الشاعر القوميّ حنا جاسر… سيرة نضال وإبداع من فلسطين إلى كوردوبا في الأرجنتين

لبيب ناصيف

لم أتمكن من لقائه في زياراتي الى الأرجنتين، فهو مقيم في مدينة كوردوبا وزياراتي اقتصرت على العاصمة بيونس آيرس. إنما سمعت من الرفقاء عنه ما يُفرح: وعياً عقائدياً، ثقافة قومية اجتماعية، شاعرية، مع جرأة وشفافية وجدية في الموقف. وقرأت في كتاب الأديب نعمان حرب 1 عنه فازددت معرفة به وإعجاباً بسيرته الشخصية والحزبية مسجلاً الأسف أن لا الرفيق حنا كتب سيرته كاملة، ولا فرعنا الحزبي في الأرجنتين أمكنه أن يفعل ذلك.

النشأة نقلاً عن كتاب الأستاذ نعمان حرب

ولد الرفيق حنا في 15 أيلول 1925 في قرية «الطيبة» المجاورة للبحر الميت، وفي مدرسة القرية تلقى تعليمه الابتدائي، وكان متفوقاً ومثالاً يحتذى في الذكاء والنشاط. وانتقل منها بعد سنوات الى القدس حيث أتم دراسته الإعدادية والثانوية في كلية «النهضة» وتخرج منها عام 1945 على أيدي مربين كبار منهم الأستاذ العلامة خليل السكاكيني 2 مدير الكلية، وعضو المجمع اللغوي في دمشق وبغداد. وبعد تخرجه عمل مدرّساً في الكلية الوطنية في نابلس، وفي الكلية الأهلية في رام الله.

قرض الشعر وهو في السابعة عشرة من عمره.

عام 1951 غادر الى الأرجنتين مستقرّاً في مدينة Cordoba، وهي المدينة الثانية بعد العاصمة بيونس آيرس.

درس على نفسه اللغة الإسبانية حتى أصبح متمكّناً منها وأخذ يحاضر باللغة الإسبانية عن قضايا بلاده، وينشر المقالات والدراسات عن المسألة الفلسطينية في عدد من الصحف والمجلات في الأرجنتين.

نظم الرفيق حنا شعراً بالاسبانية وتبوأ مركز المستشار الأدبي لمجلة «لاوريل»

الأرجنتينية، وهي المجلة الأدبية الكبرى التي يلتقي على صفحاتها اأم شعراء الإسبانية في أميركا اللاتينية وفي إسبانيا.

زاول الرفيق جاسر التجارة الثابتة بمساعدة عقيلته السيدة نورا خليل ونشط في اتحاد الجمعيات العربية الأرجنتينية الفياراب مترئساً فرعه في كوردوبا. ويُروى أن أهالي كوردوبا فوجئوا في أيار 1981 بمؤتمر صحافي يعقده إسحق رابين وتنقله محطات الإذاعة والتلفزيون ووسائل الإعلام على أوسع نطاق، وكان يتحدث فيه عن منظمة التحرير الفلسطينية ويصفها «بالمنظمة الإرهابية التي بنيت على الاغتيال والقتل والتدمير»، مضيفاً «أن الدول العربية التي خرجت على الرئيس السادات لا تحب السلام». ولم تدم هذه الصورة طويلاً في أذهانهم، اذ شاهدوا حنا جاسر في اليوم التالي يعقد مؤتمراً صحافياً أوسع ويكرس محطات الإذاعة والتلفزيون ووسائل الإعلام للرد على رابين، ويخاطب بالإسبانية الشعب الأرجنتيني، ويفنّد على مدى ساعة من الزمن مزاعم رابين وأضاليله.

إنـتاجـه

أصدر حنا جاسر وطبع عام 1980 ديواناً شعرياً عنوانه «أمة … وجراح»، كما ألّف كتاباً بالإسبانية عنوانه «كارثة فلسطين»، طبعه على نفقته ووزعه مجاناً. والّف كتاباً آخر بالإسبانية عنوانه «أصل الماسونية» أثبت فيه أن هذه الجمعية العالمية أسّسها تسعة من اليهود لمحاربة الأديان الأخرى، وان هدفها الرئيسي هو إقامة كيان الاحتلال «الإسرائيلي»، وطبعه من ماله الخاص ووزعه مجاناً.

وهنا مقتطفات من شعره:

«أمة … وجراح»

وحيـن يـغرد الشـعراء حولـي أهـازيـج الصـبابة والمـزاح

أرى قـلبـي يحـن الـى التغـني وتلـهبه الميـول الـى الصـداح

وحـين تمـر بـي غيـداء حب مـزقـزقة، مـرفـرفة الـوشـاح

أمـد يـدي الـى أعـماق روحـي لأحـبس شهـقة الغـزل المـباح

فيفـلت رغـم عـني بعـض وحيـي ويقـفز رغـم سـيطرتي جـناحـي

وأشـرع بالغنـاء، وفـي غنـائـي أرانـي قـد عـزفت الـى النـواح

أحـاول أن أقـلـدهم بشـعر غـريـزيٍّ يـروق هـوى الـمِلاح

فتعـبس ريشـتي، ويثـور حـبري وتنـتحر البشـاشـة حـول راحـي

ويمـلأ ناظـري شبـح الضـحايا يشـل فـمي، ويسـخر مـن جمـاحي:

أيشـدو شاعـر غـزلاً ولـهواً وأمـته تـئن مـن الجـراح ..!

دول ….؟!

الى رفقائي، أبناء الحياة، في الوطن والمهجر

عـاقـبـينا أيـنما كـنا وصُـبّي فـوقـنا كـل عـقاب كـل خَـطْبِ

ذنبـنا أنَّـا جمـعنا أمـة ومحـونا الحـقد مـن أرواح شـعب

ومشينا كتـلاً مـرصـوصـة تسحـق الرجـعة فـي أروع حـرب

قـد أثـرناها… ومـا مـن عـودة دون تحـطيم الأذى فـي كـل قلـب

هـذه غـايـاتنا تسمـو بـنـا أي شـر قـد جـنينا اي ذنـب ؟

يا دويـلات أضـاعت حقـنا وأبـاحت لـلعدى أقـدس تُـْرْبِ

رحمـة بالوطـن الغـالي، فـما زدته إلاّ بـلاء بعـد كــرب

كلمـا شئـنا اتـحاداً كـامـلاً أقـبلت كفاك تغــتال وتسـبي

واذا لاحـت لنا بادرة لاح كـربـاجـك عن جـرمك يـنبي

فـكأن الحـكم آي منزل ورئيس الحـكم أمس بعـض رب

وكأن الشـعب عبد خانـع ما على «المسكين» إلاّ أن يلـبي !

يا طواغـيت الـبلاد اتعـظوا قطـع الخـصم عـلينا كل درب

اتركـوا بـيروت تـهوى شـامـها واغرسـوا بينهـما أعـلام حُـبِّ

واسـكروا عمـان فـي بغـدادها واترعـوا ثغريـهما كاس التصـبي

هـكذا الأمة تحـيي مجـدها ويعـود العـز فـي أجـمل ثـوب

ويسـير الجـيش فـي مـوكـبه خافـق الرايـات فـي كـل مَـهَبّ

وافلسطين! وفيكِ الملتقى كيف تحريرك من أخطر ذئب !

ودويـلات لنـا مـا بـرحـت تنـشر الفـرقـة فـي بعد وقـرب

«دول تحسبها شرقية واذا امعنت فالحاكم غربي»

وقصـور فخـمة لـو ردتـها لتـبينت المخـازي … دون عـيب !

انـما الأمـة فـي ثـورتـها

مـا علـيها مـن تماثـيل ونصـب

سَنَـدُكّ الظلـم فـي مـعقله

أو نـلاقي حتـفنا جنـباً لجـنب

هوامش:

1 – من مدينة السويداء. زار البرازيل والأرجنتين أكثر من مرة وأصدر مؤلفات عن العديد من شعراء المهجر .

2 – خليل قسطندي السكاكيني: ولد في 23 كانون الثاني 1878 – وتوفى في 13 آب 1953. أديب ومربٍ فلسطيني مقدسي. اهتم باللغة العربية والثقافة العامة. ويعتبر من رواد التربية الحديثة في العالم العربي. كان عضواً في المجمع اللغوي في القاهرة. نُشر له إثنا عشر مؤلفًا في حياته. عاش في فترات متلاحقة في كل من فلسطين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية وسورية ومصر. اعتقل في القدس خلال الحرب العالمية الثانية وسجن في دمشق، لكنه تمكن من الإفلات من سجنه والتحق بقوات الثورة العربية. وفي طريقه للانضمام إليهم كتب «نشيد الثورة العربية».

رئيس لجنة تاريخ الحزب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى