أخبرونا ـ بربكم ـ ماذا يحدث في سماء سورية وعلى أرضها؟

د. مهدي دخل الله

ما يحدث في سماء سورية وعلى أرضها ما دامت القذائف تنفجر على الأرض في حاجة إلى إيضاح عبر قناة تواصل صريح بين القيادة والشعب. هذه القناة ضرورية في السلم فكيف في الحرب، إذ يصبح التواصل المشار إليه عنصراً مهماً من عناصر الجاهزية الشعبية العامة في مواجهة الإرهاب.

فلذات أكباد الشعب، جنود القوات المسلحة البواسل، يصنعون يومياً بطولات مدهشة على أرض المعركة، وهي المعركة التي دخلت كل بيت وكل أسرة في سورية. أليس من حق هذا الشعب أن يعرف، بل من واجبه أن يعرف الحقيقة، كي يستعين بهذه المعرفة في تعزيز جاهزيته استناداً إلى الوعي الكامل بحقائق الأمور ؟

ليس إنشاءً ولا لغة خشبية عندما نؤكد أن الأيدي يحسن أداؤها إذا استندت إلى وعي كامل بما تفعل، وأن الصدور تقوى أضلعها إذا كان خلفها قلب يمتلك الإيمان وعقل يمتلك الحقيقة… والإيمان دائماً يستند إلى الحقيقة.

هناك تخبط وارتباك سائد في الرأي العام حول ما يحدث بين سورية و«التحالف»؟ هل هو تنسيق أم تفاهم جنتلمان غير مكتوب ؟ هل هو انتهاك لسيادة سورية، وهي البلد الوحيد تقريباً الذي يحمي السيادة كما تحمي الرموش العين؟ هل هو عدوان نقبله على مضض أم هو ضرورة وشر لا بد منه، وما لا بد منه لا غنى عنه؟ لماذا مثلاً لم ترسل روسيا طائراتها لتضرب الإرهاب في سورية بالتوازي مع ضرب أميركا للإرهاب في العراق؟

أسئلة كثيرة تفرخ أسئلة أكثر! وحتى اليوم لم يخرج على الرأي العام مسؤول سوري يشرح، بلغة بسيطة واضحة، ماذا يجري مستفيداً بذلك من الثقة التي تحملها غالبية الشعب للقيادة، ومن ضرورات الجاهزية الشعبية ونحن في أتون حرب من أبشع ما عرف العصر من حروب!

نسمع التصريحات المقتضبة للمسؤولين، وهي غالباً تقتصر على تكرار المبادئ التي يعرفها الشعب ويتمسك بها تمسك الأم بوليدها. ولا توجد حاجة عملية، ولا سياسية، للنفخ في بوقها باستمرار إلا عند تفسير التطورات باعتبار هذه المبادئ مساعداً للخطاب… لا أصلاً له.

الشعب متأكد بحدسه وبمعرفته وثقته أن قيادتنا وطنية للنخاع ولن تفرط بشيء من السيادة، بل أن «مشكلة» سورية أنها تقدس السيادة كما يقدس غيرها الحسابات والمصالح. هذا أمر متفق عليه ويدخل في بديهيات ثقة الشعب بالقيادة.

لكن هناك حاجة ماسة إلى التفسير والتوضيح، ووضع النقاط على الحروف. ولا أعتقد أن القضية صعبة لأن في الحرب كل شيء ممكن ومبرر ما دام يحقق هدفه… والميكيافيلية المنبوذة في السلم محمودة في الحرب لأن منطق الحرب غير منطق السلم. هذه معايير خبرتها البشرية من تجاربها في الحروب التي لا تعد ولا تحصى. ألم يلتقِ اللدودان تشرشل وستالين في «حلف الضرورة» ضد النازية؟ وهل ممكن أن نطلق ما يحصل بين سورية وأميركا اليوم هو نوع من أنواع «حلف الضرورة» أي حلف ضد… وليس حلف لـِ …؟

إن حلف الضرورة هو حلف الحاجة لا حلف الرغبة. تقبله الدول على مضض باعتباره شراً لا بد منه. هذا الأمر واضح من تصريحات الطرفين السوري والأميركي. فلا أميركا «ترغب» التعامل مع سورية، ولا سورية ترغب التعامل مع أميركا. لكن «صاحب الحاجة أرعن» كما اعتادت العرب أن تقول.

هل هو انتهاك لسيادة سورية؟ لا … لسببين: لأن سورية لم تعلن أن سيادتها انتهكت، ولأن سورية أعلنت وجود معرفة مسبقة وصلتها مباشرة من واشنطن.

كانت لدى سورية «حاجة» حاجة وليس رغبة بعمل ضد الإرهاب الذي استفحل في مناطق معينة. وكان هناك ثلاثة خيارات: الأول أن تطلب سورية تدخل التحالف، وهذا غير ممكن لسببين: لأنه لا توجد اتفاقية أمنية بين دمشق وواشنطن، ولأن طبيعة العلاقات بينهما لا تسمح بمثل هذا الطلب. الخيار الثاني أن تنتهك أميركا السيادة السورية، وهذا صعب بسبب أن سورية ليست أرضاً سائبة وهي تمتلك دولة قوية ومتماسكة ولها ارتباطاتها الإقليمية والدولية المهمة توازنياً. الخيار الثالث كان الوحيد الممكن، وهو أن تعلم واشنطن دمشق رسمياً عبر العراق وأن تقبل دمشق ذلك قبولاً غير معلن بمعنى عدم الرفض ، وهو ما يسمى عادة بالتفاهم الجنتلمان. وبالنسبة الى فقه العلاقات الدولية فإن الاتصال بين العاصمتين كان مباشراً إذا كانت الرسالة التي حملها العراقيون من كيري موجهة إلى سورية بالاسم، وليس إلى العراق كي يخبر سورية.

وقد يكون هذا ما حصل فعلاً، بخاصة أن خطة أوباما لمكافحة الإرهاب في العراق سوّت في الإجراءات بين سورية والعراق. ولما كانت الخطة أعلنت بأن واشنطن «ستعمل مع الحكومة العراقية» فهذا يعني حكماً بأنها ستعمل مع الحكومة السورية «ولو بالشكل الذي شاهدناه». وهذا التفسير يتحمله نص الخطة وروح اللغة الإنكليزية في الخطة البند الأول . كما أن أميركا قبلت على ما يبدو شروطاً سورية. فمثلاً اقتصرت خطة أوباما على ضرب «داعش» فقط، بينما العمليات تتم ضد «داعش» و«النصرة» و«أحرار الشام» وغيرها، إضافةً إلى الدور السوري في تحديد مناطق العمليات.

ما هو موقف موسكو وطهران؟ منطق الأمور وطبيعة الدولة السورية يؤكد أن العاصمتين المذكورتين كانتا في صورة التطورات، وأن دمشق على اتصال دائم وتفصيلي بهما. أما انتقاد نصر الله وطهران وموسكو العمليات الأميركية فهذا شيء طبيعي ومفيد ويدعم الخط المبدئي الذي تلتزم به دمشق أيضاً. فإذا كانت سورية مضطرة فإنها تترك لهم الاحتجاج وهذا تستفيد منه سورية، وبخاصة أنه لا أحد يثق بنوايا واشنطن حتى لو أضطر التعامل معها. بخاصة أن ما تقوم به أميركا يقع خارج تفويض مجلس الأمن.

ومن جهة ثانية، شاركت موسكو وبكين في مؤتمر باريس الذي أكد تحت تأثيرهما – على ضرورة «التطبيق الحسن للقرار 2170»، فيما يعتبر ضغطاً على واشنطن كي لا تبتعد في عملياتها عن مضمون القرار…

وهل ما تقوم به واشنطن شرعي؟ في الحقيقة لم يفوض مجلس الأمن واشنطن ولا غيرها بتطبيق القرار 2170 لمكافحة الإرهاب. لكن القانون الدولي يسمح بأن تطلب دولة من دولة أخرى مساعدتها عسكرياً واقتصادياً، وذلك يأتي في إطار السيادة.

وماذا عن الفصل السابع؟ المادة 42 في الفصل السابع تتعلق بالتدابير العسكرية. لكنها منوطة بمجلس الأمن أو من يفوضه المجلس. وحتى لو أن مجلس الأمن أتخذ قراراً بالإجماع حول ضرب الإرهاب في سورية فليس له الحق بانتهاك السيادة السورية، لأن الفصل السابع إجرائي وظيفته أن يأمر بتطبيق القرار 2170، وهذا القرار ينص بشكل واضح على احترام سيادة سورية والعراق. أي أن الفصل السابع نفسه يفرض احترام سيادة البلدين لأن ذلك وارد في نص القرار 2170.

وماذا عن «اليوم التالي» the day after ؟ إنها المخاطر التي يطرحها «تحالف الضرورة». وهو ما ينبغي على سورية التحسب له. ففي كثير من الأحيان تفوق المخاطر الإيجابيات. مثلاً أدى تحالف الضرورة بين تشرشل وستالين ضد هتلر إلى أن يتمدد الإتحاد السوفياتي إلى منتصف القارة الأوروبية بكاملها ووصل حتى غرب برلين، إلى أبواب نورنبرغ، متوغلاً في قلب الجزء الغربي من القارة العجوز. هذه المخاطر موجودة اليوم في العمليات الأميركية، ولا شك في أن سورية تتحسب لها. ومن أهم عناصر هذا التحسب إيضاح الحقيقة كاملة للشعب… فقد برهن هذا الشعب طوال السنوات الماضية أنه القوة الحقيقية والأساسية في مواجهة الإرهاب.

وزير وسفير سوري سابق

mahdidakhlala gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى