قراءة في «إدارة التوحّش» والمعتقد «الداعشيّ» المتهافت ١

جورج كعدي

بين يديّ كتاب «إدارة التوحّش» للمدعوّ «أبو بكر ناجي» ! ، الصادر حديثاً لدى «دار التمرّد» في سورية، وبحسب كلمة الناشر التعريفيّة فإنّ هذا الكتاب المقسّم «مباحث» و«فصولاً» و«مقالات» تبعاً للفهرس تستقي منه التنظيمات السلفيّة الجهاديّة استراتيجيّتها في القتال، خاصة تلك المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وهو مجموعة مقالات كان كتبها «أبو بكر ناجي» الذي بقيت شخصيّته غامضة إلى حدّ بعيد، ما دفع أجهزة أمنيّة عربيّة إلى القول إنّه اسم مستعار لشخص يُعتقد أنّه منسّق الشؤون الأمنيّة والاستخباريّة في تنظيم «القاعدة». أمّا كلمة «التوحّش» فيعني بها «الفقيه» الفذّ حالة الفوضى التي ستدبّ في أوصال دولة ما أو منطقة بعينها إنْ رفعت عنها قبضة السلطات الحاكمة، فهو يعتقد بأنّ تلك الحالة من الفوضى ستكون «متوحّشة» وسيعاني منها السكان المحلّيون، لذا وجب على الجهاديّين الذين سيحلّون مكان السلطات الحاكمة تمهيداً لإقامة الدولة الإسلاميّة المفترضة أن يُحسنوا «إدارة التوحّش» إلى أن تستقرّ الأمور فيها.

قبل الوقوف عند بعض النقاط المثيرة في كتاب «إدارة التوحّش» وانتقاء أمثلة ونماذج من محتواه، غير القيّم بالتأكيد والمتهافت فكريّاً ودينيّاً وإنسانيّاً، لا بدّ من التأكيد على مبدأ «اعرف عدوّك» في هذا السياق، إذ ينبغي عدم الاستخفاف بأيّ معتقد وُضعت له «أسس» أو «توجيهات» أو «فتاوى» أو «إيديولوجيات»، حتى وإنْ ضعيفة أو متهافتة، تعتنقها جماعة أو جماعات تزداد عدداً واستقطاباً بفضل «الدعوة» و«الجهاد» والتبشير بالمعتقد في الأوساط المهيّأة للتأثّر والاقتناع فالالتحاق، لأسباب متفرّقة بعضها مذهبيّ متعصّب وغريزيّ، أو اجتماعيّ ناقم، أو اقتصاديّ محكوم بالعوز، أو ثقافيّ عنوانه الجهل، أو سياسيّ، أو استخباريّ، إلخ. أيّاً تكن الدوافع والأسباب، هذا المعتقد الذي وُضع له إطار «شرعي» أو «فقهيّ» مكتوب، يلقى صدى وقبولاً وتأييداً في مجتمعات إسلاميّة عديدة، شرقاً وغرباً، ما يُقلق العالم بأسره اليوم في ظلّ تنامي قوّة الإسلام السياسيّ المتطرّف الذي يلقى هوى في قلوب بعض الشباب المسلم المنتشر في أصقاع الأرض، وهذا يفرض التعامل بجديّة مع الظاهرة و«الفكر» الذي يحرّكها، وليس الاستهانة أو التخفيف من الخطر أو التغاضي عنه.

استوقفتني في قراءة أوّلية سريعة يجدر أن تعقبها قراءة أكثر تدقيقاً، بعض النقاط المهمّة والمثيرة في هذا الكتاب، وأوجزها كالآتي:

– ثمّة عداءٌ بيّنٌ لـ«الإخوان المسلمين»، إذ ينظر «أبو بكر ناجي» إلى مشروعهم بكونه مشروعاً «علمانيّاً» ! ، يقول حرفيّاً ص 8 و9 : « … أمّا تيّار الإخوان فهم يطرحون مشروعهم على الورق نظريّاً لينفّذوا من خلال مشروعهم البدعي، أو قل مشروعهم العلمانيّ، ويمرّروا مشروعهم العفن على القواعد التحتيّة من الشباب من خلال المنهج النظريّ المكتوب والشعارات البرّاقة، حتى إنهم لا مانع عندهم من رفع شعار «الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا…!» أو «حركة سلفيّة!! ولا مانع من حقيقة صوفيّة أيضاً كما يصرّحون» … ».

إذن، ثمّة فراق وافتراق عقيديّ، دينيّ، فقهيّ، يبلغ حدّ التكفير بتهمة «العلمانيّة» الخطيرة بين «القاعدة» و«داعش» من جهة و«الإخوان» من جهة ثانية.

– في مطلع الفصل الرابع ص 83 يقول «المنظّر» السلفيّ «الكبير»: «الذين يتعلّمون الجهاد النظريّ أي يتعلّمون الجهاد على الورق فقط، لن يستوعبوا هذه النقطة جيداً. للأسف، الشباب في أمّتنا منذ زمن قد جُرّد من السلاح ولم يعد يعرف طبيعة الحروب، ومَن مارس الجهاد من قبل علم أنّ الجهاد ما هو إلا شدّة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان ـ أتحدث عن الجهاد والقتال لا عن الإسلام فلا تخلط – وأنّه لا يمكن أن يستمرّ القتال وينتقل من مرحلة إلى أخرى إلاّ إذا كانت مرحلة البداية فيه مرحلة اتخاذ في العدوّ وتشريد به، بل يحتاج لهذه الشدّة في المراحل الأخرى في كثير من الأحيان، ولا يمكن أن يستمرّ جهاد في ظلّ الرخاوة، سواء الرخاوة في أسلوب الدعوة إليه أو الرخاوة في اتخاذ المواقف أو في أسلوب العمليّات، حيث أن عنصر الرخاوة أحد عناصر الفشل لأي عمل جهاديّ، وأنّ مَنْ عندهم نيّة البدء في عمل جهاديّ وكانت عندهم تلك الرخاوة فمن الأفضل أن يجلسوا في بيوتهم، وإلا فالفشل سيكون مصيرهم وسيلاقون من بعده الأهوال … ».

يلفتنا هنا بقوّة التبنّي الحرفيّ لتعبير «الإرهاب»، فضلاً عن تعابير «الشدّة» و«الغلظة» و«الإثخان» و«التشريد»، وحضّ الشباب المجاهد على عدم «الرخاوة»، وفي ذلك كلّه دعوة جليّة إلى اعتماد العنف في الجهاد والقتال، مع محاولة تمييزه وعزله عن الإسلام تناقض مثير يدلّ على وعي ما بأنّ الإسلام كدين وشريعة مسألة، والجهاد وعنفه مسألة أخرى غير متصلة بالدين أو هو لا يغطّيها شرعاً ، وهذا يصلح لمناقشة مستقلّة ومستفيضة.

– نقطة أخيرة إضافيّة يفرضها ضيق المجال في هذه الحلقة الأولى من القراءة لعلّها تحاكي اللحظة الراهنة بامتياز وتكشف استراتيجية الردّ التي سيعتمدها تنظيم «داعش» في وجه «التحالف» الذي يقصف اليوم مواقعه، وأكتفي بهذا المقطع من الكتاب ص 88 – 89 من دون تعليق: «أما في مرحلة «إدارة التوحّش» فسنواجه مشكلة غارات العدوّ – الصليبيّ أو المرتدّ – الجويّة على معسكرات تدريب أو مناطق سكنيّة في حيّز المناطق التي نديرها، ومع وضع تحصينات دفاعيّة وخنادق لمواجهة تلك المشكلة، إلاّ أنه ينبغي كذلك أن نتبع سياسة دفع الثمن في مواجهة إجرام العدوّ، وسياسة دفع الثمن في هذه الحالة تحقّق ردعاً للعدوّ وتجعله يفكر ألف مرة قبل مهاجمة المناطق المدارة بنظام إدارة التوحّش، لعلمه بأنّه سيدفع ثمن ذلك ولو بعد حين، فيجنح العدوّ إلى الموادعة التي تمكّن مناطق التوحّش التقاط الأنفاس والترقي – الموادعة التي تعني التوقف الموقّت عن القتال بدون أيّ نوع من الاتفاقيات والالتزامات، فنحن لا نعقد هدنة مع العدوّ المرتدّ، وإن كان يمكن أن يتمّ ذلك مع الكافر الأصليّ … ». يتبع .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى