مدارات تركيا تخسر بإجماع الأمم المتحدة

هدى رزق

تحاول تركيا اليوم تبرير خسارتها للمقعد الثاني المؤقت في مجلس الأمن لعام 2015-2016، بعد أن سبق لها الفوز بالمقعد نفسه في 2009-2010 في دورة تصويت العام 2008 التي شكلت هدفاً سياسياً لرجب طيب أردوغان أثناء توليه رئاسة الحكومة.

وأتت نتيجة التصويت معاكسة تماماً لتمنيات وزير الخارجية جافوز أوغلو، إذ كان الديبلوماسي التركي يتوقع الفوز والحصول على 140 صوتاً، لكن الفوز بالمقعد الأول كان من نصيب نيوزيلندا، وتنافست كلّ من تركيا وإسبانيا على المقعد الثاني، وأسفرت نتائج التصويت بعد دورات ثلاث عن فوز إسبانيا وحصول تركيا على 60 صوتاً فقط.

وشكلت هذه النتيجة مفاجأة، إنْ لم نقل صدمة، ليس فقط لوزيرالخارجية ولكن أيضاً لموظفي الخارجية ولعدد من الوكالات العامة، لا سيما «وكالة التعاون والتنمية التركية» التي كانت تستفيد من هذا الموقع لبناء مدارس وآبار مياه مفتوحة في بلدان أفريقية، وفي دول فقيرة في آسيا. وأدّت هذه الخدمات الى قيام الخطوط الجوية التركية برحلات الى هذه البلدان من دون النظر الى عامل الربح المادي. واستفادت الحكومة بالطبع من هذا الأمر بالتمدّد سياسياً في أفريقيا، وبعض بلدان آسيا، وساعدها في ذلك وجود مدارس ومؤسسات لجماعة الداعية محمد فتح الله غولن، الذي أثر بشكل أو بآخر في تأييد الأفارقة للحكومة التركية في ذلك الوقت، لا سيما أن للجماعة حضوراً قوياً عبر المؤسسات التربوية والتجارية والدعوية الإسلامية.

ولكن بعد الصراع الذي قادته حكومة العدالة والتنمية، والحرب التي يشنها أردوغان على الجماعة، أعرضت هذه الدول عن دعم الحكومة في مسعاها في مجلس الأمن.

لم يكن الترشح خطوة ذكية في هذه المرحلة التي تمرّ بها تركيا، لا سيما أنّ شعبيتها على الصعيد الدولي انخفضت بعد أن كانت في ارتفاع مضطرد قبل الـ2011.

وتبدو الحكومة التركية كأنها لا تراجع سياساتها الداخلية والخارجية وتأثير الأخيرة على صورتها لدى الدول الإقليمية والعالمية. وكانت تتوقع أن تحصل على أصوات بعض دول الشرق الأوسط وبعض الدول الأوروبية والدول الأفريقية الفقيرة. لكن الدول الخليجية باستثناء قطر لم تصوّت لها، وكذلك فعلت مصر بسبب الدعم الذي تقدّمه لـ»الإخوان المسلمين» ولحركة حماس، والتدخل في الشأن المصري، والتنافس الحادّ على الزعامة السنية. كما أنه من الطبيعي أن يؤدّي دعمها المعلن لإسقاط الأسد والتدخل المباشر في الشأن السوري ودعم المعارضة المسلحة ضدّ النظام الى رفض التصويت لها، وكذلك الى إعراض حلفاء سورية عن الأمر.

وأدّى اتخاذ الصحف الغربية موقفاً ناقداً لسياسة الحكومة التركية، إثر دعمها للحركات المتطرفة ولـ»جبهة النصرة»، واتهامها بالوقوف وراء تمدّد «داعش»، الى تبدّل نظرة الرأي العام الغربي تجاه تركيا، فأعرضت بعض الدول الغربية عن التصويت لها. لقد تعهّدت تركيا في الـ2008 بالعمل من أجل السلام في المنطقة والقيام بدور الوسيط في الخلافات والنزاعات، فضلاً عن المساهمة في الحوار بين الأديان.

لكنها اليوم بالكاد تحافط على حسن الجوار مع إيران وعلى علاقات يشوبها الحذر مع السعودية.

ينظر اليوم الى تركيا على أنها السبب في إشعال صراع سني شيعي، عدا عن تردّي الديمقراطية وحقوق الإنسان في الداخل، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة حول حرية التجمع وحرية الصحافة واستقلالية القضاء.

نجحت تركيا في رسم سياسة قاتمة للديمقراطية، وتراجعت الإصلاحات التي من المفترض تطبيقها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، لكن يبدو أنها لم تعد مهتمة بهذا الموضوع ولا تريد لعب دور وازن بين الشرق الأوسط والغرب، بل تحاول الإصرار على لعب ورقة الجغرافية السياسية من أجل دور إقليمي.

لقد انتقد أردوغان مجلس الأمن وأطلق حملة اعتراض على احتكار الدول الخمس لقرارات مجلس الأمن، ما أثار استياء هذه الأخيرة. وعلق وزير الخارجية التركي على الخسارة بالقول «إنّ الدول تحاسب تركيا على سياستها الخارجية المستقلة». لكنه يعلم تماماً أنّ الفشل الدبلوماسي هذا يعكس فشل سياسة أردوغان وأوغلو، الذي سينعكس سلباً على الداخل التركي.

لم يكن ينقص تركيا سوى اشتعال الوضع مع الأكراد في الأسابيع الماضية من جراء معركة «كوباني» – عين العرب، وتهديد محادثات السلام مع الزعيم الكردي التركي «أوجلان»، حيث يشدّد أوغلو اليوم على أنه لو تمّ الإسراع بإنجازها لما تعرّض الداخل للاهتزاز. تبدو الحكومة التركية وكأنها تقف في وجه رياح تغيير تعصف بالمنطقة بعد تقدم «داعش» لفرض خارطة جديدة، لكن الولايات المتحدة لن تسمح لأي قوة إقليمية بقطف ثمارها، بل ستسعى إلى تثبيت سياساتها المرسومة منذ الـ2003.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى