التحالف الدولي والمهام المزدوجة

روزانا رمّال

إذا كانت الضربات الجوية الدولية على «داعش» حاجة وضرورة للتكاتف حول الإرهاب الممتدّ في الشرق الأوسط، وإذا كانت الوحدة حول هدف بهذا الحجم، لمواجهة كرة ثلج كبيرة تتقدّم نحو العالم العربي والمنطقة وتتوعّد الغربي، أمراً ملحّاً ويبعث على الأمل، فإنّ لهذا التحرك العسكري أوجهاً لا بدّ من الحديث عنها خصوصاً لما يطرحه هذا الموضوع من تساؤلات منطقية على الصعيدين العسكري والأمني للبلدان المشاركة من جهة وللمستهدف من جهة اخرى.

يقول ليون بانيتا وزير الدفاع الاميركي السابق ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية للولايات المتحدة المعروف بـ»CIA»، والذي يضمّ أهم العقول الامنية الاميريكية لصحيفة «يو اس اي توداي» ان الحرب على داعش قد تستمر 30 عاماً.

لا يمكن الاستماع الى عقل أمني عميق مثل ليون بانيتا واعتباره كلاماً عادياً يدخل ضمن حملات التهويل او تهبيط المعنويات، لأنه من دون شك كلام أمني بالدرجة الأولى مبني على دراسات أو معطيات تتعزز فيها الفرضية التي يتحدث عنها، وهو يقول بطريقة او بأخرى التالي:

اولاً: اما انّ ضربات التحالف الدولي هي ضربات عبثية.

ثانياً: اما ان الضربات على «داعش» الطويلة المدى هي تمهيد الى انّ الدول المتحالفة دخلت في حرب مفتوحة من دون تحديد اي سقف زمني للعمليات الحربية، وأنها ستستمرّ وستبقى في المنطقة، وبحسب بانيتا فإنّ القضاء على «داعش» امر صعب، وليس كما يعتقد البعض انه بتحالف الدول يمكن القضاء على هذه المجموعات المؤدلجة والمتطرفة.

بانيتا ليس المسؤول الاميركي الاول الذي يصرّح ان عملية ضرب «داعش» ستستغرق وقتاً طويلاً، فقد سبقه الى هذا الرئيس الاميركي باراك اوباما في قوله ان الحرب طويلة وستستمر لسنوات.

اذا كان الاميركيون واثقين ان الحرب طويلة فما الذي دفعهم الى دخولها بعدما استنزفتهم حربا العراق وأفغانستان من دون نتيجة، وها هم يعيدون الكرّة من دون سقف زمني محدّد.

اذا كان الأميركيون ومعهم باقي الحلفاء العرب والغربيين يعرفون انّ هذه الحروب طويلة وتتطلب أموالاً وتستنزف سياسيين وبرامج عمل وسمعة وهالة رؤساء دول أمام شعوبهم، وإذا كان التمويل أبرز ما يمكن الحديث عنه كأحد أهمّ عوامل استمرارية هذه العمليات مصدر تساؤل خصوصاً أنّ وزارة الدفاع الأميركية أعلنت ان كلفة القتال ضدّ «داعش» بلغت 424 مليون دولار منذ بدء الضربات الجوية، فإنّ سؤالاً يطرح في هذا الاطار مفاده: هل ستستمر الولايات المتحدة المستنزفة اقتصادياً بالمشاركة في هذه الضربات؟ وإذا كان الجواب نعم فإلى متى؟

ما الذي يدفع الى خوض معارك مكلفة معنوياً وسياسياً وأمنياً لكلّ هذه الدول مجهولة الزمن معروفة النتائج؟

المسألة اذاً ليست «داعش» وحدها، فهذه الضربات محكومة بمهمات مشبوهة في الشرق الاوسط عموماً تتعلق بالنفوذ الأميركي و»الإسرائيلي» بالدرجة الاولى وإلا ما الذي يأخذ الولايات المتحدة نحو مجازفة كهذه…؟

يعرف الاميركيون والاسرائيليون ان فرصة التجسّس وتعزيز الاستخبارات وإحراج إيران هي في هذا التحالف، وهذه الضربات الممتدة على بقعة جغرافية محددة في العراق وسورية، وهما دولتان عربيتان رئيسيتان في التحالف او التواصل مع ايران وتبادل المصالح الاستراتيجية، وعليه فإنّ المعني الأول بالإجابة على هذا السؤال هو القيادة السورية من جهة والعراقية من جهة أخرى، ومعهما الحلف الأكبر من روسيا وإيران، فما الذي يضمن مثلاً ان لا تستهدف هذه الضربات اي هدف لإيران او المقاومة في لبنان او مراكز للمقاومة العراقية عن طريق «خطأ» ما؟

بالتاكيد فإنّ الحديث عن التجسّس المفتوح ومحاولات خرق بعض الانظمة الامنية التجسّسية لمحور إيران وسورية هو امر حصل او سيحصل لا محالة في لعبة الاستخبارات بين الدول وجيوشها، وبالتأكيد أيضاً فإن من بين مهام هذه الضربات ما هو علمي تكنولوجي، فهي مسرح جيد للاختبار والتدريب واستعراض القوى على حدّ سواء، ومجدّداً كلّ هذا تحت العين السورية الإيرانية الروسية التي لا يمكن ان تكون مطمئنة لهذا التحالف، إلا إذا سلّمنا جدلاً بأنها متيقّنة من فشله،

وعليه إذا كان لا بدّ من انتهاء هذه الضربات وعودة الطائرات الى قواعدها في دولها، فما هو الحدث الكبير الذي سيؤدّي الى قرار وقف عمليات التحالف الدولي المفتوح السقف الزمني هذا؟

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى