من الأبواب الدمشقية… تحية

د. فايز الصايغ

عندما شغلت موقع رئيس تحرير صحيفة «الثورة» السورية اجتهدت كثيراً كي تكون «الثورة» في أكشاك بيع الصحف في بيروت والمدن اللبنانية، وحاولنا الاستعانة بشركات التوزيع اللبنانية عبر مؤسسة توزيع المطبوعات السورية وفشلت، وللفشل أسباب مفهومة وأسباب غير مفهومة في وقت كانت الصحف اللبنانية أو أغلبها تتصدر أكشاك بيع الصحف سواء في دمشق أو في بقية المدن السورية.

أن أتناول الأسبـاب التي قـد تتشعّب وتدخلني فـي متاهــة عناوين ليس زمـان ولا مكان تناولها الآن ومنهـا طبيعــة العلاقات السورية ـ اللبنانية عمومـاً، وتجاذبــات الطيـف السياسي هنـا وهنـاك على وجـه الخصوص، وربما منها أيضاً طبيعـة الخطاب السياسي والإعلامي السوري الموحد، وطبيعة الخطـاب السياسـي والإعلامـي اللبنانـي المتنوّع والمختلـف، ومنها أيضاّ العلاقة بين شركات التوزيـع اللبنانيـة والخاصـة ومؤسسـة توزيــع المطبوعـات الرسميـة الحكومية السورية وتباين المبـادرات بين الخـاص والعام وبين صحيفـة مملوكة لصاحبهـا وقراره الذاتــي وبيـن صحيفــة مملوكــة للـدولــة وقرارهــا الرسمـي.

واستمرت المحاولات واستثمرنا بعض العارفين بلعبة التوزيع، وبذل مراسل «الثورة» في بيروت يوسف الفربج جهوداً مشكورة، ونجحنا في بعض الخطوات وفشلنا في البعض الآخر، ومن المفارقات العجيبة أنّ اسم «الثورة» كان عائقاً عند البعض، ومفهوم الثورة كان المشكلة عند البعض الآخر.

فجأة اغتيل الرئيس رفيق الحريري، ودخل البلدان في الدوامة التي أراد مريدو الفتنة إدخال المنطقة فيها، فيما لا تزال تداعيات هذا الحدث وارتداداته مستمرة حتى الآن…

المهم إنني كصحافي… وكمسؤول آنذاك لم أتمكن من أن أظن لا أنا ولا الصحيفة على القارئ اللبناني الذي نحترم ونقدّر ثقافته وإعلامه وأقلام كتابه ومكانته بين القراء العرب، وتبدّدت المحاولات حتى اللحظة بحيث لا تجد أي صحيفة سورية في واجهات بيع الصحف في الشارع اللبناني.

اليوم وقد فتحت جريدة «البناء» ورئيس تحريرها الأستاذ «ناصر قنديل» الإعلامي المقاوم الصامد والمؤمن بقضية الوطن والانتماء… فتحت نافذة كتابة مقال أسبوعي مع عدد من الكتاب والصحافيين السوريين علّنا نسهم في البناء مع «البناء» في تكريس مفهوم الشرف الإعلامي كميثاق مهني نسعى من خلاله إلى تكريس مفهوم الشرف السياسي والأخلاقي الذي يتساوى مع عراقة وتاريخ الشعب السوري واللبناني معاً اللذين لو أتيح لهما التوحد أو التنسيق أو التعاون أكثر وأعمق لتبدلت مفاهيم وخرائط المنطقة كلها.

شكراً لـ«البناء» على بادرتها الطيبة في هذا الزمن الصعب الذي يهز أركان وقواعد ومبادئ قيم وأحلام شعوب المنطقة، ويدخلها في دوامة الاستهداف الاستعماري الذي يسعى إلى رسم خرائط جديدة على الصعيدين الجغرافي والسياسي وسط تجاذب من التحالفات والمحاور التي تتشكل في المنطقة، وعلى حسابها وحساب حاضر ومستقبل شعوبها بما يخدم المخطط الصهيوني الأميركي الهادف إلى بسط السيطرة على المنطقة وتحقيق طموحات «إسرائيل» بعد الهزائم والنكسات التي منيت بها سواء في لبنان أو في سورية، أم على صعيد استهداف محدّد وقوي لدول ونشطاء محور المقاومة… وكلي أمل أن تكون النافذة اللبنانية إذا ما صحّ التعبير مقدمة لنوافذ وأبواب مشرّعة على المستقبل.

تحية لك أيها القارئ اللبناني من أبواب دمشق السبعة وتحية لك من باب قلبي الثامن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى