عين العرب على تركيا وعين أردوغان على الأكراد…
د. عصام نعمان
عيون السوريين عرباً وكرداً، تتركّز هذه الأيام على مدينة «عين العرب» كوباني الكردية في شمال سورية. مقاتلو «داعش» اخترقوا دفاعاتها، وأهاليها يستميتون في الدفاع عنها. اجتياحها ليس ضربة مؤلمة لسورية العربية فحسب، بل للشعب الكردي في كلّ مكان أيضاً. حزب العمال الكردستاني أعلن النفير العام مستنفراً الأكراد في تركيا وسورية والعراق لنصرة «عين العرب» وإنقاذها. زعيمه عبد الله أوجلان أكد في بيان من سجنه في جزيرة ايمرالي «أنه إذا نجحت محاولات تنظيم داعش في الاستيلاء على المدينة وارتكاب مجزرة فيها فإنّ ذلك يعني انتهاء محادثات السلام مع تركيا».
إذا كانت عيون السوريين والأكراد مركّزة على عين العرب فإنّ عين رجب طيب أردوغان مركّزة على سورية، ولا سيما على أكرادها في شمالها الشرقي المتعاطفين مع أكراد ديار بكر في جنوب شرقي تركيا. أردوغان لم يخفِ يوماً عداءه لبشار الأسد ورغبته في إزاحته، السبب؟ لأنّ الرئيس التركي «إخواني» متعاطف مع «الإخوان المسلمين» السوريين، أنصاره المفترضون في تحقيق حلمه العثماني، ولأنّ أكراد سورية يناصرون النظام في وجه المعارضة السورية المسلّحة التي فتح لها أردوغان حدود بلاده لدعمها بالرجال والسلاح والعتاد.
مع صعود تنظيم «داعش» وإعلانه «دولة الخلافة الإسلامية» بين نهري دجلة والفرات، وقيام الولايات المتحدة بحشد حلفائها في «تحالف دولي» لمواجهة «الإرهاب»، أدرك أردوغان أنّ واشنطن جادّة في إعادة رسم الخريطة السياسية للمشرق العربي، وأنّ الفرصة حانت ليشارك فيها بغية إنهاء المشكلة الكردية في بلاده على حساب سورية والعراق.
رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كاليتشدار أدرك باكراً أغراض غريمه أردوغان. فرفض تأييد «مذكرة الحرب» بشأن تفويض الجيش التركي دخول أراضي دولٍ أجنبية. قال إنّ هذا التفويض يُراد من ورائه النظام السوري، وأن لا منطق في إدخال جنودنا إلى أراضي دول في الشرق الأوسط التي نعرف سلفاً أنها مستنقع.
«داعش» لم يعبأ بإجازة البرلمان التركي دخول جيش أردوغان إلى سورية، ربما لأنه متأكد من أنه لن يتدخل ضدّه. لو كان يخشى فعلاً من تدخل تركيا ضدّه لما هاجم «عين العرب». حتى لو تدخّل الجيش التركي فإنّ ذلك سيكون بالتنسيق معه. لماذا؟ لأنّ لتركيا كما لـِ«داعش» عدواً مشتركاً هو «وحدات حماية الشعب الكردي»، حليفة النظام السوري في مقاومة المعارضة المسلحة بمعتدليها ومتطرفيها، أو ربما من أجل تبرير إقامة المنطقة العازلة التي يريدها.
ثمة تواطؤ إذاً، بين أنقرة و«داعش»، تواطؤهما يشمل، على ما يبدو، الولايات المتحدة أيضاً. ذلك أنّ غاراتها الجوية على قوات «داعش» المدرّعة التي تهاجم «عين العرب» غير مؤثرة البتة. ناطق باسم أكراد المدينة المدافعين عنها وصفها بأنها «غارات استعراضية». من الواضح أنّ واشنطن ليست ضدّ أنقرة في تعاطيها السلبي، وأحياناً الوحشي، مع أكراد تركيا. هي فقط ضدّ المسّ بأكراد كردستان العراق إذ لها استثمارات ومصالح كبرى. ألم تبقَ ساكنة طوال ثلاث سنوات من الحرب في سورية وعليها، حتى بعد سقوط الموصل في أيدي مقاتلي «داعش»، ولم تتحرك إلّا بعد أن توجّه هؤلاء نحو أربيل، عاصمة كردستان العراق؟
استهداف سورية يبدأ بمحاولة اقتطاع منطقة عازلة في شمالها الشرقي بغية ضرب أكرادها ومنعهم من إقامة حكم ذاتي في محافظة الحسكة مخافةَ أن تنتقل عدواه إلى منطقة ديار بكر التركية المجاورة. خطوة كهذه خطيرة وغير مأمونة العواقب:
– سورية ستعتبرها عدواناً ومسّاً بسيادتها وقد تردّ بعنف.
– إيران ستعتبرها عدواناً أيضاً وقد تردّ في العراق أو على الحدود الشرقية لتركيا.
– روسيا سترفضها بالتأكيد وقد تبادر إى إعلان تزويد سورية بأسلحة متطوّرة للدفاع الجوي من طراز 300-S قادرة على إسقاط أكثر الطائرات الأميركية تطوراً التي تملكها تركيا و»إسرائيل».
الى ذلك، سيُضطر أكراد العراق، إزاء انفجار الأزمة الكردية مجدداً داخل تركيا، إلى دعم أخوتهم الأكراد في تركيا وسورية. موقفهم المنتظر هذا يقرّبهم من عرب العراق ما يؤدّي إلى ابتعاد حكومة بغداد من الولايات المتحدة والتقرّب من روسيا.
أكثر من ذلك، إنّ تدخل أردوغان «الإخواني» في سورية سيستفزّ مصر السيسي المعادية لـ«الإخوان المسلمين»، وقد تجرّ معها السعودية ودولاً أخرى في الخليج إلى مواقف سلبية من تركيا.
باختصار، الولايات المتحدة ستكون محرجة بالتأكيد إذا ما ركب أردوغان رأسه وقام بتحركات مؤذية لسورية مباشرةً ولإيران وروسيا مداورةً. لذلك ستحسب واشنطن خطواتها بدقة متناهية لأنّ من شأن أي «دعسة ناقصة» أن تؤجّج حرباً باردة قابلة للتسخين مع روسيا وإيران، وقد تؤدّي لاحقاً إلى خروج مصر من مدار واشنطن ناهيك عن خروج العراق أيضاً.
ربما لتفادي هذه المضاعفات كشف نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أخيراً مسؤولية تركيا والسعودية والإمارات عن تمويل وتسليح تنظيمات الإرهاب في محاولتها اليائسة لإزاحة الرئيس بشار الأسد.
وزير سابق