دواعش العصر الحديث

آية الله العلامة الشيخ عفيف النابلسي

إن مسألة الخلافة أصبحت مسألة ملحة للشرح والبحث والتشريح أكثر من أي وقت مضى، وتجب إعادة النظر في الخلافة وبمدى شرعيتها وكيفية تحققها.

كيف يتم ذلك البناء «دولة الخلافة»؟ عبر أي مسار سياسي واجتماعي سيسولوجي؟ هل يمكن بناء دولة الخلافة كيف ما كان وبأي وسيلة ممكنة حتى ولو عقد الخليفة المدعى الأحلاف السرية مع القوى الإمبريالية والرجعية العربي، أم هناك مسار ديني وديمقراطي محدد يمكن أن تتشارك فيه فئات واسعة من الناس لإقامة دولة الخلافة المتخيلة؟ ولكن قبل أي شيء، ما هو برنامج الخليفة؟ وما هو شكل دولته؟ وما هو شكل اقتصادها؟ وما هي صلاحيات الخليفة أم أنه الإله المطلق على الأرض؟ وما هو دور الناس في هذه الدولة؟ هل هم عبيد أم هو مواطنون لهم جميع الحقوق الدينية؟ وما مدى حرياتهم الثقافية؟

كفى تبجحاً وتشدقاً بهذه الخلافة المزعومة باستجرار تجربة الخلافة الراشدة الماضية التي هي بالأصل بحاجة إلى بحث موضوعي لمعرفة مالها وما عليها. ثم لو سلمنا جدلاً بصواب الأطروحة وهذا الحلم الذي يراود فئة كبيرة من المسلمين ماضياً وحاضراً، فوفق أية رؤية ومنهج يجب التحضير لها؟ هل يجب أن تتم وفق مسار فقهي وسياسي وأخلاقي في منتهى الدقة والمسؤولية وملاحظة تطور الزمان والمكان والمفاهيم الحديثة التي اخترقت مختلف المجتمعات الإسلامية أم لا؟

في الواقع، الفكر الإسلامي المشوه هو الذي أنتج دواعش عديدة عبر التاريخ الإسلامي والصراع على سلطة الخلافة هو الذي ولّد حركات وشخصيات داعشية منذ مشركي مكة مروراً بالخوارج وصولاً إلى الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين .

الداعشية الجديدة أسقطت القناع عن كل هذا الماضي لأنها هي تمثل التعبير الفكري الجمعي لفئة كبيرة من المسلمين نشأت في أجواء التعصب والتخلف الديني والاجتماعي، ولأن الداعشية هي نتاج فكري متأصل عند هذه الفئة. إن تمظهر الخلافة بهذا الشكل الممارس يومياً بالعراق والشام، هو تشويه للفكرة الإسلامية التي تُنظّر لخلافة أبعد ما تكون من قيم الإسلام السمح وأصول القرآن المحكمة، هو تشويه للدلالات القرآنية.

لذلك إن تحقيق الخلافة بهذا الشكل الذي يمارسه داعش هذا العصر في بناء الدولة دولة الخلافة على جماجم الفقراء والبسطاء من أمتنا لأي دين أو مذهب أو ملة بالشكل الفاشي والدموي لتنظيف الشريعة من أصالتها وقيمها النبوية الحقة، هو منطق الجبريين الذي يبررون كل هذه الجرائم عبر التاريخ بلا إرادة واعية وبلا خلفية أخلاقية إنسانية. لذلك تجب إعادة النظر في هذه العقيدة التي ترفع الدواعش عبر الزمن وتجعلهم في موقع السلطة والسطوة. عقيدة تقوم على سحل الناس بالطرقات وجلدهم بالساحات والاعتداء على أعراضهم وكرامتهم تحت حجة إقامة الحدود. لقد قدمت الناس قرابين زهيدة مقابل لا شيء سوى الدماء، والهدم لكل شيء من مجمعات وجامعات ومصانع ومعامل والحجر والبشر وكل المعالم التاريخية للأمة. حقاً إن الداعشية شبيهة بالصهيونية التي دمرت الحضارة وشعوب هذه المنطقة من العالم بل زادت وغالت حتى أن الإنسان البدائي يخجل مما يقترفه هؤلاء.

فكيف للدواعش أن يقيموا هذه الحدود علينا؟ وفق أي شريعة؟ بالتأكيد ليست شريعة الله عز وجل ولا كتابه الكريم. والأكيد أنها شريعة الشيطان لا بل الفهم الشيطاني للقرآن الكريم، الشيطان الذي زين لهم أعمالهم، أما في السياسة فهم في محور أميركا و«إسرائيل» ملوك النفط. فعن أي إسلام يتكلمون ويدّعون؟ وهل حربكم على سورية والعراق صدفة أم أنكم كما الظواهري الذي يفتح الفروع حول العالم كما تفتح المطاعم فروعها حط رجاله أخيراً في القارة الهندية؟ لماذا هل تلك مصادفة؟ أنتم صناعة الاستخبارات الأميركية، حتى ذبحكم للصحافي الأميركي يبدو أنه مسرحية من أسيادكم الغربيين لاتخاذها ذريعة للتدخل في بلدان المنطقة، فبعد خروج الأميركي من الباب الواسع من العراق ها هو يعود من النافذة. أنتم كالصهاينة الذين كانوا يقتلون اليهود في الحرب العالمية خدمة لأهدافهم فلا عجب منكم على ما تفعلونه بشعوب أمتكم خدمة لعروش ملوك القهر والنفط والهيمنة الغربية. فمن يعتبر؟ !

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى