الولايات المتحدة والقوة المعتدلة في سورية

عامر نعيم الياس

وافق الكونغرس الأميركي على تقديم نصف مليار دولار من أجل تدريب ما أسماها «المعارضة المعتدلة في سورية» وتسليحها، وفقاً لخطة الرئيس الأميركي باراك أوباما في حربه ضدّ تنظيم «داعش» على الأراضي السورية. وفور إقرار التمويل، بدأت يوميات القصف على سورية التي أفرزت نقاشاً دولياً وداخلياً صاخباً حول جدوى الغارات وشرعيتها، والطرف المستفيد منها. لكن السؤال الأبرز بقي يتمحور حول هوية «المعتدلين» الذين تنوي واشنطن تمويلهم وتسليحهم بإشراف سعودي كامل وعلى أراضي المملكة الهرمة.

صحيفة «لوموند» الفرنسية وصحيفة «لوس أنجلس تايمز» الأميركية تحدثتا بالتفصيل عن فصائل «المعارضة السورية» الموجودة على الأرض والتي ستُسلَّح. وأجمعت الصحيفتان على أنّ إمكانية التسليح والتدريب تنحصر في ما كان يسمّى «الجيش الحرّ» مع استبعاد كلٍّ من «الجبهة الإسلامية»، والأكراد لأسباب تتعلق بالإيديولوجية التكفيرية لدى الأولى، وارتباط الأكراد بحزب العمال الكردستاني. في ما استمر طرح «جبهة ثوار سورية» و«حركة حزم» كفصائل ممكن تسليحها في سياق منفصل عن «الجيش الحر»، باعتبار الحركتين من «المجموعات المعتدلة» وتمثل التيار الذي تحاول واشنطن تعويمه في سياق القصف الجوّي المستمر. فهل ما طُرح قابل للتطبيق؟

مع انقضاء الأسبوع الأول للغارات الجوّية الأميريكية ـ العربية على سورية، لوحظ محاولة الإدارة الأميركية الترويج لفكرة تجفيف مصادر تمويل «داعش» و«النصرة» عبر استهداف حقول النفط والغاز التي تسيطر عليها الحركتان في شمال سورية وشرقها، والتي تشكّل مصدر التمويل الأساس للحركتين المشمولتين بقرار مجلس الأمن 2170 حول سورية، ما يؤدّي إلى انكفائهما، وهو ما يصبّ في مصلحة «المعتدلين» من المسلحين. في الوقت الذي طالب فيه رئيس هيئة الأركان العامة الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي بضرورة وجود قوات على الأرض ورفع عديد القوات المعتدلة المنوي تدريبها إلى 15 ألف مقاتل. فهل تحاول واشنطن عبر ضرب «النصرة» و«داعش» في سورية واستهدافهما اقتصادياً، إغراء المرتزقة من السوريين وبعض الأجانب المنضوين في صفوفهم، للانضواء في تشكيلات واشنطن المنوي تأهيلها في الرياض، أو حتّى إلى التشكيلات على الأرض السورية؟

بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية «يتنقل المقاتلون السوريون من مجموعة إلى أخرى بحسب عروض الرواتب والأسلحة والانضباط في المعركة»، وهو أمر قد يسهّل على الإدارة الأميركية مسعاها لو اقتصر الأمر على هذا المنحى. لكن البدائل في المجموعات المعتدلة تبقى هي أساس التحرّك. فـ«الجيش الحرّ» الذي كان عام 2012 مسيطراً على المشهد الإعلامي، تحوّل فجأة ومع انهياره في أطمة إلى مجرد اسم من الذاكرة لا وجود له حتى على صورة المشهد الإعلامي. وهنا تقول «لوموند» أيضاً: «إن الدعم الذي أعلن عنه باراك أوباما رسمياً ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد جاء متأخراً جدّاً، فالجيش الحرّ تناثر إلى مجموعات محليّة فشلت في مواجهة المجموعات الإسلامية التي سيطرت على المناطق في شمال البلاد وشرقها». هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العقيدة التي صيغ على أساسها الاعتدال الأميركي تقوم على أساس العامل الديني والبعد الطائفي للحرب الأهلية، وهو ما لوحظ من أسماء الكتائب المنضوية تحت مسمّى «الجيش الحرّ» في بداية الحرب على سورية عام 2011. أمر انعكس على رفض غالبية الفصائل «المعتدلة» القصف الجوّي على «داعش» و«النصرة» في سورية، والمطالبة فقط بضرب النظام. إذ أعلنت حركة «حزم»، التي زوّدتها الولايات المتحدة خلال السنة الماضية بصواريخ مضادّة للدبابات، عن إدانتها الغارات الأميركية. كما انتقد بيان للإخوان المسليمين علناً القصف الأميركي. أمور تطرح علامة استفهام حول مدى تأثير الغارات الأميركية على ما أسمته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية «تحالف المتمرّدين». فهل من الممكن الحفاظ على التوازن الدقيق في العمليات الأميركية واستمرارها في «عدم تقديم شيء لمساعدة الرئيس السوري بشار الأسد؟»، تتساءل «نيويورك تايمز».

إنّ بطء وتيرة تدريب «المعتدلين» في السعودية، وملاحظات الجنرال ديمبسي حول عديدهم، فضلاً عن المعايير التي تتبعها الرياض وواشنطن في تقييم الاعتدال، وسط مخاوف من وقوع الأسلحة الأميركية في أيدي جماعات متطرّفة، من دون أن نغفل هنا خطّة الجيش السوري للاستفادة من آثار القصف الأميركي على الأرض، هذه الأمور مجتمعة تجعل من ملفّ البديل «المعتدل» ورقةً قابلةً للتطوير والتطويع وفقاً لرؤى بعض دول الإقليم في المنطقة ومصالحها، وربما تفتح باب السباق على تطويع «المعتدلين المنضوين تحت الراية الأميركية» واجتذابهم، بين هذه الدول المستمر بعضها في اللعب على هامش التردّد والانقسام الأميركي.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى