واشنطن… «تهديد إرهابيّ» بالنسبة إلى روسيا

عامر نعيم الياس

هي «العدو المفضّل» بحسب توصيف مراسل صحيفة «لوموند» الفرنسية في روسيا. يتطوّر الموقف من واشنطن بشكل لافت في صفوف المواطنين الروس. أوائل الشهر الحالي، أجرى مركز دراسات الرأي العام الروسي استطلاعاً كشفت نتائجه أن 73 في المئة من المواطنين الروس يعتبرون الولايات المتحدة العدو رقم واحد بالنسبة إلى روسيا، وفي 21 الحالي نشر المعهد ذاته نتائج استطلاع للرأي حول السؤال التالي: «ما هي المصادر الجديدة للتهديد الإرهابي في روسيا؟». الإجابة كانت لافتة هنا، إذ رأى 21 في المئة من المستطلَعة آراؤهم أن الولايات المتّحدة هي «التهديد الإرهابي» الأكبر لبلادهم متجاوزةً تنظيم «الدولة الإسلامية» والمتطرفين الإسلاميين. نسبةٌ زادت خمسة أضعاف عن السنة الماضية، إذ رأى 4 في المئة فقط من المواطنين الروس أن واشنطن تشكّل تهديداً إرهابياً على بلادهم.

«ربع الروس يرون في أميركا تهديداً إرهابياً»، بحسب «لوموند»، هذه النتيجة تعكس التدهور السريع والصريح في العلاقات بين البلدين على خلفية ضمّ شبه جزيرة القرم والصراع القائم في أوكرانيا وما أفرزه من عقوبات اقتصادية على روسيا الاتحادية ألقت بظلالها مباشرةً على مزاج الرأي العام في روسيا، الذي صار يرى في خصم الحرب الباردة العدوّ الأول والتهديد الإرهابي الأول، وهو ما يرسم الإطار العام لصورة الصراع الروسي الأميركي على المسرح الدولي منه والإقليمي الخاص بنا في سورية وحتى العراق.

لكن لماذا يكثّف الروس من استطلاعات الرأي تلك؟

الواضح أن الهدف الأساس داخليّ ويتعلّق بتنفيذ استراتيجية القيصر الروسي عبر التركيز على الدعم الشعبي للروح الامبراطورية في استراتيجية القيصر أولاً، وعبر إبراز أولويات الرأي العام في روسيا والتي تضغط شكلاً وتشرّع مضموناً تغيير العقيدة الاستراتيجية الروسية التي وضعها الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف عام 2010، والتي كان من المفروض أن يعاد النظر فيها عام 2020. لكن من الواضح أن بوتين يريد إدخال تعديلات جوهرية على مضمون الاستراتيجية بما يتناسب مع الأوضاع الجديدة والمتغيّرة، خصوصاً أنّ العقيدة العسكرية الروسية الحالية تضمّنت بنداً يسمح بذلك «إمكانية إعادة النظر في أحكام العقيدة العسكرية الروسية بالتغيير والتعديل بما يتناسب مع الأخطار والتهديدات لأمن ودفاع البلاد وظروف تطور الدولة الروسية»، شروط للتعديل باتت متوافرة مع توسّع الأطلسي شرقاً، والمتغيّرات في جغرافية روسيا الاتحادية، وإصرار الولايات المتحدة عبر الرئيس أوباما على وضع روسيا في قائمة الأخطار التي تتهدد الولايات المتحدة. توجّه أميركي عام لدى النخبة الحاكمة يضع الصدام مع موسكو كاحتمال وارد، إذ قال وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل في الخامس عشر من الشهر الجاري أمام عسكريين أميركيين: «سنضطر إلى المواجهة روسيا التي أصبحت على مشارف الأطلسي، وجيشها الجاهز للقتال».

هنا يبرز تعدد جبهات المواجهة من الشرق الأوسط إلى أوروبا إلى بحر قزوين الذي دخل مجال التنافس بعد نجاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في انتزاع التزام من الدول المطلة على البحر بحفظ أمنه ذاتياً، ومنع الوجود الخارجي على شواطئه.

إن التهديد الإرهابي والحركات الانفصالية تصنّف في خانة الأخطار الداخلية التي تواجهها الدولة الروسية في إطار بنود العقيدة العسكرية الروسية لعام 2010، وبالتالي فإن توجيه استطلاعات الرأي باتجاه الإجابة عن العدو الأول دولياً وماهية التهديد الإرهابي الذي يتهدد روسيا، والإجماع على واشنطن، كلها أمور تؤكد أن تعديل العقيدة العسكرية الروسية سيتم في غضون الأشهر القليلة المقبلة، إذ ستُستبدَل عبارة «العدو الأول الخارجي هو توسّع حلف شمال الأطلسي شرقاً باتجاه الحدود الروسية»، بعبارة «العدو الخارجي الأول يتمثل بالولايات المتحدة الأميركية».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى