسات إلى التساؤل: هل يمكننا القول إن «داعش» صناعة اميركية كما نسب الى كلينتون في مذكراتها؟ وكما قال الامام الخامنئي والمسؤولون الايرانيون، وهل الكلام الذي اعلنه ملك الاردن عبد الله الثاني عن أن صعود «داعش» انه كان بالإمكان تلافيه لو أن المجتمع الدولي عمل بشكل أقوى لضمان ان لا يبلغ التمويل والدعم اللذين حصل عليهما، يصب في هذا الاتجاه؟

والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا كانت أميركا هي من صنعت «داعش» أو هي من تبنته ورعته من اجل ان تستفيد منه خدمة لمصالحها في المنطقة، فلماذا تقرع طبول الحرب وتطلب من حلفائها واتباعها أن يتدافعوا إلى الدخول في هذا التحالف الدولي من أجل محاربته؟ وما هي الأهداف الحقيقية التي تريدها أميركا من هذا التحالف؟

هذه الأسئلة تدفعنا إلى القول إن هناك أهدافاً معلنة ولكنها غير صادقة، وأهدافاً آخرى غير معلنة تسعى أميركا للوصول اليها.

اما الأهداف التي أعلنها التحالف، فقد وردت في البيان الختامي الذي صدر عن مؤتمر باريس الذي ضم 26 دولة والذي تضمن:

منع تدفق المقاتلين الأجانب من دول الجوار، ووقف تدفق الأموال لتنظيم «داعش»، والجماعات المتطرفة الأخرى، ورفض أيديولوجيات الكراهية لدى تلك الجماعات الإرهابية، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الفظائع، ووضع نهاية لتهربهم من القانون، والمساهمة في جهود الإغاثة الإنسانية، ومساعدة المناطق السكنية التي تعرضت لفظائع «داعش»، وذلك من خلال إعادة الإعمار والتأهيل، ودعم الدول التي تواجه التهديد الأكبر من هذا التنظيم، وحين يكون الأمر ملائماً، المشاركة في أوجه العمل العسكري المنسق ضده.

وأما الأهداف غير المعلنة فإن استقراءها يعتمد في شكل أساس على مجموعة من الأحداث والمواقف ومنها:

روجت أميركا لاكذوبة محاربة «داعش»، فصدقها الآخرون، لأنها هي من صنعته ورعته وحضنته خدمة لاهدافها، فهل حققتها ولم تعد في حاجة الى خدماته، فقررت ان تتخلص منه.

ما هي حاجة أميركا الى هذا التحالف مع العلم أنه عندها ما يكفيها من الاحلاف والاتفاقات الدولية والاقليمية للقضاء على «داعش» في العراق من دون الحاجة الى انشاء تحالف جديد؟ ولماذا لم تتحرك مع بداية التمدد الداعشي لمواجتهه؟

لماذا لم تكتفِ أميركا بمحاربة «داعش» في العراق، بل عملت على توسيع مهمة التحالف لمحاربته في سورية أيضاً وحيث ما يلزم من دون ان تأخذ في الاعتبار سيادة الدول التي سيتم اختراقها من دون اذنها؟ وقد عبرت عن ذلك مبعوثة أميركا في مجلس الأمن، فقالت إن بلادها ليست في حاجة إلى تفويض أممي من أجل ضرب معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في سورية.

لماذا اكتفت بالدعوة لمحاربة «داعش» وأعطت لنفسها فترة طويلة، ولم تتحدث عن القضاء عليه؟

لماذا ربط اوباما المواجهة مع «داعش» وعدم توفير الملاذ الآمن له في أي منطقة، معللاً ذلك بقيامه بأعمال تهدد مصالح أميركا؟

بالاستفادة من هذه الوقائع يمكننا ان نقارب اهداف أميركا من هذا التحالف:

تزعّم أميركا لأطار دولي واقليمي جديد من خارج مجلس الامن، هو من اجل ان يشكل غطاءً شرعياً لها تستطيع من خلاله ان تفعل ما تريد فتستبيح سيادة اي دولة، وهو ما قامت به من جراء الغارات الجوية الاخيرة على سورية والتي تجاوزت الـ240 غارة تحت عنوان أخذ العلم، وان تنشئ قواعد عسكرية ومراكز تدريب وتواجه اي تحرك في المنطقة لا يخدم المشروع الاميركي، كمشروع المقاومة في فلسطين ولبنان والحراك اليمني ومشروع الممانعة في سورية… كل ذلك بحجة مكافحة الارهاب، تماماً كما فعلت في العراق سابقاً، حيث شكلت حلفاً دولياً تألف من جيوش متعددة الجنسية، قام باحتلال العراق بحجة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً، بعد ان رفض مجلس الامن ان يصدر قراراً بالتدخل العسكري تحت الفصل السابع.

شعور أميركا بالخطر المحدق «بإسرائيل»، وتلمسها لعجزها عن الدفاع عن نفسها، ولاحكام السيطرة على المنطقة من أجل المحافظة على مصالحها فيها، وهذا ما دفعها الى صياغة استراتيجية جديدة لمنطقة الشرق الاوسط تتضمن العودة المباشرة اليها والاشراف المباشر عليها.

الاشراف المباشر للادراة الاميركية على المسائل العسكرية كافة من تدريب وتسليح وتنفيذ للمهمات، وضبط ايقاع عمل الدول الحليفة في المهمات المكلفة بها سواء على الصعيد العسكري او المالي او السياسي، وكذلك لضبط ايقاع مسار التنظيمات التكفيرية والمجموعات الاخرى لإبقاء الامور تحت السيطرة.

ادركت روسيا خطورة هذا التحالف فردت على أميركا بدعوة ايران وباكستان والهند للانضمام إلى شنغهاي، لتقول لأميركا أن الآحادية السياسية في العالم لم تعد مقبولة، وهناك مجموعة دول اخرى في العالم لا يمكن تجاوزها وان التنسيق معها امر يجنب العالم العديد من الأزمات ويبعد شبح حرب عالمية ثالثة. شعرت ايران بخطورة هذا التحالف ايضاً، فرفضت المشاركة في هذا التحالف رغم دعوة أميركا لها للمشاركة، واتهم الامين العام للمجلس الاعلى للامن القومي أميركا بأنها تسعى من خلال هذا التحالف الى انتهاك سيادة الدول بحجة مكافحة الإرهاب، وحذر رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني من التدخل العسكري في سورية. وبذلك تكون كل من ايران وروسيا قد رسمتا خطوطاً يصعب على أميركا تجاوزها، وإلا فإنها سوف تدخل في المحظور وتكون «قد لعبت بالنار» كما عبر لاريجاني.

صحيح ان دول العالم تشعر بخطر الارهاب عليها وصحيح أيضاً ان ايران تشعر بهذا الخطر الداهم وهي تعمل على مواجهته ولكن على طريقتها، وهي مستعدة للتنسيق مع الجميع من اجل محاربته ولكنها تدرك ايضاً بأن أميركا هي الخطر الاساس، لأنها هي من صنعت «داعش» ورعته وهي من صنع غيره من المجموعات الارهابية خدمة لمصالحها في المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى