«النصرة» و«داعش»… والمصالحة عبر واشنطن!

عامر نعيم الياس

ركّزت الصحافة الغربية على كلمة «زعيم جبهة النصرة» معتبرةً إياها تحوّلاً في موقف المجموعة «الجهادية» من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، كون المجموعة كانت براغماتية في التعامل مع الوسطاء الغربيين، والدليل على ذلك ما حصل مع قوات حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة في الجولان السوري المحتل، فضلاً عن أنّ الخطاب الإعلامي الغربي الموجّه للحرب على سورية كان دائماً يصنّف «جبهة النصرة» في إطار المجموعات التي تحارب «إرهاب» داعش المنفلت من التوجيه الغربي.

وهنا يحضر التعبير المستخدم في توصيف عمليات «النصرة» في سورية والذي يتبنّاه الإعلام الخليجي وما يعرف بـ«المرصد السوري المعارض»، «النصرة والفصائل المقاتلة» ليبرّر تشريع نشاط المجموعة المتطرّفة على الأراضي السورية من ناحية، والاستفادة من قوة «النصرة» في مواجهة «داعش» من جهة أخرى.

تبنى الجولاني في خطابه على «يوتيوب» مفردات مطابقة لمفردات خصمه «داعش»، إذ وصف التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بـ«محور الشرّ»، وأن ما يجري «حرب ضدّ الإسلام» مهدّداً بـ«اجتياح» الدول الغربية، ومضيفاً: «يا شعب أميركا، لن يقف المسلمون وهم يشاهدون أطفالهم يُقصفون ويُقتلون في حين أنتم آمنون في بيوتكم».

«نيويورك تايمز» الأميركية وضعت الخطاب في خانة «التحوّل في منهج المجموعة التي كان تركيزها فقط على الإطاحة بالرئيس بشار الأسد وقتال حليفه حزب الله»، فهل نجحت الإدارة الأميركية في ما فشلت فيه «القاعدة»؟

صحيفة «غارديان» البريطانية أكّدت بالتوازي مع التصريحات الصادرة عن الجولاني أنّ «اجتماعات عقدت بين قادة جبهة النصرة وتنظيم داعش من أجل التوصّل إلى تسوية بين الطرفين»، فيما أوردت «تلغراف» البريطانية أن خطوات تقارب حصلت فعلاً بين «النصرة» و«داعش»، وتجلّت بـ«تبادل السجناء بين الطرفين في دير الزور»، وذلك في تأكيد على وجود تحوّل في علاقة الخصمين اللدودين في سورية، على رغم أنّ الجولاني هاجم تنظيم «داعش» في كلمته، متّهماً إياه باستجلاب التدخّل الأميركي في سورية والعراق. ويمكن إرجاع احتمال حدوث التقارب إلى التالي:

– العدو المشترك، يفرض العمل في جبهة مشتركة للمواجهة. في هذا السياق تندرج ردود فعل عددٍ من المجموعات المتطرّفة في سورية والتي كانت حليفة للغرب، لكن قاعدتها الشعبية ومقاتليها لا يحتملون مسايرة العدوان الأميركي على «إخوتهم في الدين»، ولعلّ في موقف «حركة حزم» من الغارات الجوّية الأميركية ما يبطل أيّ رهان على اعتدال من نوع ما في سورية. ويؤكد هامش المناورة الدقيق لواشنطن في هذا المجال، والذي يتّجه أكثر فأكثر إلى استعداء التنظيمات المتطرّفة وتوحيدها في جبهة موحّدة.

– الضربات الأميركية على تنظيم «داعش» ساهمت في حدوث انشقاقات في قلب المجموعات الإسلامية الوهابية، ومن بينها «جبهة النصرة»، وهو ما فرض عليها إعادة توجيه بوصلة العداء باتجاه واشنطن والغرب الكافر حفاظاً على تماسكها.

– نموذج القويّ القادر على المواجهة مع «الصليبيين» يعدّ أساس استثارة العصبية الطائفية التي تشكّل أساس هذا الفكر. وبالتالي فإنّ ترك ساحة المواجهة للبغدادي من شأنه أن يساهم أكثر في اضمحلال أدوات تنظيم «القاعدة»، والحل يكون إما بالتخندق في مواجهة مشتركة، أو «السير منفردين والضرب سويّاً» وفقاً لمقولة «الزعيم» الصيني ماو تسي تونغ.

إنّ التجربة الأميركية منذ عام 2001 في أفغانستان تقدّم نموذج تجذّر الإرهاب على ما سواه، وما قصده أوباما بالاستمرار في استراتيجية بلاده «الناجحة في اليمن والصومال» أثناء تقديمه استراتيجيته لمحاربة «داعش»، لا يخرج عن هذا الإطار، وهنا تقول صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية: «تعمل ضربات التحالف على توحيد عدوَّيْ الأمس، وهو أمر فشل به رجال الدين الذين أرسلوا كمبعوثي سلام من القاعدة بهدف التقريب بين الفصيلين الجهاديين الرئيسيين في سورية».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى