المؤسّسات الثقافيّة

رولان رياض مشوح

لا تزال قضية الثقافة وواقعها المؤلم في العالم العربي محطّ اهتمام الكثير من المثقفين والكتّاب والأدباء الذين يأملون في أن يحظى الواقع الثقافي بعناية خاصة توليه حقه من التركيز والاهتمام والتشجيع، كونه يمسّ قطاعاً عريضاً من المبدعين في مجالات متعددة، ويعبّر عن المجتمع ونبضه. فلقد عانت الثقافة في مجتمعنا من الإهمال بشكل كبير، ومن غياب المؤسسات القادرة على أن تقدّم إليها الخدمات الثقافية اللازمة.

مع بدء الحراك المجتمعي الشبابي كان التوجه لدى فئة كبيرة من الشباب نحو مسألة الثقافة، طامحين إلى حصولها على جهة خاصة تعنى بهمّها وببرامجها، وتوليها أهمية خاصة بوصفها ركناً أساسياً نحو عملية التطوير والتقدم التي يطمحون إليها.

من خلال متابعتنا البسيطة للواقع الثقافي العربي نرى أنّ هناك عزوفاً من قبل أفراد المجتمع عن حضور الأنشطة الثقافية على المستويات كافة، بدءاً من الجامعات التي لطالما شكلت حاضنة الثقافة الرئيسية، وامتداداً إلى مستوى الدولة ككلّ.

في مقالة اليوم نحاول تقديم إضاءة بسيطة على حصر المشاكل التي تحيط بمعظم المؤسسات الثقافية العربية، وأثناء بحثنا وجدنا نقاطاً مشتركة بين غالبية الدول العربية من حيث المشاكل التي تواجه مؤسساتها الثقافية، نذكر أبرزها:

ـ ضعف أو انعدام التنسيق بين المؤسسات المعنية بالثقافة، حيث نجد كلّ مؤسسة تصوغ برامجها وأنشطتها من دون التعرّف إلى ما لدى المؤسسات الأخرى، كي يتمّ تلافي تكرار بعض الأعمال، أو تنفيذ بعض البرامج في الوقت نفسه، ما يفوّت على كثيرين فرصة متابعة تلك الأنشطة أو بعضها من جهة، وعدم شمولية جوانب أخرى وإهمالها من جهة أخرى.

ـ غياب الاستراتيجيات والتخطيط للبرامج والأنشطة لدى الكثير من هذه المؤسسات، والاكتفاء بالإعلان عن برامج كثيرة من دون تحقيق غالبيتها من جهة، أو المفاجأة في اختيار البرامج بحسب الاقتراحات الفردية أو المناسبات الثقافية من جهة أخرى، فمن شأن التخطيط أن يوفر للمؤسسة مجالاً رحباً لإعداد البرامج الجيدة والقيام بتنفيذ أنشطتها بأجدى الطرائق وأقصرها منالاً وأكثرها تنظيماً.

ـ انعدام التطوير المناسب للبرامج الثقافية يساعد في الإبداع، خاصة أنّ مجالات الثقافة واسعة ورحبة تهيّئ سبل الإبداع ومتطلباته، فنجد أنّ المحاضرات والمؤتمرات ونشر الكتب ما زالت تسيطر على العمل الثقافي لدى هذه المؤسّسات، بينما تغيب عنها برامج أخرى ينبغي التركيز عليها والقيام بها خدمة لقطاعات ثقافية أخرى.

ـ عدم توافر الدعم المالي الكافي يعوق عمل بعض المؤسسات الثقافية، خاصة تلك المؤسسات التي تعتمد في موازناتها على وزارة المالية، فالثقافة في كثير من البلدان لا تزال خارج أولويات الموازنة الحكومية، ولا تحظى بالقناعة الكافية لدعم برامجها وأنشطتها.

ـ من المشاكل التي يعاني منها العمل الثقافي العربي بشكل عام ضعف الحضور الشعبي من خلال المشاركة الفاعلة لأبناء المجتمع، وتلبيتهم دعوات المؤسسات الثقافية. وربما تكون هذه المشكلة نتيجة طبيعية لأوجه القصور الذي تعانيه برامج هذه المؤسسات الثقافية وأنشطتها.

ـ الدمج بين المؤسسات الثقافية والخلط بينها من قبل العديد من أبنائه.

ـ فقدان الصدقيّة من ناحية، واقتصار هذه المؤسسات على أنشطة معينة بداخلها من ناحية أخرى.

ـ عدم إدارك المؤسسات الثقافية أهمية الهوية الثقافية.

ـ غياب المؤسسات الثقافية ذات الأهداف والآمال بحيث لا تستطيع هيئاتها العامة أن تحقق أهدافها لقصور الثقافة ضمن مؤسساتها.

ـ المؤسسات الثقافية الخاصة والمؤسسات الحكومية لم تنجز دورها الحقيقي في تنمية المجتمع العربي. حاولنا في هذه العجالة حصر عدد من المشاكل التي تعانيها المؤسسات الثقافية في مجتمعنا العربي، ونودّ إضافة إشارة بسيطة هي أنّ ضعف الثقافة في عالمنا العربي كانت أحد أهمّ العوامل التى ساهمت في انتشار التطرف، لقلة الوعي الثقافي لدى غالبية أبنائنا، ما انعكس سلباً على تصرفاتهم وجعلهم ينصرفون نحو سلوكيات فاسدة تصل في نهايتها إلى انهيار المجتمعات ودمارها وسقوط بنيانها الاجتماعي.

ما ينبغي التأكيد عليه هو أنّ هذا الإحجام الذي وصلنا إليه عائد إلى غياب الوعي الثقافي لدى العديد من الفئات الاجتماعية، ما يتطلب من الهيئات الثقافية المسؤولة السعي نحو حصول صحوة ثقافية يشارك فيها المثقفون جميعاً لحضّ أفراد المجتمع على المشاركة الإيجابية والفاعلة في الأنشطة الثقافية.

لذا، لا بد من أن تغدو العملية الثقافية في مجتمعاتنا العربية كلاًّ متكاملاً لا يتجزّأ، ولا بدّ من مراعاة ذلك جيداً من قبل المؤسسات والكيانات الثقافية المختلفة، فالمؤسسة التي تهتمّ بجوانب محدّدة دون أخرى لا تستحق أن تضيف لنفسها مسمّى «الثقافية»، ونحن مثل جميع أبناء المجتمع العربي نحلم بأن تكون في بلدنا مؤسسة ثقافية تنموية تساهم بشكل كبير في تقدم المجتمع وتنمية أبنائه.

محامية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى