راشيّا تصرّ على زيادة إنتاج دبس العنب من 250 طناً سنوياً إلى 400 طنٍّ

أحمد موسى

شهدت زراعة العنب توسعاً شمل آلاف الدونمات من الأراضي الجبلية الصالحة لهذه الزراعة، وتقدّر المساحة المغروسة كرمة في راشيا حوالى ثلاثة آلاف فدان، بعدما شكّل دبس العنب عنصراً مهماً تحتاج إليه السوق المحلية والخارجية. وراشيا المشهود لها في صناعة دبس العنب، تؤكّد من جديد فرادتها في صناعة بيئية صحية قلّ نظيرها بين الصناعات. كمأ أنّها اشتهرت منذ أكثر من قرنين بهذه الصناعة على أيدي أناس أورثوها لأبنائهم من جيل إلى جيل.

ترتفع إنتاجية دبس العنب، المعروف بـ»أبو عصبين»، بوتيرة بطيئة، لكون هذه الإنتاجية مرتبطة بعوامل عدة أبرزها: الإنتاجية، والنوعية والأسعار، إذ كلما كان إنتاج العنب وفيراً والنوعية جيدة والأسعار معقولة، ازداد الطلب عليه في السوق المحلية وفي الأسواق الخارجية.

أشار سهيل القضماني، صاحب أكبر معصرة عنب في قضاء راشيا، في حديثه إلى «البناء»، إلى أنّ «دبس العنب منتجٌ غذائي وصحي، ويزداد الطلب عليه في السوق المحلية وفي مراكز انتشار الاغتراب اللبناني»، لافتاً إلى أنّ «راشيا تنتج بحدود عشرة آلاف طنّ من العنب بمختلف أنواعه، وتستغل كميات غير قليلة منها في الصناعات الغذائية، وفي صناعة النبيذ، والسبيرتو، وإنتاج الدبس، التي يصل الإنتاج السنوي منه إلى حوالى 250 طناً هذا العام».

ومن أبرز الأصناف المستخدمة في صناعة العنب، الفضي، السرعيني، الشموطي، العبيدي، التي تقارب نسبة حلاوتها عند العصر 25 في المئة، فيما يُعتبر التفيفيحي التفاحي والبيتموني من أكثر الأنواع تصديراً إلى الخارج، لا سيّما إلى دول الخليج وأوروبا وآسيا، حيث تتراوح الكميات المصدرة بين الـ3 آلاف و4 آلاف طنّ من العنب، إذ إنّ الدول المستوردة للعنب تشدّد بفرض المواصفات على النوعيات المصدرة. أما الأسوق المحلية، فتستهلك ربع الكمية المنتجة، إضافة إلى بعض الكميات التي تستخدم في صناعات العرق والنبيذ».

واعتبر القضماني أنّ «كميات الدبس المنتجة سنوياً قيمة مضافة تساهم في رفع الدخل لأصحاب الملكيات الصغيرة والكبيرة، وتحدّ من أزماتهم المعيشية والاقتصادية، لا سيّما أنّ كمية العنب المستخدمة في إنتاج الدبس لا تمتلك المواصفات المطلوبة للتصدير، ولا تقارب بنوعيتها المعدّة للبيع في الأسواق المحلية»، مؤكداً أنّ «زراعة العنب قديمة في راشيا»، ومشيراً إلى أنّ «انتشار المعاصر الصخرية القديمة بالعشرات في كلّ قرية من قرى المنطقة، دليلٌ على قدمها، لكنها اليوم تقلصت وتراجعت إلى حدود ثلاث معاصر حديثة، تتركز في بلدة راشيا الوادي، التي تستقبل في الموسم السنوي نحو ربع الكمية المنتجة من العنب، لتحويلها إلى دبس بنوعيه السائل والجامد دبس مخبوط ».

وأوضح أنّ تشغيل معصرة واحدة يحتاج إلى ما بين 10 و20 متخصصاً وعاملاً، لكن عملهم موسمي ولا يستمر أكثر من شهرين منتصف أيلول حتى منتصف تشرين الثاني .

كما شرح القضماني مراحل تصنيع دبس العنب والتي تبدأ بعملية العصر وفقاً لمبدأ الحلاوة ونسبتها، التي يمكن أن ترتفع إلى نحو 25 في المئة وما فوق أو تتدنى إلى نحو 18 في المئة وأقل، ثم تُضاف مادة «الحوارة الصلصالية» المعروفة بـ»تراب الدبس»، بمعدّل 400 غرام لكلّ 20 ليتراً من عصير العنب، وهي مادة متوافرة بكميات في الجبال وتعمل على ترقيد العصير، وبعد الترقيد والتبريد، يتم تفريغ العصير في حلل مصنوعة من «الستانلس»، ويتم طبخ العصير على البخار على درجة يمكن أن تصل إلى 100 درجة مئوية، بينما تكون درجة الرطوبة 20 في المئة، وهي درجة تؤشر إلى نضوج الدبس، وبعد نضوجه يتم تبريده من جديد، ثمّ يُعبأ سائلاً في «مرطبانات» ذات سعة كيلوغرام واحد و كيلوغرام ونص، ويكون دبس ذات نوعين: سائل، أو جامد يتم خفقه بواسطة خفاقات كهربائية خاصة، لتحويله إلى دبس جامد بلونيه الأشقر الفاتح أو الغامق، ثم تتم تعبئته بعبوات خاصة لتسويقه محلياً أو خارجياً حيث ينتشر اللبنانيون في أميركا وكندا وأستراليا ودول أميركا اللاتينية.

أما عن كلفة إنتاج الدبس، فأكد القضماني أنّها مرتبطة بسعر الوقود، وتتراوح بين 2500 و3000 ليرة للكيلوغرام الواحد، ويُباع في السوق المحلية بحدود 8 إلى 10 آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد من الدبس السائل، بينما الدبس الجامد الذي يكتسب اللونين الأشقر الغامق أو الفاتح، تتراوح أسعاره بين 10و12 ألف ليرة. ويقول سهيل القضماني إن «راشيا تنتج بحدود عشرة آلاف طن من العنب بمختلف أنواعه، وإنتاج الدبس، الذي يصل سنوياً إلى نحو 250 طناً»، ونعمل على أن نصل إلى إنتاج من الدبس في السنوات القادمة إلى ما يزيد على 400 طن من الدبس».

ويُشدّد القضماني على «أنّه لا بد أولاً من تغيير النظرة إلى هذه الصناعة، فهي ليست مجرد تراث محلي وإنتاج بيتي، إنّها بالفعل إحدى أهم الصناعات الغذائية التحويلية الفريدة، الأمر الذي يتطلب دعماً خاصاً من قبل وزارة الزراعة، على أكثر من مستوى ولا سيّما من خلال دعم أصحاب المعاصر من جهة، وتقديم الحوافز ودعم الاهالي للمحافظة على كرومهم وتشجيعهم على الاهتمام بها من جهة أخرى». مطالباً «بدعم هذه الصناعة لتعود إلى العديد من المناطق اللبنانية التي انقرضت فيها منذ سنوات».

عمرها ألف سنة

يعود عمر هذه الصناعة إلى أكثر من 1000 سنة، وكان الدبس البديل الطبيعي للسكر، إذ كان يستعمل للتحلية. وتعتبر صناعة فريدة عالمياً، موجودة في تركيا واليونان ولكن كعمل بيتي وليست كصناعة غذائية. وهذا ما يميّز دبس العنب في راشيا التي طورت طريقة عمله فأدخلت المعدات الحديثة بدلاً عن المعدات اليدوية التي كانت تستعمل سابقاً. هذا التطور كان وليد افكار ذاتية ومبادرات فردية واليوم تضم البلدة 3 معاصر حديثة تنتج حوالى الطن دبس يومياً. وتخلق كلّ منها أكثر من 15 فرصة عمل خلال الموسم الذي يبدأ عادة في 10 أيلول حتى منتصف تشرين الثاني من كل عام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى