الأميركيون يبلّغون: تقييمنا للجيش تغيّر… وطرابلس مفاجأة التمديد في عين التينة: تأمين الميثاقية بالحضور… ولا طعون

كتب المحرر السياسي:

غيّرت معركة طرابلس الكثير ولم تنته تردّداتها بعد، وخطفت الأضواء خارجياً على المستويين الإقليمي والدولي عن كثير من الأحداث، الداخلية والخارجية، وليس مهماً كيف تفاعل معها الأطراف الداخليون، الذين سينتبهون من المواقف الدولية المتغيّرة تجاه الجيش، أنّ شيئاً كبيراً جرى في بلدهم فاجأ العالم وهم لا يعلمون.

هذا الكلام لمصدر تابَع زيارة الوفد العسكري الأميركي، وكواليس مؤتمر برلين للنازحين السوريين الذي شارك فيه وفد حكومي برئاسة الرئيس تمام سلام وتحدث خلاله وزير الخارجية جبران باسيل مطوّلاً، حيث حفلت محادثات الوفد الأميركي الزائر بصورة مفاجئة إلى لبنان، بالإطلاع على تفاصيل عملية طرابلس، ومناقشة التوقعات والتداعيات، بينما كانت كواليس برلين تشهد استيضاحات من قبل الوفود المشاركة لكلّ من التقوه من اللبنانيين، عن حصيلة المعركة وظروفها أكثر من استيضاحهم عن أحوال النازحين السوريين والاحتياجات اللبنانية.

الأوصاف التي قيلت بالعملية وبالجيش، من نوع: احترافي، ومقاتل، ودقيق، ويعتمد عليه، ومتميّز، وتفوّق على جيوش أضخم وأوسع تجهيزاً، والكلّ يتحدث عن مفاجأة.

تجميع المعلومات وتصنيفها ودقة استخدامها، على رغم بدائية تقنيات تجميعها، والعقل القيادي الاستخباري والعملاني، منحت الجيش اللبناني مكانة متميّزة بين قوى الحرب على الإرهاب، وتنسيقه مع المقاومة، لم يلق أيّ تساؤل أو اعتراض غربي، خصوصاً لدى الأميركيين، الذين قالوا إنهم على رغم الارتباك السياسي والشعبي، شكل نجاح الجيش دليلاً على أنه جدير بالدعم، ولا بدّ من تغيير مستوى التقييم للجيش اللبناني بين الجيوش الصديقة، هذا ما قاله الأميركيون في أكثر من مكان ولأكثر من جهة، وما يبدو أنه سيزيل الفيتو عن تزويد الجيش ببعض أنواع السلاح، من جهة، وفتح النقاش السياسي حول تخفيف الضغوط عليه في مجال العلاقة بينه وبين حزب الله من جهة أخرى، في ضوء معطيات معارك السلسلة الشرقية حيث يرابط حزب الله، والتعاون المعلوماتي بين مديرية المخابرات في الجيش وبين جهاز أمن المقاومة.

بالتوازي مع تردّدات معركة الشمال، وسقوط إمارة «داعش» و«النصرة»، كان التمهيد للتمديد للمجلس النيابي، عبر جولة مشاورات أدارها الرئيس نبيه بري وكان ميدانها الكتل النيابية المسيحية، وخصوصاً محاولة التوصل إلى موقف مشترك مع العماد ميشال عون، ومن بعده حث قوى الرابع عشر من آذار على مواكبته، ومضمون الميثاقية في التمديد الذي علمت «البناء» أنه حصيلة هذه المشاورات ستسير به كلّ الكتل المسيحية، ويقوم على مشاركة الكتل في الجلسة المخصصة للتمديد تحت شعار عدم مقاطعة الجلسات التشريعية، والتصويت مع أو ضدّ، لكن ارتضاء النتيجة من دون الطعن بدستورية التشريع، لأنّ التصويت ضدّ يمكن أن يكون سياسياً أو دستورياً، والذهاب إلى اعتبار التصويت ضدّ مرفقاً بالطعن الدستوري، يعني رفعاً للغطاء المطلوب وطعناً بميثاقية التمديد، لذلك يبدو أنّ الاتجاه الذي ستسلكه الكتل المسيحية بعد لقاءات عين التينة هو المشاركة في الحضور لتأمين شبه إجماع، وتوزع أصوات النواب المسيحيين بين مع وضدّ، من منطلق سياسي، من دون قيام أحد من نواب الكتل الأساسية بالطعن في دستورية التمديد.

في الأثناء، وعلى رغم الاحتضان الرسمي والسياسي والشعبي الواسع والمتنوع، وتأكيد إحباط مشروع «الإمارة» في طرابلس، فقد بقيت المخاوف من اندلاع جولة جديدة من العنف خصوصاً أن رؤوس الإرهابيين مثل شادي المولوي وأسامة منصور وغيرهما طلقاء، فضلاً عن عدم اتخاذ أي إجراء في سجن رومية للحد من حرية الاتصال بين القيادات الإرهابية المعتقلة، وبين مناصريهم في الخارج.

وفي هذا السياق، أشارت مصادر عسكرية وأمنية لـ«البناء» إلى «أن المسلحين الإرهابيين الذين يقدر عددهم بـ 500، تعرض نحو 50 منهم لإصابات جراء الاشتباكات، وتم توقيف ما يناهز الـ200، أما الباقون فتوزعوا على التبانة والضنية وعكار ومخيمات النازحين». وأكدت المصادر «أن المولوي ومنصور وعدداً آخر من المسلحين لم يغادروا التبانة، وهم لا يزالون داخلها برعاية من بعض مسؤوليها السياسيين ووزراء ونواب كانوا دعوا إلى تطبيق الخطة الأمنية سلمياً والدخول إلى التبانة بهدوء».

لكن مصادر أمنية أخرى، أكدت لـ «البناء» أن المداهمات ستستمر حتى توقيف كل المسلحين الذين هربوا من بعض أحياء طرابلس التي كان يختبئ فيها المسلحون. وأشارت إلى أن «ما يحكى عن تسويات حصلت أدت إلى هروب المسلحين لا يمت إلى الحقيقة بصلة والدليل استمرار المداهمات والتوقيفات وهذه الإجراءات هي استكمال لمهمة الجيش في طرابلس والشمال الهادفة إلى إنهاء بؤر المجموعات المتطرفة وما كان يقوم به المسلحون من اعتداءات على الجيش، وفي الوقت ذاته، أخذ المناطق السكنية كرهائن لتنفيذ مخططات معروفة لدى الجميع».

وبالفعل واصل الجيش عمليات الدهم ولا سيما في التبانة والأسواق وبحنين بحثاً عن الإرهابيين وأشارت القيادة إلى اعتقال العشرات منهم. كذلك نفذ الجيش عمليات دهم واسعة في صيدا القديمة وعبرا شرق صيدا، واعتقل مناصرين للفار من وجه العدالة أحمد الأسير وصادر أسلحة وذخائر وذلك بعد الكشف عن مخطط لتنفيذ عمل أمني كبير في صيدا والجنوب.

«المستقبل» يستنكر التعرض لحصانة الضاهر

وفيما، توالت المواقف المساندة للجيش في الحرب ضد الإرهاب والمطالبة برفع الحصانة عن كل من تسول له نفسه مخالفة القانون وتكفير المؤسسة العسكرية وتحريم الانخراط فيها، استنكرت كتلة «المستقبل» التعرض «لحصانة منزل النائب خالد الضاهر تحت أية حجة كانت». وشددت على «المسارعة إلى استكمال تنفيذ الخطة الأمنية بحزم توصلاً إلى أن تبسط الدولة سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية بحيث لا يعود هناك أي سلاح غير سلاح الدولة اللبنانية».

وحذرت الكتلة مما وصفته «مخاطر التعسف سواء في استعمال القوة المفرطة أو في التوقيف العشوائي من دون تمييز بين مرتكب وبريء. بحيث لا يؤدي ذلك إلى إلحاق القهر والظلم بالأبرياء». وكان الرئيس سعد الحريري حمل في بيان «حزب الله مسؤولية ما حدث بسبب تدخله في سورية»، داعياً «إلى العمل على إعداد استراتيجية أمنية متكاملة يتولاها الجيش اللبناني مع القوى الأمنية الشرعية اللبنانية، تخصص للتعامل مع ارتدادات الحرب السورية وتكون مسؤولة حصراً عن حماية الحدود مع سورية ومنع أي أعمال عسكرية في الاتجاهين».

وإذ أكد أن كل الدعوات للانشقاق عن الجيش مرفوضة ومدانة، شدد على «أننا لا يمكن أن نغطي أي مرتكب يخالف قواعد العيش المشترك بين اللبنانيين، وسنواجه أي محاولة للنيل من الجيش ووحدته وسلامته ودوره في حماية اللبنانيين، ولن نغفر لأي جهة تتخذ من المواطنين الأبرياء، في طرابلس أو عكار أو المنية أو الضنية أو عرسال أو صيدا، منابر للتطرف ومخالفة القوانين باسم الدين ونصرة أهل السنة».

ووسط هذه التطورات الأمنية، لفتت الزيارة الخاطفة لقائد العمليات الخاصة الأميركية ريموند توماس إلى لبنان والتي استمرت بضع ساعات مع وفد عسكري. وهو كان وصل من القاهرة، ثم غادر متوجهاً إلى لارنكا على متن طائرة عسكرية أميركية خاصة، بحسب بيان للسفارة الأميركية في لبنان.

مشاورات التمديد بين بري وعون

وكما على الأرض، تركت عملية تطهير الجيش اللبناني طرابلس وبعض مناطق عكار من المجموعات الإرهابية ارتياحاً لدى المراجع المسؤولة والأوساط السياسية والشعبية. ونقل زوار عين التينة أمس عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري تأكيده مجدداً دعم المؤسسة العسكرية، مشيراً إلى أن الجيش قام بواجبه ولم تحصل أية صفقة في موضوع تواري الرؤوس الكبيرة من المسلحين.

وفي ضوء هذا الجو الإيجابي الذي عكسته عملية الجيش وعشية الجلسة النيابية المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية اليوم، عاد الملف السياسي البارز المتعلق بمصير الانتخابات وموضوع التمديد للمجلس إلى الواجهة، حيث بدأ الرئيس بري لقاءات واتصالات تمهيداً للجلسة التي سيطرح فيها التمديد والمتوقع عقدها الأسبوع المقبل.

والبارز في هذا المجال، اللقاء الذي عقده مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون على مدى أكثر من ساعة ونصف الساعة في عين التينة وتخلله غداء بحضور نائب رئيس المجلس النيابي السابق إيلي الفرزلي.

ووصف رئيس المجلس الأجواء بـ«الجيدة» والـ«إيجابية»، نافياً أمام زواره أن يكون هناك خلاف أصلاً بينه وبين الجنرال.

وعلمت «البناء» أن بري طرح مع عون وقبله مع عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان، أن الوقت بات عاملاً ضاغطاً لحسم الأمور بين الذهاب إلى الفراغ أو التمديد، مكرراً أنه بعد موقف الرئيس سعد الحريري وإعلانه رفض المشاركة في الانتخابات قبل انتخاب رئيس الجمهورية تحول موقفه مئة وستين درجة وبات مع التمديد انطلاقاً من حرصه على الميثاقية.

ولم يأخذ من عدوان جواباً حول التمديد، إذ وعد الأخير بالرجوع إلى قيادته لإعطاء الجواب النهائي.

أما عون فقد عبّر بصراحة أمامه عن رفض تكتله ومعارضته المبدئية للتمديد، لكنه أشار إلى أنه سيحضر الجلسة، ولم يتضح ما إذا كان سيلجأ التكتل إلى الطعن كما في السابق أم أنه سيكتفي بالتصويت ضد التمديد.

لكن مصادر نيابية مطلعة قالت إن التكتل يميل إلى عدم الذهاب إلى الطعن. وأشارت إلى أن هناك نوعاً من الترقب الحذر لدى «القوات» وحزب الكتائب، وأنهما يحرصان على عدم اتخاذ موقف حتى الآن لاعتبارات سياسية تتعلق بقواعدهما، وبالمشاورات المفتوحة مع حليفهما الحريري.

ونقل الزوار عن بري مساء تأكيده مجدداً الحرص على الميثاقية في التعاطي مع التمديد كما الانتخابات، وأنه سيكون خلال الجلسة حريصاً على موقف المكوّن المسيحي.

وهذه الميثاقية، تطرق إليها رئيس تيار «المرده» النائب سليمان فرنجية الذي اعتبر أن «الميثاقية تفرض مشاركة كل المكونات، وأنا كمسيحي سأشارك وهناك عدد من النواب المسيحيين بات معروفاً أنهم سيشاركون ما يمنح الميثاقية المطلوبة، ولننتظر لنر من سيعدل في رأيه ومن سيشارك». وأكد في حديث لموقع المرده «أن التمديد واقع، إنما هناك من يتجرأ ويقول هذا الأمر، فيما البعض يختبئ وراء المزايدات».

وأشار النائب الفرزلي لـ«البناء» إلى «أن لقاء بري وعون بحث في كل الملفات السياسية والأمنية». وأكد «أن الرئيس بري قلباً وقالباً مع العماد عون، وأن الخلاف الذي حصل داخل مجلس الوزراء بين وزيري المال علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل، بات بحكم المنتهي وسيحل هذا الأسبوع». وأشار الفرزلي إلى «أن موقف العماد عون واضح من التمديد للمجلس النيابي وهو منسجم مع نفسه»، داعياً الآخرين إلى مجاراته في ذلك»، لافتاً إلى أن حضور الجلسة العامة لا يلغي الميثاقية في حال اتخذ المسيحيون موقفاً ضد التمديد».

وبينما التقى رئيس «حزب القوات» سمير جعجع عضو كتلة الكتائب النائب سامي الجميل في معراب، أكد عضو كتلة «القوات» النائب طوني أبو خاطر لـ«البناء» «أن حزب القوات لم يقاطع أي جلسة تشريعية دعا إليها الرئيس بري، ليقاطع جلسة التمديد»، مشيراً إلى «أن المشكلة اليوم لم تعد بين الانتخاب والتمديد إنما باتت بين الفراغ أو التمديد»، وقال: «لا نتمنى التمديد لأنه مناقض للديمقراطية، إلا أن الأوضاع الأمنية في لبنان تحتم علينا أن نتفهم الاتجاه إلى التمديد الذي أصبح أفضل الشرين».

ولفت أبو خاطر إلى «هفوات عدة ارتكبت بحق الوطن، أوصلتنا إلى التفكير بالتمديد»، غامزاً من قناة تكتل التغيير والإصلاح الممثل في الحكومة «التي لم تتخذ الإجراءات اللازمة لكي تجرى الانتخابات مثل عدم تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات».

وتعليقاً على كلام النائب الجميل من معراب «أنه لا يجوز التمديد لمجلسٍ فشل في كلّ شيء، وأن البديل عنه هو نفض البلد من أساسه»، دعا أبو خاطر إلى «وضع القليل من الماء في النبيذ، فالأوضاع لا تحتمل التصعيد والتهويل»، داعياً إلى «تبريد الأجواء».

لبنان يرفض دمج النازحين

على صعيد آخر، شدد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في المؤتمر الصحافي الذي عقد في نهاية المؤتمر عن اللاجئين في سورية بعنوان «تعزيز الاستقرار في المنطقة»، في برلين، على «أن الحل السياسي للأزمة السورية سيساهم في حل أزمة النزوح، لكن حلاً كهذا ليس شرطاً لعودة النازحين، إذ يمكن أن تجتمع شروط العودة قبل بلوغ الحل السياسي المنشود». وأضاف: «نحن البلد الأكثر تضرراً من انعكاسات الأزمة السورية، ولبنان يحوي أكبر نسبة نازحين بالمقارنة مع عدد السكان في العالم»، مشيراً إلى أن لبنان «يشدد على رفضه القاطع لأي شكل من أشكال اندماج النازحين في المجتمعات المضيفة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بطريقة واضحة أو ضبابية، قد يؤدي إلى توطين النازحين ويتعارض مع الهدف الأسمى، وهو عودة النازحين».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى