بندر يعود إلى الواجهة بعد إقصائه… ولصفقات أوباما مع السعودية أكثر من هدف استراتيجي

ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق

بدأت الحملة العسكرية الأميركية ـ المتلطّية خلف تحالف دوليّ ـ ضرباتها ضدّ تنظيم «داعش» المتطرّف التكفيري وغيره من التنظيمات، وبدأت تتكشف مع هذه الحملة خبايا وخفايا كثيرة. لا سيما الاتفاقات البديهية والأخرى السرّية، خصوصاً بين واشنطن والرياض.

وإذا كانت الإدارة الأميركية تهدف من وراء هذه الحملة إلى جملةٍ من الأهداف الاستراتيجية التي تخدم مصالحها، فإن للجبروت السعودي هدفاً لا يمكن وصفه إلا بالنكد السياسي. أما الهدف فهو: إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.

التقرير التالي المقتبس عن عدد من المقالات المنشورة في موقع «moon of Alabama» الإخباري السياسي، يسلّط الأضواء على بعض تلك الاتفاقيات التي عقدت «تحت الطاولة» بين أميركا والمملكة السعودية. وفيه يُظهر الكاتب مدى «بعد النظر» الأميركي، ومستوى «قصر النظر» السعودي!

وفق التقرير، عقد أوباما صفقة مع السعوديين الذين «وهبوه» الشرعية لهجماته المتوقعة ضدّ «داعش» و«جبهة النصرة»، على أن يدعموه لاحقاً في «الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد».

ويسلّط التقرير أيضاً الأضواء على عودة الأمير السعودي بندر بن سلطان إلى الواجهة، وهو الذي غذّى الحركات «الجهادية» التي أطاحت به لاحقاً. إذ ظهر بندر في اجتماع 11 أيلول في نيويورك، ما يعتبر إشارة أراد الملك إرسالها إلى المسؤولين الأميركيين للتأكيد على أن بندر لا يزال جاسوس الملك والمحرّك الرئيس في لعبة السياسة الأميركية في سورية والعراق، وهو الذي فشل في تحريك الضربة ضدّ نظام الأسد عام 2013.

وعندما قابل وزير الخارجية الأميركي جون كيري الملك السعودي في 11 أيلول، لم يكن يعلم ما الذي يتحضر السعوديون له. إذ أبلغوا نظراءهم الأميركيين قبل الزيارة بإمكانية المشاركة في الضربة العسكرية، لكن الثمن الذي تريده السعودية مقابل تحالفها مع الولايات المتحدة لضرب «داعش»، يتمثل في إسقاط نظام بشار الأسد. لماذا؟ لأنه حينذاك فقط يمكن أنابيب الغاز القطرية أن تجد طريقها سالكةً إلى أوروبا.

وليس بعيداً عن السعودية والدول الخليجية المجاورة لها، فإنّ عوامل عدّة تدخل في حسابات التفاضل والتكامل لدى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ومنها ريبته في أن تقود الولايات المتحدة هذه الضربة ضدّ «داعش»، بينما ينحصر هدف تركيا في إقصاء نفسها عن الاضطراب الذي قد ينتج. كذلك فإن ملف الأزمة الكردية يتطلّب من تركيا أن تكون حذرةً للغاية من استراتيجية الولايات المتحدة.

أمّا الرئيس السوري بشار الأسد، فيراقب باهتمام شديد حيثيات الضربة الجوّية ضدّ «داعش» في بلاده. بينما يرى مراسل «إندبندنت» البريطانية في الشرق الأوسط روبرت فيسك، احتمال فوز الأسد في النهاية.

وفقاً لصحيفة «وول ستريت» الأميركية، عقد أوباما صفقة مع السعوديين. وأًضفيت الشرعية على هجماته المتوقعة على تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش» في سورية، وكذلك «جبهة النصرة»، وسيدعمونه لاحقاً في الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

يعود الآن الأمير السعودي بندر بن سلطان إلى الواجهة، وهو الذي غذّى الحركات «الجهادية» التي أطاحت به لاحقاً. المحرّرون المحافظون في «ذي إيكونوميست» أوضحوا أنّ الولايات المتحدة تحقّق نصراً مذهلاً في هذا المجال، وها هي قد غرقت في أتون الحرب من جديد.

لكن يُفترض أن يأتي الجزء المتعلق بأوباما لاحقاً. سيستغرق تدريب «المعتدلين» في السعودية فترة زمنية لا تقلّ عن السنة، وهو يشترط القيام بذلك كي يفي بوعوده. لكن من الذي يستطيع التكهّن بما يمكن حدوثه خلال هذه الفترة؟

الإلحاح على توقيع مثل هذه الصفقة مع السعوديين قد يكون نتيجة لحاجة البعض إلى ضرورة مهاجمة مراكز «القاعدة» و«النصرة» في سورية. وقد تكون أيضاً بسبب انخفاض نسبة مؤيّدي أوباما بحسب وسائل الاستطلاع، وحاجته إلى الحفاظ على مجلس الشيوخ في أيدي الديمقراطيين بعد انتخابات تشرين الثاني. يبدو أن السبب الثاني الأكثر عقلانية.

ولتبرير ضرب هؤلاء القياديين، كان لا بدّ من التمييز بينهم وبين «الجهاديين المعتدلين» ـ تنظيم «جبهة النصرة» الذين يتعاون معهم الأميركيون في قضايا أخرى. اختُرعت جماعة «خراسان»، وأُطلقت حملة «FUD» لتبرير وجودها وFUD مؤسسة تُعنى بالتسويق الاستراتيجي السياسي، وترمز إلى الخوف، عدم اليقين والشك . وفقط بعد إحباط الغارات الجوية الأميركية على سورية محاولة هجوم وشيك على الغرب، يستطيع الإعلام الأميركي الإفصاح عن التالي.

وقال عدد من مساعدي أوباما إنّ الضربات الجوية على قواعد خراسان هدفت إلى إحباط هجوم وشيك كان يعدّ ضدّ المصالح الغربية، وقد يكون بوساطة متفجرات في الطائرات. بينما يؤكد مسؤولون أميركيون أن مثل هذه المؤامرة بعيدة عن الواقع، وليس هناك من دليل إلى الآن على وضع خراسان توقيت وزمن لبدء هجماتها أو على الأقلّ أسلوب دقيق لتنفيذ المؤامرة.

بعض التكهنات: «إن جبهة النصرة هي مسمّى آخر لتنظيم القاعدة. يقودها مقاتلون قدامي قدموا إلى سورية من أفغانستان وباكستان مع بدء الأزمة. قامت الولايات المتحدة بإطلاق تسمية «خراسان» عليهم بهدف القضاء عليهم، واستبدالهم بنسخة جديدة من الرجال المحليين المحبوبين المنتشرين في الجنوب السوري والمستعدّين للتعاون مع الولايات المتحدة.

اللعبة أصبحت كاملة مع القيّمين على الحرب الحالية الدائرة في سورية والعراق والتي تزداد تعقيداً. قد لا نفاجأ لو رأينا أوباما يقلب الطاولة على هذه القضية برمتها. فبعد انتخابات تشرين الثاني، من غير المستبعد أن يقول أوباما كفى، مخلّفاً كلّ هذه الفوضى خلفه».

قراءة في الصفقة السرّية مع السعودية

كتب تايلور ديردن:

بالنسبة إلى الكثيرين من السوريين الذين اعتبروا أن الضربة الجوّية الأميركية على سورية تهدف إلى الإطاحة برئيسهم بشار الأسد، والتي أُوقفت في اللحظة الأخيرة بسبب الضغط الروسي، وإمكانية انفجار حرب شاملة في البحر المتوسط بين الجيوش الأميركية والروسية. فإن دعوة السعودية وليس الولايات المتحدة- في أغسطس 2013 إلى ذلك، يعتبر اختراقاً لسيادة الأراضي السورية، أو كما قد يسميها البعض اجتياحاً او حتى حرباً. فالأمير بندر بن سلطان هو المحرّك الرئيسي للحرب على سورية. وهو الذي سُمح له بالرحيل بعد انتخابات 2013، غير أن استبداله بقائد سوري أكثر مرونة، باء بالفشل. ومع هذا، فإن الطموحات السعودية في سورية بقيت هي هي. وقد عبّرت عن ذلك صحيفة «وول ستريت جورنال» في مقال يعكس الأساليب المستترة التي سلكتها الولايات المتحدة للحصول من السعودية على الضوء الأخضر لمحاربة «داعش»، أو بالأحرى أجزاء من سورية والعراق. وليس مفاجئاً أن يرتاح الأسد كونه يشهد على هذه الصفقة بين السعودية والولايات المتحدة التي استغرقت شهوراً من العمل خلف الكواليس مع القادة العرب للتنسيق على توجيه ضربة إلى «داعش»، لكن من دون تحديد كيف وأين. وهذا ما منح السعوديين القوة للمفاوضات مع الولايات المتحدة لتعزيز تدريب «المتمرّدين» الذين يقاتلون الأسد، الذين ترى السعودية أن إزاحته تقع ضمن سلّم أولوياتهم.

وبعبارة أخرى، فإن جون كيري قدِم إلى المنطقة ووعد بالقيام بكلّ ما يلزم، وبإيجاد الحلول المفقودة، بما فيها تقديم سورية على طبق من فضة متجنباً التعرّض لإهانة أخرى.

اجتماع نيويورك

عندما قابل كيري الملك السعودي عبد الله في 11 أيلول، لم يكن يعلم ما الذي يتحضر السعوديون له. فهم كانوا قد أبلغوا نظراءهم الأميركيين قبل الزيارة إمكانية المشاركة في الضربة العسكرية، لكن حتى لو كانوا مصدّقين احتمال قيام الضربة هذه، فإن دبلوماسييهم لم يقتنعوا لمرّة إلى المدى الذي يمكن لأوباما أن يذهب اليه.

لكن الثمن الذي تريده السعودية مقابل تحالفها مع الولايات المتحدة لضرب «داعش»، يتمثل في إسقاط نظام بشار الأسد. لماذا؟ لأنه حينذاك فقط يمكن لأنابيب الغاز القطرية أن تجد طريقها سالكةً إلى أوروبا. ويصادف أن هذه هي أيضاً نوايا الأميركيين، فهل هناك من وسيلة أفضل لمعاقبة بوتين على أفعاله الحالية من سحق السبل الرئيسية التي تجعل من الكرملين مستفيداً أساسياً في أنحاء أوروبا؟

نعود الآن إلى السعوديين وكيفية إتمام صفقة قصف سورية:

عقد الأميركيون الكثير من الأمال على لقاء 11 أيلول مع الملك السعودي في قصره الصيفي على البحر الأحمر.

فمنذ سنة مضت، كان الملك السعودي غاضباً من الرئيس أوباما لإحجامه عن توجيه الضربات ضدّ نظام الرئيس السوري بشار الأسد. بينما تحتاج الولايات المتحدة الآن إلى موافقة الملك على القيام بمهمة أخرى في سورية، ألا وهي ضرب الجماعات الإسلامية المتطرّفة التابعة لـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، علماً أنّ الأمل كان ضعيفاً للقيام بذلك من دون التلطي خلف الواجهة العربية. وقد طلب كيري في القصر المساعدة في توجيه هذه الضربة التي وعد الملك بـ«تأمين الدعم والحماية لها». لكن فقط عند تقديم ضمانات على حتمية سقوط نظام الأسد، ولتحقيق ذلك، يُفترض أن يساندهم أوباما قوي: لكن حتى مع وجود هذه الضمانات، فقد قرّرت السعودية والإمارات المتحدة اتباع استراتيجية تجعل من الصعب على أوباما تغيير وعوده «فمهما يطلبون، سيجيب بنعم». فالهدف هو عدم إعطائهم أيّ فرصة للتلكؤ أو حتى الانسحاب.

قُصر النظر السعودي

للمشاركة العربية في توجيه هذه الضربات رمزية عميقة، أبعد من قيمتها العسكرية. فالقيادة هي للأميركيين كذلك إسقاط الصواريخ. لكن إظهار الدعم من دولة سنيّة محوريّة، ضدّ قوة عسكرية سنيّة أخرى، جعل أوباما يشعر بالارتياح وفقاً للمسؤولين الأميركيين، بعد أن ربح قيادة حملة كان قد رفضه مسبقاً.

وللتأكد من ذلك، فبعدما امتنع الرئيس أوباما عن قصف الأسد مباشرة، يعتبر الآن أنها مسألة وقت فقط: «كيف يمكن لتحالف يعتمد على متناقضات في القضايا الأساسية أن يبصر النور. فالقادة السعوديون والمعارضة السورية المعتدلة يراهنون على أن هذه الضربات ستُوجه إلى نظام الأسد إضافة إلى تنظيم الدولة الإسلامية. بينما تقول الإدارة الأميركية انها لا تنوي قصف قوات الأسد»… أقلّه إلى الآن.

لكن لمَ تلحّ السعودية على إقصاء الأسد؟ هاكم تحليل «وول ستريت جورنال»: «بالنسبة إلى السعوديين، أصبحت سورية جبهةً أساسية وحاسمة في معركة النفوذ الإقليمي مع إيران، حليف الأسد. ويقول دبلوماسيون عرب أن الملك السعودي قرّر استخدام كلّ السبل المتاحة لإسقاط الأسد.

في الأسبوع الأخير من شهر آب، طارت قوة عسكرية من الجيش الأميركي، ووفد من الخارجية الأميركية إلى الرياض، لتحقيق مطلب سعودي طال انتظاره يقضي بوضع أسس برنامج تدريبي عسكري يؤهل المعارضة السورية المعتدلة للقتال ضدّ نظام الأسد وداعش. أراد الفريق الأميركي استخدام مرافق التدريب السعودية، تمّت الموافقة على طلبهم بعد تشاور مع الوزراء مع ملكهم. وذهب الخبير إلى الكابيتول هيل للضغط على المشرّعين هناك للموافقة على تشريع قانون يجيز التدريب».

ومرّة أخرى، فإن الإدارة الأميركية خططت لمشاركة السعودية في الهجوم على دولة سيادية أخرى:

وقبل ساعات من بدء الحملة العسكرية، عقد المسؤولون الأميركيون مؤتمراً لمناقشة التحضيرات الأخيرة. وفيه برزت إلى العلن الأسئلة الأخيرة حول إمكانية اشتراك قطر في كل هذا، وحول احتمال إعلان الدول المشاركة عن مشاركتها.

كان السيد كيري يجتمع في نيويورك في فندق وولدورف أستوريا في جناح في الطابق الرابع والثلاثين، مع قادة الأمم المتحدة، ودعا حلفاءه الخليجيين ليؤكد على أنهم أصبحوا جاهزين. وأجابوه بنعم.

كان الدور الأقوى لدولة الإمارات العربية المتحدة والتي يُطلق عليها اسم إسبارطة الصغيرة، نظراً إلى جيشها الضخم والقوي. من طيّاري هذه الدولة إمرأة. اثنان من طياري F-15 هم من الأسرة السعودية المالكة، وأحدهم هو الأمير خالد بن سلمان، وهو إبن الأمير المتوّج. كما أنّ أكثر من نصف الطائرات الحربية التي ستشارك في توجيه الضربة هي من العالم العربي.

الأخبار الجيدة التي ينتظرها أوباما، هي تحالفه مع السعودية للحصول على تعاطف الرأي العام والإعلامي معه لتوجيه الضربة إلى سورية ، وهو ما كان من الصعب تبريره في صيف 2013.

لكن من يقول أن ما نتخبط به الآن ليس سوى مرحلة مؤقتة كغيرها من المراحل التي سبقت؟

التحليل التالي قد يوضح هذه الشكوك:

وجود الأمير بندر بن سلطان في اجتماع 11 أيلول إشارة أراد الملك إرسالها إلى المسؤولين الأميركيين للتأكيد على أن بندر لا يزال جاسوس الملك والمحرّك الرئيس في لعبة السياسة الأميركية في سورية والعراق، وهو الذي فشل في تحريك الضربة ضدّ نظام الأسد عام 2013 وهو ـ كما أشرنا أعلاه ـ كان قد أُقصي من الواجهة لفترة مضت، يبدو أنه أعيد إلى مسرح اللعبة السورية حالياً، إنما بشكل غير رسمي، في الوقت الذي طُوّق فيه أوباما بإحكام.

ضرب «داعش»… بين المشاركة والمراقبة من بعيد

بدء الضربات الجوّيّة التي تقودها الولايات المتحدة ضدّ أهداف «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في سورية، يؤشّر إلى تغيّرات جيوبوليتيكية عدّة في المنطقة. وسيكون لهذه الضربات آثار ضخمة، خصوصاً إذا ما شاركت فيها دول الخليج العربي: السعودية، الإمارات، قطر والبحرين، فضلاً عن الأردن. وكذلك تركيا، إذا ما اختارت المشاركة.

إن تدخّل دول الخليج ـ الهامشي ـ سيُريح الولايات المتحدة من إمكانية اتهامها بشنّ «حرب صليبية» جديدة. وما يهمّ الآن، نظرة المسلمين العراقيين السنّة إلى تدخل عسكري جديد في بلد مسلم. فإدارة أوباما تمتلك ما يكفي من الدهاء كي «تُعلم» الحكومة السورية مسبقاً بموقفها المتناغم مع دمشق لناحية دعم الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. ومع ذلك، فإن واشنطن ترفض التنسيق مع دمشق. فلا يمكن استبعاد بعض التناغم الحاصل بين الولايات و سورية على رغم أنه سابقٌ لأوانه القول أين ستؤول إليه الأمور. يُفترض أن يأتي رفض فرنسا الانضمام إلى معسكر القصف الجوّي في إطار انتظار تحقيق التقارب بين واشنطن ودمشق. فلفرنسا، بطبيعة الحال، اهتمام تاريخي ونفوذ خاص في سورية.

لطالما اعتبر بشار الأسد أن فرنسا بلده الثاني. وهو يراقب باهتمام شديد حيثيات الضربة الجوّية ضدّ «داعش» في سورية. وفي الواقع، فإن مراسل صحيفة «إندبندنت» في الشرق الأوسط المخضرم روبرت فيسك يرى احتمال فوز الأسد في النهاية.

هناك شعور واضح من القلق يسيطر على جميع الأطراف، ومع ذلك، فإن قرار الولايات المتحدة تنفيذ ضربات عسكرية في سورية يقع في منطقة رمادية بالنسبة إلى القانون الدولي. هذا صحيح، فقد سبق لواشنطن أن أثارت موجة من الشرعية حول قرارها في مثل هذه اللحظات العصيبة، مرّةً في باكستان وأخرى في اليمن.

غير أن الأهمية في الموضوع تكمن في كون الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قد تصرّف بردّة فعلٍ عكسيّة: «بما أنني القيّم على مبادئ الأمم المتحدة، أودّ التشديد على أن مختلف التدابير يجب أن تتماشى تماماً مع ميثاق الأمم المتحدة، والحاجة إلى العمل بصرامة وفقاً للقانون الإنساني الدولي… كما يجب أن تتقيّد الأطراف كافة في هذه الحملة بالقانون الإنساني الدولي وأن تُتّخذ الاحتياطات اللازمة كلّها للتقليل من الخسائر في صفوف المدنيين».

يجعل خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله، من السعودية خطّ مواجهة، وقد يستهدف «داعش» المملكة السعودية، إذ من المتوقع أن يكون موسم الحجّ متوتراً لهذه السنة مع تدفق الأعداد الكبيرة من الحجّاج المتحمّسين. فإلى أيّ مدى يمكن للسعودية أن تأمل في الهروب من هذه المواجهة الحتمية؟

إيران… وذوبان الجليد

لكن هناك عثرات كثيرة قد تعرقل مسار الأحداث المتوقعة. فقد نأت إيران بنفسها عن التدخّل في الضربات العسكرية الأميركية، وستستخدم الدعاية الإعلامية لتبرير موقفها، خصوصاً في ظلّ علاقتها المخيّبة مع السعودية. وفي حين تستمرّ إيران في انتقاد الولايات المتحدة، إلّا أنها تكفّ عن اتخاذ حركات مضادّة، وقد حذّر حزب الله أيضاً من تداعيات هذه الضربة الجوّية الأميركية على سورية.

واشنطن وطهران تلعبان لعبةً حساسةً للغاية، وقد بدا ذلك واضحاً خلال الاجتماع الأخير الذي عُقد في نيويورك والذي تم التفاوض فيه على كيفية التخلّص من تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام». فطهران تأمل في أن ينعكس تعاونها مع واشنطن في شأن «داعش» إيجابياً حول مفاوضات ملفها النووي. بينما تنكر واشنطن أيّ ارتباط بين المسألتين، لكنها لن ترفض أيّ وسيلة يمكن أن تقدمها طهران في شأن الأزمة في العراق وسورية… يؤكد المنطق أن الجميع يحاولون الاستفادة من التطوّرات التي تحدث. فطهران لن تخسر بسهولة. ومن المثير للاهتمام أن وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل قد اجتمع بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف ـ للمرة الأولى ـ وذلك في نيويورك.

أكد فيصل على ضرورة تجاوز البلدين أخطاء الماضي والتركيز على تدمير «داعش». ووافق ظريف على هذه المسألة معتبراً أنه من الضروري التأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات بين إيران والمملكة السعودية.

هل من الممكن أن يكون ذوبان الجليد حقيقياً هذه المرة؟ أحد العوامل الرئيسية التي تؤكد على ذلك، أنّ الولايات المتحدة تسعى ـ وفي المنعطف السياسي الإقليمي الأخير لها ـ إلى تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران. ومع ذلك، فإن السعودية تريد أن تتأكد من نوايا إيران لجهة عدم تدخلها في شؤون دول الخليج العربي. وستكون التحوّلات في سورية هي الاختبار الفيصل في كل هذا.

تركيا… و«هاملت»

لكن تبقى تركيا هي الحلقة المفقودة على رقعة الشطرنج الإقليمية.

فأنقرة لن تشارك في الضربات العسكرية الأميركية، على رغم أنها أمّنت الإفراج عن 49 رهينة كانوا محتجزين لدى «داعش»، ولديها الآن مطلق الحرية في التصرف. وقد لمّح الإعلام الغربي إلى إمكانية أن تكون الاستخبارات التركية قد عقدت صفقة سرّيّة مع «داعش» في مقابل إطلاق سراح رهائنها والذين كان من بينهم نساء وأطفال إضافة إلى القنصل التركي في الموصل ، وذلك استناداً إلى اتفاق ضمني يهدف إلى تجنب الانخراط في أيّ مواجهة مستقبلية بين الطرفين.

لكن، وكما أشرتُ في مقالات سابقة، فإن عوامل عدّة تدخل في حسابات التفاضل والتكامل لدى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ومنها ريبته في أن تقود الولايات المتحدة هذه الضربة ضدّ «داعش»، وأن تعمل على تنفيذها في نهاية المطاف، ما سيجلب الكثير من الدمار على المنطقة، بينما ينحصر هدف تركيا في إقصاء نفسها عن الاضطراب الذي قد ينتج. كذلك فإن ملف الأزمة الكردية يتطلّب من تركيا أن تكون حذرةً للغاية من استراتيجية الولايات المتحدة.

وفي النهاية، فإن تعاطي تركيا السلبي والذي يقضي بـ«عدم التعاون» سيضرّ بفعالية استراتيجية الولايات المتحدة ضدّ «داعش».

لتركيا دورٌ لا يمكن أن يُعوّض ـ فهي كـ«هاملت» من دون ملك الدنمارك.

المصدر:

موقع «Moon Of Alabama» الإلكتروني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى