حلف أوباما شعاره محاربة الإرهاب ومضمونه دول متورّطة في دعمه… وآخرهم تركيا!
نور الدين الجمال
تتكشف وقائع متزايدة عن حجم الإرباك في حلف أوباما بصورة تعبّر عن حقيقة المأزق الذي تعيشه الولايات المتحدة الأميركية والحكومات المرتبطة بها، والتي اشتركت معها في الحرب على سورية للنيل من الدولة الوطنية السورية من خلال الدعم الذي قدمته إلى جماعات الإرهاب والتكفير. ومن المعلوم أصلاً أن رئيس الاستخبارات الأميركية السابق ديفيد باترايوس كان المشرف الحقيقي على خطة حشد فصائل «القاعدة» ومثيلاتها في سورية من جميع أنحاء العالم، وهو الذي طلب تحديداً تعيين بندر بن سلطان مديراً للاستخبارات السعودية لكي يشارك معه في تصعيد العدوان على سورية بواسطة الإرهاب.
وترى مصادر استخباراتية متابعة لهذا الملف أنه في تلك الهجمة التي أدارتها غرفة عمليات مركزية في تركيا بقيادة باترايوس تشكلت الأرضية الأساسية التي تكونت فيها تنظيمي «داعش» و«النصرة» اللذين خاضا نزاعاً في ما بينهما على شرعية تمثيل «القاعدة» حسمه أيمن الظواهري بتكريس «النصرة» كفرع رسمي لتنظيمه في حين عمل «داعش» على تنمية قدراته في كل من العراق وسورية إلى أن بلغ الدرجة التي يظهر فيها الآن كقوة كبيرة عابرة للحدود تضم آلاف الإرهابيين من جنسيات متعددة.
الحلف الذي يقيمه أوباما تحت شعار محاربة الإرهاب يضم جميع الدول المتورطة في دعم الإرهاب وقد اكتملت صفوف هذه الدول بإعلان انضمام تركيا ومؤخراً ولو بشروط. لكن من الواضح أن الإدارة الأميركية تبدو عاجزة عن إلزام شركائها باتخاذ تدابير جدية لتجفيف منابع الإرهاب وفق ما نص عليه قرار مجلس الأمن الدولي الأخير. وفي الوقت نفسه تنشر مراكز الدراسات الأميركية المزيد من التقارير عن استمرار تدفق الأموال من قطر والسعودية والكويت وتركيا إلى «داعش» و«النصرة» وفصائل إرهابية أخرى في سورية والعراق.
فالوقائع التي عرضها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في محاضرة ألقاها أمام حشد من الأكاديميين والدبلوماسيين الحاليين والسابقين لا تمثل إلا جزءاً من الحقيقة وهي لم تكن زلة لسان كما جاء في بيانات الاعتذار اللاحقة، فتلك البيانات هي ذاتها دليل على مقدار الضعف الذي بلغته الإدارة الأميركية في إدارتها لتحالفاتها كما تبين الحقيقة الكامنة وراء حملة أوباما والمتمثلة بالسعي إلى احتواء الإرهاب لضبطه ضمن الخطة والاستراتيجية الأميركية للهيمنة على المنطقة وليس القضاء عليه كما تزعم الولايات المتحدة، فمن يريد القضاء على «داعش» و«النصرة» وغيرهما من الإرهابيين عليه أن يمتلك الإرادة والحزم الكافيين لمنع تلك الفصائل من تلقي الأموال ولقطع تجارة «داعش» بالنفط السوري والعراقي المنهوب عبر الوسطاء الأتراك ومن خلال صفقات تعقد على الأراضي التركية خلافاً لقرار مجلس الأمن الدولي.
واشنطن تتوهم أنها تستطيع تجميد فعالية الدول المنتقدة والمعارضة لصيغة التحالف الدولي ولمضمون حركته وآداء أطرافه المشبوه والملتبس من خلال امتصاص اعتراضاتها عبر قرارات مجلس الأمن التي لا تزال حبراً على ورق على رغم قوتها القانونية التي قد تحوّل تطبيقها إلى لوائح عقوبات صارمة ضد قطر وتركيا والسعودية وضد شركات أميركية وصهيونية، وكذلك عبر الدخول الأميركي المباشر في اشتباك مستمر ضد روسيا ومع الجبهة التي فتحتها حديثاً في هونغ كونغ ضد الصين، بينما تواصل ابتزاز إيران في مفاوضات الملف النووي، ولكن خبراء العلاقات الدولية يعتبرون أن هذه المناورة الأميركية قصيرة النفس أمام التحديات الداهمة التي تطرحها مجابهة الخطر الإرهابي، والأشهر المقبلة ستثبت قدرة روسيا والصين وإيران على تطوير التحالف في ما بينها وتعزيز شراكة هذه الدول مجتمعة مع كل من سورية والعراق ومصر في مكافحة الإرهاب التفكيري، في حين أن موسكو وبكين وطهران تمسك بالعديد من أوراق القوة على جبهات الاشتباك الثنائي مع واشنطن لإبطال مفعول مناورات إدارة أوباما والتي ستجد نفسها مجبرة على الاعتراف بالتوازن الدولي الجديد مرغمة على الإقرار بنتائج فشلها مع شركائها الدوليين والإقليميين للنيل من الدولة الوطنية السورية التي تمتلك القدرة والقوة الوحيدة اللازمة لإنهاء الإرهاب على الأرض بدلاً من دغدغته جوياً.
التراجع المعلن والواضح عن استهداف الدولة الوطنية السورية ثمن مؤجل الدفع سوف يستحق قريباً على جميع عواصم الحلف الجهنمي الذي أنتج «داعش» و«النصرة» وغيرهما واكتوى العالم بشرورهما لسنوات مقبلة.