عين العرب: العامل المحلّي أم العامل الخارجي؟

عامر نعيم الياس

تراجع تنظيم «الدولة الإسلامية»، بحسب التوصيف الغربي، عن بعض أحياء عين العرب. اشتباكات عنيفة تدور في الأحياء الجنوبية الشرقية. المقاتلات الكرديات كنَّ مثالاً يحتذى به في القتال. متلازمة «غراد» إن صحَّ التعبير التي أتحفنا بها على شبكات التواصل الاجتماعي وفي بعض المقالات والتحليلات التي تقارن عين العرب بصمود ستاليينغراد الروسية في وجه الحصار النازي، فهل من تشابه بين المدينتين؟

مما لا شك فيه أن عوامل الصمود الذاتي لعبت دوراً في ما نشهده اليوم من تطوير للموقف في عين العرب ونزوع إلى سباق من نوع خاص على تقاسم النفوذ داخلها، ومحاولة جذبها إلى محور ما في مواجهة محور آخر، فالبيئة الحاضنة شكّلت مثار جدل طوال السنوات الأربع من الأزمة في سورية، فهل تعني بيئة معادية للدولة وموالية للمسلّحين؟ أم أنها من المحتمل أن تكون بيئة على استعداد لمهادنة المسلّحين لاعتبارات نفسية تتعلق بعدم شعور هذه البيئة بالتهديد الذي يشكّله المسلّحون على كينونتها ومصالحها ووجودها لأسباب تتعلق في مجملها بالبعد الطائفي المختبئ في لاوعي القاعدة الشعبية على مختلف مستوياتها، بعدٌ لا يمكن فصله عن التعبئة الإقليمية والمشروع الدولي الخاص بالمنطقة منذ احتلال العراق عام 2003.

هنا تحضر البيئة الحاضنة في عين العرب على اعتبارها بيئةً رافضةً بالمطلق لـ«داعش» وغيره من التنظيمات الإسلاموية المتطرّفة، لأسباب محليّة تعني هنا قومية، فالأمر في عين العرب أو بالأحرى في ما يخصّ المسألة الكردية يتطابق فيه القومي بالمحلي ولاحقاً القومي بالوطني في حلم مفترض للإقامة دولة كردستان أو الدفع باتجاه المرحلة الأولى، أي الحكم الذاتي اقتداءً بنموذج كردستان العراق.

إذاً، لا بيئة حاضنة في عين العرب، ما أدّى إلى عدم انهيارها، والاندفاع إلى القتال لكن بحثاً عن حليف خارجي، هنا نتجاوز العامل الذاتي أو المحلي، إلى ما هو أبعد من ذلك، الانقلاب على توازن القوى داخل عين العرب، والتمهيد لانقلاب التحالفات. إذ أكدت صحيفة الشرق الوسط السعودية نقلاً عن مسؤول في حزب الاتحاد الديمقراطي السوري «أن الاتصالات بين الحزب وواشنطن بدأت قبل سنتين، وأن الجانبين اتفقا على توريد الأسلحة إلى عين العرب»، عند هذه النقطة طالعنا بيان للقيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالتالي: «ألقت طائرات سي 130 بالمؤن والذخائر إلى مدينة كوباني مقدمة من قبل حكومة كردستان العراق»، فضلاً عن تكثيف للغارات الجوّية لتحالف أوباما في محيط المدينة. نحن أمام مشهدٍ يقوم على ما يلي: محادثات بين الجناح السياسي لوحدات حماية «الشعب الكردي» في باريس ومع واشنطن، والأخيرة ترمي بالمؤن والسلاح المقدّم من البارزاني إلى أكراد عين العرب، القيادة لمن إذاً؟

الأكراد يتّحدون على جانبي الحدود، البارزاني مسؤول عن دعم أكراد عين العرب عبر البريد العسكري الأميركي، في استغلال مكشوف لتراجع الدولة السورية عن بعض المناطق، استغلال ليس ظرفياً كما يحاول البعض التصوير، وليس منسقاً مع دمشق على اعتبار وحدات حماية الأكراد حليفة للدولة السورية، فمع «داعش» توضّحت الصورة، إذ يدير أكراد وحدات الحماية لعبة ملتبسة مع الدولة السورية، ويفتحون قنوات اتصال مباشرة مع المحور المعادي معها يمنح جزءاً من الورقة الكردية لأكراد العراق المرتبطين بتركيا تحت ستارة حماية عين العرب من السقوط، بالتزامن مع حملةٍ إعلامية غربية وعربية لم تترك صفة إلا وأطلقتها على مقاومة مدينة سورية، شأنها شأن عددٍ من المدن الأخرى من صيدنايا إلى نبّل والزهراء، لكن دورها يتعدى ملف مقاومتها إلى متلازمة «غراد».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى