الذئب الطوراني

نسيب أبو ضرغم

يشترط رجب طيب أردوغان لدخول تركيا في التحالف الأميركي «لضرب داعش» أن توافق الولايات المتحدة الأميركية على إقامة شريط عازل في شمال سورية مع خطر جوي على كامل مساحة هذا الشريط.

أخيراً، وبعد مواربة ونفاق، كشف أردوغان عن استهدافاته من الوقوف ضد الدولة السورية علناً، وحقيقة الاستهداف هي ضم شمال سورية إلى تركيا الطورانية، خاصة مدينة حلب.

كان الدور التركي منذ ثلاث سنوات ونيف يصب في تحقيق هذا الهدف، سواء على مستوى استضافة جزء من «المعارضة السورية» أو على مستوى تمرير السلاح والمقاتلين، وكذلك على مستوى الدعم الاستخباري واللوجستي والطبي… والآن يعتبر أردوغان أن اللحظة سنحت، فأميركا تريد حلفاء إقليميين لها في حربها، ويعلم أن لمطلبه في فرض شريط عازل في شمال سورية، نصيباً في خانة المؤامرة الأساسية على سورية، والمتمثلة في تدمير الدولة والمجتمع السوريين، إضافة إلى تقسيم الجغرافيا السورية إلى عدة مكوّنات سياسية تقوم على الأساس المذهبي والطائفي والإتني…

بدأ عواء الذئب الطوراني بالارتفاع، وهو في الحقيقة ليس مفاجئاً، ذلك أن أطماع هذا الذئب بالأرض السورية كبيرة، وشهيته لابتلاع المزيد منها لا تنتهي.

ما يُخشى منه في هذا الإطار هو أن يعيد التاريخ نفسه، وذلك بإعادة ما حصل مع أتاتورك من قبل التحالف الغربي ـ الصهيوني حين عرضوا عليه ضمّ الإسكندرون إلى دولته الطورانية الناشئة، مقابل وقوفه إلى جانب الحلفاء في حربهم مع النازية، وقد وقعت المقايضة وربح ذاك اليهودي المتأسلم مثل أتاتورك الصفقة على نحو مضاعف، فقد ربح الأرض السورية الجميلة والخصبة، إضافة إلى تقديم خدمة كبيرة إلى أبناء جلدته اليهود الذين استفادوا من هزيمة النازية وربح الحلفاء الذين أسسوا بالأساس لقيام «دولة إسرائيل» عبر وعد بلفور واتفاقية سايكس ـ بيكو، وها هم يكرّسون الدولة التي نشأت بالقوة عبر وعد بلفور واتفاقية سايكس ـ بيكو، لتنشأ بالفعل عبر انتصار الحلفاء.

ها التاريخ يعيد نفسه، فأتاتورك إخوانيّ، يسعى إلى المقايضة من جديد، مع الجهة ذاتها التي باعت الإسكندرون لأتاتورك الأول، بأن يساهم بشكل مؤذٍ وفاعل مقابل أن يتمدد جنوباً، ويحرم سورية من مساحة أساسية في الاستراتيجيا والاقتصاد والتاريخ، وقبل كل شيء يوجه طعنة عميقة إلى السيادة السورية وإلى وحدة الأرض والشعب السوريين، وذلك كلّه يندرج في عملية تفكيك المجتمع السوري والأرض السورية والدولة السورية.

في تقديري، ومن خلال تداعيات الحوادث والمواقف الغربية والتركية، يأتي طلب أردوغان في سياق أجندة وضعتها الولايات المتحدة له، وقد نفذ مندرجات هذه الأجندة التي هي جزء لا يتجزأ من تمثيلية ضرب «داعش» التي تصب أساساً في خانة استكمال تخفيف مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهو مشروع يهودي بامتياز.

بناء عليه، سوف ينجح أردوغان، بطبيعة الحال، بدعم من الولايات المتحدة وتوجيهها، في الحصول على تحقيق مطلبه وإنْ لم يكن من خلال قرار أمميّ بفعل الفيتو الروسي والصيني، إنما بقرار من قيادة التحالف الصهيو ـ أميركي الذي يقود هذه المسرحية البشعة تحت عنوان «محاربة داعش».

سوف تتذرع الولايات المتحدة وشركاؤها بالضرورة العملانية الناشئة عن سياق عمليات «ضرب داعش»، وبأن المنطقة الممتدة من غرب سورية وعلى خط أفقي مواز للحدود التركيبة حتى شمال العراق، ومن ضمنه حلب، هي منطقة تقع تحت الحظر الجوي، ليتاح للقوات المتحالفة من «ضرب داعش»، وبذلك تكون المنطقة المشار إليها كررت ما حدث في شمال العراق مع إقليم كردستان، مقدمة لابتلاعها من قبل الذئب الطوراني. وبذلك يكون أردوغان حصل على هديتين معاً، الأولى تحقيق حلمه بضم حلب، والثانية القضاء نهائياً على أيّ نزعة كردية وخطر كردي في شمال سورية.

سوف يقوى عواء الذئب أكثر.

يقول الرئيس أوباما إن الاستخبارات الأميركية أخطأت في تقدير خطر «داعش»، لكأن «داعش» كانت ولدت ونمت ورُعيت ودعمت وتمددت خارج الحضن الأميركي، لكأن «داعش» مكوّن هبط من السماء فجأة. إنه النفاق الأميركي عينه. أليس النفاق ذاته الذي مارسه الأميركيون عندما قالوا إننا أخطأنا في تقدير وجود سلاح الدمار الشامل في العراق؟

أليست النتيجة عينها التي يرمون إلى تحقيقها في سورية؟

يخوض الأميركي على جغرافية سورية الطبيعية آخر حروب الناتو، ولذلك لن يدخر وسيلة أو قوة إلاّ ويوظفها في حربه هذه. هو يعلم تماماً أن انتصار دمشق على هذه الموجة ينعكس على وجوده الاستراتيجي في المنطقة سلباً. سواء لجهة ربيبته «إسرائيل» أو لجهة تمكين شعوب المنطقة من إقامة دول حقيقية. أثبتت الدولة السورية أنها النموذج المطلوب في مواجهة هذا التحالف اليهودي ـ الغربي الجهنمي. كما سينعكس على المعادلة الدولية التي ستنتقل حكماً من الأحادية إلى التعددية لمصلحة دول البركيس.

ليس أردوغان الذئب الوحيد الذي ستطلب إلى الولايات المتحدة لرفع وتيرة عوائه، ثمة ذئاب كثر، سوف يلحقون بأردوغان حينما يطلب منهم المعلّم ـ الراعي، راعي الذئاب ـ الولايات المتحدة الأميركية ذلك، وبناء عليه:

ما زلنا نعتقد أن قيام تحالف دولي في مواجهة التحالف الصهيو ـ أميركي هو حاجة حيوية، ليس لسورية فحسب، إنما لما يوازي نصف سكان العالم. فالولايات المتحدة التي توجه «الضربات» الهامشية إلى «داعش» توجه في الوقت عينه الضربات القاتلة إلى الاقتصاد السورية، فتدمير مصافي البترول ليس منع «داعش» من بيع النفط، بل لتركيع سورية اقتصادياً. لو كان صحيحاً أن المقصود من «داعش» هو استثمار النفط، لكان الأمر أسهل من ضرب المصافي، أي كان في إمكان الولايات المتحدة أن تطلب إلى وكيلها في أنقرة إقفال حدوده في وجه تهريب النفط، وإذاك لا يبقى أمام «داعش» إلاّ أن تشرب النفط المستخرج من الأرض السورية والعراقية.

إذن، نجح الغرب المتصهين، والصهيونية العربية والتركية في تقسيم سورية. سوف يرتد الذئب الطوراني إلى العواء في اتجاه الشمال، وثمة ذئاب تتربص في وسط آسيا، وكلّها تتحرك بالإيحاء والتخطيط الصهيو ـ أميركي لتكريس مرجعية واحدة للعالم هي المرجعية الصهيو ـ أميركية، بعد عزل روسيا وطردها من المتوسط والبرّ السوري والعربي من جهة وتطويقها عبر وسط آسيا من جهة أخرى.

إنه قدر الأمة السورية أن تخوض معارك الإنسانية على أرضها وبلحم أبنائها… لقتل التنين… إنها مار جرجس ـ الخضر المعاصر من سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى