«الحلاوة»… وذاكرة المطر!

نصّار ابراهيم

ما أن تهلّ أولى زخات المطر لتبشر بظهور أولى أزهار «الوَدَعْ»… وما إن تنقلب درجات الحرارة، وتبدأ الريح بهز عصاها في وجوهنا… حتى تستولي عليّ رغبة جامحة… أو عادة أصيلة متأصلة… سواء كنت أكتب أو أتحدث، أسير أو أجلس… أفكر في السياسة أو الشعر، أحاور وزيراً أو مجرّد عابر قهوة… وسواء كنت في مؤتمر هام أو عادي أو أقلّ من ذلك… وهي الرغبة الفورية والحاسمة في شراء علبة من «حلاوة الطحينة»، نعم الحلاوة ما غيرها بالطحينة وزيت السمسم السيريج ، أيّ الحلاوة في صورة خلقها الأول، بدون أي محسّنات حضارية أو بديعية… هيك! فالحلاوة تحتلّ مساحة خاصة من وعيي ومشاعري ومن ذاكرة الذوق عندي، بل وأحياناً أتعامل معها كعامل مكوِّن من عوامل هوية شخصيتي الوطنية! وذلك كنوع من صدّ أو ردّ فعل يطمئنني إلى سلامة حسّي العام الذي يتعرّض كلّ لحظة لهجمات وغزوات العصر الثقافية بحلوها ومرّها… فهل ذلك بسبب طعمها الأليف ومذاقها الحميم…!؟ أم أنه امتداد لذاكرة المطر والطفولة الذاهبة نحو أيام الصبا والبساطة…!؟ أيام البراعة في السطو عليها بالرغم من كفاح أمي المضني في إخفائها ليتمّ تقديمها على ميقات وبعدالة… أذكر ذلك فأبتهج… أذكر كيف كان أحدنا يشحذ كلّ طاقته ومكره ليفوز «بهبشة» إصبع خارج النظام… فيغيظ بهذا الفوز بقية الإخوة والأخوات … قد تضحكون من ذلك… وبعضكم بالتأكيد سيسخر موظِّفاً مهاراته في علم النفس الاجتماعي ليحلل هذه الحالة ويكشف أبعادها… ولكن كلّ هذا لا يهمّني من قريب أو بعيد… ما يهمّني الآن، مع صهيل المطر ورحيل الغيوم شرقاً… هو أن أشتري علبة من الحلاوة… فبيني وبينها أسرار وحكايا، عهود ونذور… فالحلاوة بالنسبة إلي مؤشر على سحر ذاكرتي وأناقتها… نوع من الوفاء لأيام ووجوه حبيبة رحلت وتركت لي مذاقاً حلواً يعيدها إليّ في أوّلَ كلّ شتاء… وجوه تلوح من بين الغيوم الشاردة والمطيرة… فأسرح بعيداً بعيداً وأنا أهمس: سقى الله تلك الأيام وتلك الوجوه.

فهل هذه الحالة يا ترى تخصّني وحدي، أم أنّ هناك من هم مثلي يعيشونها وينتظرونها ويستمتعون بها كما أنا؟

رابط صفحة الكاتب: https://www.facebook.com/pages/Nassar-Ibrahim/267544203407374

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى