استنزاف العرب والكرد معاً

عصام نعمان

لفظياً، ثمة إجماع على ضرورة إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية. فعلياً، ثمة حرصٌ على سلوك طريق الحلّ العسكري. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يدعو إلى حلٍّ سياسي وتشاطره الرأي دول عدة. مع ذلك تبقى الأولوية على الأرض للحلّ العسكري. لماذا؟

لأنّ بعض اللاعبين الفاعلين، الدوليين والإقليميين، يظنّ أن الانتصار في سورية عسكرياً من شأنه أن يحلّ مشكلة كلٍ منهم، سورية وإقليمياً.

مشكلة الولايات المتحدة هي إيران «النووية» وتهديدها المفترض لمصالحها في المنطقة ولأمن «إسرائيل» ما يستلزم إضعافها لحملها على قبول تسويةٍ لبرنامجها النووي تُعطّل قدرتها على صنع أسلحة نووية. سبيلها، في ظنها، لتحقيق مراميها تفكيكُ محور الممانعة والمقاومة الذي يضمّ إيران وسورية والمقاومتين اللبنانية حزب الله والفلسطينية «حماس» و»الجهاد الإسلامي» وتفكيك سورية في السياق نفسه إلى جمهوريات موز قَبَلية ومذهبية واثنية لضمان أمن «إسرائيل».

مشكلـة الولايـات المتحـدة ازدادت تعقيـداً بتطوير تنظيم «الدولة الإسلامية داعش» دوره من مجرّد داعمٍ لها ولحلفائها الإقليميين ضدّ سورية ونظامها إلى لاعب فاعل له برنامجه الخاص دولة الخلافة ونزوعه إلى التوسع على حساب حلفاء أميركا ومصالحها ولا سيما في العراق وكردستان العراق.

مشكلة تركيا هي الكرد، داخلها وخارجها، الطامحون إلى إقامة دولة مستقلة تجمع شتاتهم الموزع بين دول أربع. سبيلها، في ظنها، لمنعهم من تحقيق صبواتهم في الحكم الذاتي أولاً وصولاً إلى الدولة المستقلة لاحقاً هو الهيمنة عليهم حيث يقيمون وذلك بالسيطرة على سورية وعزل كردستان العراق عن حكومة بغداد المركزية وربطه بأنقرة والتحكم، تالياً، بالمجتمعات الكردية فيهما لمنعها من التنسيق والتعاون مع أكراد تركيا لتحقيق الأهداف المشتركة.

مشكلة إيران الدفاعُ عن برنامجها النووي في وجه الولايات المتحدة والدول الكبرى المتحالفة معها، والعمل للتوصل معها إلى تسوية تضمن رفع العقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة عليها. سبيلها لتحقيق مراميها تعزيزُ حضورها ونفوذها للضغط على خصومها بمشاغلتهم بالصراعات الإقليمية. في هذا السياق، تدعم طهران سورية والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية المعادين جميعاً لـِ»إسرائيل» لحمل واشنطن وحلفائها على وقف ضغوطها عليها.

مشكلة السعودية ومعظم دول الخليج العربية توسّعُ نفوذ إيران في بعض دول الإقليم ودعمها لحكومات وجماعات تعادي سياسة الرياض وتهدّد مصالحها. سبيلها لتحقيق مراميها توظيفُ حلفائها العرب، حكوماتٍ ومحميات، في تصديها للقوى التي تحاربها الأمر الذي يضعها في صفّ واحد مع الولايات المتحدة، إقليمياً ودولياً.

مشكلة روسيا خلافها مع الولايات المتحدة في شأن أزمة أوكرانيا ولا سيما بعد قيام واشنطن بتعزيز العقوبات ضدها، وتحريك بعض الدول المجاورة، جورجيا ومولدافيا وأذربيجان، لإقامة قواعد لحلف «الناتو» على أراضيها، ودعم بعض الأقليات الأثنية، الشيشان والتتار، لمناهضتها. سبيلها لتحقيق مراميها دعمُ حلفائها القدامى، ولا سيما سورية، والتقرب من إيران للتنسيق معها في مواجهة أميركا في الشرق الأوسط.

في غمرة هذا الوضع الإقليمي المأزوم والمتفجر، يسعى بان كي مون إلى تبريد الأعصاب والدفع نحو التفاوض والتسوية. سبيله إلى ذلك تفعيلُ حركة مبعوثه الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا ودعم جهوده بنداء في مجلس الأمن يدعو «للحدّ من معاناة الشعب السوري والمساهمة في حلّ سياسي».

من الواضح أن الأمين العام للأمم المتحدة يعتقد أن إيجاد حلّ سياسي للأزمة في سورية من شأنه «حلحلة» مشاكل اللاعبين المتصارعين فيها وعليها. فسورية باتت، في الواقع، متنفّس هؤلاء جميعاً في سعيهم المحموم إلى تحقيق مراميهم ومخططاتهم في الإقليم والعالم.

التجاوب مع مساعي بان كي مون ما زال محدوداً. المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة سامانتا باور قالت لمجلس الأمن، في سياق تعليقها على نداء الأمين العام: «إنّ التوصل إلى حلّ سياسي أمر أساسي»، ثم استدركت قائلةً: «يجب أن نهزم «الدولة الإسلامية» وغيرها من الجماعات الإرهابية، كما يجب أن نحاسب المسؤولين في نظام الأسد على فظائعه الواسعة النطاق». سورية ما زالت، إذاً، مستهدفة.

وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قال لدي ميستورا خلال زيارته إلى موسكو إنّ بلاده رحّبت بتعيينه وتدعو إلى معاودة جهود التسوية السياسية. لكنه حرص على انتقاد الولايات المتحدة وحلفائها بقوله إنهم يغضّون أنظارهم عن خطر «الدولة الإسلامية» لأنهم «يريدون استخدامها لمواجهة بشار الأسد».

وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو تجاهل نداء بان كي مون ليستبعد مجدداً تقديم مساعدات مباشرة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في دفاعه عن مدينة عين العرب كوباني ضدّ «داعش» بدعوى أنه، أي الحزب، «إرهابي» لصلته بحزب العمال الكردستاني التركي.

يتضح من كلّ هذه الوقائع والمواقف أن عقدة الوضع الإقليمي المأزوم والمتفجر ما زالت سورية ورئيسها من جهة والموقف الحقيقي من «داعش» من جهة أخرى. فالولايات المتحدة ترى في «داعش» خطراً على مصالحها في العراق، ولا سيما في كردستان العراق، ولا ترى فيه خطراً على سورية، إذ ما زالت تحاول إزاحة رئيسها ونظامه. تركيا لا ترى في «داعش» خطراً عليها بل ترى فيه حليفاً لها في مواجهة عدوها الرئيس: الكرد في تركيا وسورية والعراق، كما في مواجهة عدوها الآخر: الأسد ونظامه. أما روسيا وإيران فتجزمان بأن العدو الرئيس لهما كما لسورية والعراق وسائر الدول العربية هو «داعش» الأمر الذي يستوجب الكف عن محاربة سورية بغية الكف عن استنزاف العرب والكرد في آن واحد.

ما المخرج؟

لعله في توصّل الولايات المتحدة والدول الخمس الكبرى إلى تسوية متوازنة مع إيران في شأن برنامجها النووي ما يُقنع واشنطن بوقف الحرب في سورية وعليها بغية تركيز جهود الجميع على هزيمة «داعش» بما هو عدو الجميع. لكن، هل بإمكان إوباما التوصل مع إيران إلى تسوية مقبولة قبل الانتخابات النصفية الأميركية مطلعَ الشهر المقبل واحتمال سيطرة الجمهوريين، أصدقاء «إسرائيل» وخصوم إيران، على مجلسيّ الكونغرس؟

السؤال هنا… والجواب هناك.

وزير سابق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى