بحث استراتيجي لناجي الزعبي في موازين القوى

عمان ـ محمد شريف الجيوسي

تحدث العميد الأردني المتقاعد ناجي الزعبي بعنوان «موازين القوى» في رؤية استراتيجية شاملة لما يجري في المنطقتين العربية والإسلامية وفي العالم، عن حقائق الصراع القائم بين مشروعين، أحدهما غارب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والآخر صاعد متعدد الأقطاب، وما يملكه المشروعان من فرص وتحافات وعناصر إخفاق ونجاح. ومن خلال رؤية موضوعية استراتيجية بعيدة المدى، وجد ناجي الزعبي أن المستقبل للمشروع الصاعد الذي من رموزه سورية وروسيا والصين وإيران وأميركا اللاتينية وغيرها، ونظراً لأهمية الحديث نورده كما وصلنا :

يشهد العالم والحقبة الزمنية الراهنة صراعاً محتدماً تتشبث من خلاله الرأسمالية برحلة البقاء التي أوشكت على النهاية ضد عالم يسعى إلى التحرر من ربقة البؤس والاستغلال والهيمنة والنضال من أجل عالم خال من الهيمنة والقطب الواحد لفضاء عالم متعدد الأقطاب .

وقال الزعبي أننا نشهد في هذه الأيام صراعاً بين مشروعين، مشروع مواصلة الهيمنة الأميركية على العالم واستمرار النهج الرأسمالي الليبرالي وصناعة البؤس والتخلف والتبعية والمرض والبطالة والحروب، لتوظيف رأس المال على شكل قروض للدول المتخلفة نظراً لفوائد القروض العالية التي تجنيها والتي تفوق عوائد المنتجات الصناعية بمئة مرة، ثم مواصلة نهب ثروات هذه الشعوب وتطويع العالم ومؤسساته، ومشروع الإطاحة بالهيمنة وإحلال عالم متعدد الأقطاب خال من استغلال الرأسمالية وتقاسم الثروات والتقنيات والمكاسب .

وأضاف الزعبي: لقد تبدت تجليات هذا الصراع على شكل بؤر توتر تفتعلها الإدارة الأميركية في المسرح الدولي.

لكن على غير ما تشتهيه الإمبريالية، حسمت أميركا اللاتينية موقفها وخرجت من بيت الطاعة الأميريكي الى غير رجعة. وكانت آخر مظاهر الحسم فوز الرئيس البوليفي اليساري إيفو موراليس .

وفي أوكرانيا، الحافة الغربية لروسيا والتهديد الأطلسي المفترض، جرى قلب المعادلة رأساً على عقب، إذ لعبت روسيا بذكاء على معالجة الموقف، وضمت القرم وباتت ثروات بحر قزوين ملكاً للدول المطلة عليه، وفق قرارات مؤتمر الدول المحيطة به. وجرى محاصرة النفوذ الصهيوني بمصالح أعلى لأذربيجان، ثم أصبح تصدير الغاز عبرها متاحاً، كما حالت روسيا دون إلحاق أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي وبدا أن الكونفدرالية الروسية الأوكرانية قادمة لا محالة .

وفي هونغ كونغ، تكشفت اللعبة الأميركية السخيفة على الوتر نفسه لاستفزاز الصين، التي باتت أكثر يقيناً بضرورة تصفية النهج الأميركي بافتعال الأزمات أينما حل .

والانسحاب الاميركي من أفغانستان قادم في نهاية العام هذا العام، وأوراسيا «قلب العالم» ستصبح ملكاً لشعوبها. وستبقى كوريا الديمقراطية الاحتياط الاستراتيجي للنهج المناهض للمشروع الأميركي الاستعماري .

تركيا تواجه رادعاً روسياً وإيرانياً لا طاقة لها على مقارعته. فالرسائل التي توالي إيران إرسالها إلى تركيا وأميركا والعدو الصهيوني وكل الأدوات في المنطقة صريحة وواضحة ولا مجال لتأويلها .

كما أن وحدة الأكراد الذين أدركوا أنها السبيل الوحيد لحماية أنفسهم من الخطر التركي قادمة، والقنبلة العربية العلوية في تركيا تنتظر فتيل الإشعال .

وتابع الزعبي: نشهد في السعودية، الحليف الأميركي – الصهيوني الواهن المتداعي، نظام أسرة مفرطة في التخلف والجهل وانعدام البصيرة، وصفعات متتالية كان آخرها التحولات اليمنية الدراماتيكية، وبهذا بات النظام المتهاوي بعد فشله في أدواره كافة التي أوكلت اليه عبئاً، كما العدو الصهيوني الذي لم يستطع تحقيق أغراض العدوان الأخير على غزة المحاصرة، وأصبح بعد عملية شبعا مذعوراً مسكوناً بهاجس حزب الله الذي سيحتل إصبع الجليل ثم الجليل كله لا محالة ويحسم بالتزامن مع الثورة اليمنية، معركته، مع مشتقات الإرهاب الوهابية، ويثبت بما لا يقبل الشك أن دور العدو الصهيوني كرأس حربة أميركي قد ولى إلى غير عودة .

أما النظام الأردني فهو كشركة على وشك الإعلان عن إفلاسها، وبالتالي فهو ملحق بالأدوات منتهية مدة الصلاحية بلا وزن ولا حيثية.

وخلص ناجي الزعبي الى أن روسيا باتت قوة عظمى تقبض على أوراسيا، وباب المندب ومضيق هرمز ممرين للنفوذ والأساطيل الروسية.

وباتت إيران بدورها قوة إقليمية عسكرية ونووية واقتصادية تقبض على مضيق هرمز وباب المندب، فيما تبحث أوروبا الهرمة عن أساليب التخفيف ومعالجة جراحها الاقتصادية التي أثخنتها الأزمات .

أما أميركا البراغماتية المثقلة بالأزمات الاقتصادية والديون، فتتخلص قريباً ربما بالقطعة أو بالجملة من حلفاء الماضي – أعباء الحاضر، وتبحث عن مكان ما في العالم الذي قذف بمصالحها ابتداء من باحتها الخلفية، أميركا الوسطى واللاتينية، الى قلب العالم في أوراسيا، ثم الى وطننا العربي الذي يسطع فيه نجم سورية والمقاومة من العراق الى لبنان ففلسطين.

وهي تدرك أن موازيين القوى لم تترك لها سوى أن تمد يدها لقيادة التحولات التاريخية على الأرض في سورية .

هذا ما قصده رئيس الوزراء الروسي مدفيديف في تصريحه، حين قال: أميركا لم تعد تتحدث عن إسقاط الأسد، بل عن وسيلة إدارة الحوار معه. و»داعش» حكاية مشروع محكوم بالفشل أصبح مضحكاً الحديث عن مستقبل له .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى