«داعش» فلسطين للتجنيد فقط

عامر نعيم الياس

ركّز «داعش» منذ ظهوره في سورية على التمدّد في المناطق الحدودية بهدف واضح، وهو تأمين عمليات التهريب وإدارتها، وضمان التواصل الجغرافي لدولة الخلافة المفترضة. وكان لافتاً في سياق تمدّد «داعش»، حفاظه على هيكلية الحدود التي تجمع سورية بتركيا، بمعنى أدقّ بقيت الحدود التركية ـ السورية التي تقع تحت سيطرة «داعش» عبارة عن حدود فاصلة هادئة تجري فيها عمليات استقبال «المجاهدين» الأجانب وتدار عبرها عمليات التهريب، خصوصاً المشتقات النفطية، على خلاف النقاط الحدودية الأخرى كالحدود السورية ـ العراقية والتي تحوّلت إلى جبهات للمواجهة وإعادة رسم حدود سايكس ـ بيكو.

فلسطين هي الأخرى لم تكن بمنأى عن الأحداث في سورية على وجه الخصوص، فبدايةً من الدور الذي لعبته حركة حماس في الداخل السوري من المقاتلين إلى خبرات حفر النفاق، مروراً بإحصاءات ظهرت نهاية عام 2013 تشير إلى مقتل 800 «جهادي» فلسطيني على الأراضي السورية، وليس انتهاءً بما نشر في بعض الإعلام الغربي والصهيوني عن ظهور «الدولة الإسلامية» في فلسطين، وعلامات الاستفهام حول العلاقة التي تربط بعض الإسلاميين الراديكاليين المنشقين عن إخوان فلسطين بحركة «أنصار بيت المقدس» في مصر. وأثّر ذلك في سياسات الحكومة المصرية الحالية التي تبنّت العداء العلني لحركة حماس استناداً إلى الدور لذي لعبته إبان حكم الإخوان في مصر.

ظهور «داعش» يمتد إلى الضفة الغربية وأراضي 1948، إذ تقول صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية: «اعتقلت الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية حوالى 40 ناشطاً من الضفة الغربية منذ بداية السنة، غالبيتهم كانوا عائدين للاستراحة من القتال في سورية والعراق، بعد أن قاتلوا في صفوف جبهة النصرة ثم انتقلوا إلى التنظيم الأكثر راديكالية إلى جانب بعض العرب الإسرائيليين الذين ينشرون صور إنجازاتهم على فايسبوك، كالملقب جزار فلسطين وهو أحد سكان مدينة الناصرة وهجر عائلته من أجل القتال في سورية، وأصبح أحد أهم جزّاري الدولة الإسلامية».

إذاً من غزة إلى الضفة الغربية وأراضي عام 1948، تمتد رقعة عمل الجيل الجديد من «الجهاديين» الفلسطينيين، والمنشقين عن الحركات الإسلامية ذات الطابع الإخواني الناشطة في غزة، لكن أين الصراع مع «إسرائيل» من هذا كلّه؟

الواضح من ردّ الفعل الصهيوني المتحفظ على هذه الظاهرة، وجود حالة من الاطمئنان إلى هذه الظاهرة حتى في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية أو تلك الواقعة تحت الاحتلال، في مؤشر إلى تشابه الدورين التركي و«الإسرائيلي» في هذا الملف. فالتقارير التي تتحدث عن نمو «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» في تركيا تُعالَج من جانب الحكومة الإسلامية المحافظة في أنقرة باللامبالاة ذاتها، والتوجّه الممنهج إلى التقليل من أهميتها وصولاً إلى نفي الظاهرة من أساسها، الأمر الذي يعكس الأدوار المرسومة لهذا النوع من التنظيمات في الدول الراعية لها إقليمياً، فالتغلغل الداعشي داخل فلسطين يهدف إلى قيادة تجنيد المقاتلين للقتال في جبهة لا علاقة للكيان الصهيوني بها، بل على العكس، هو الداعم والراعي «للجهاد المقدّس» في سورية، بينما تتراجع فلسطين عن قائمة جيل جهادييها الجديد على المدى المنظور.

وتختم «ليبيراسيون» الفرنسية قائلةً: «إنه عدد قليل، ولكن مثالهم يبعث على الطموح في بعض المدن القرى الفلسطينية، إذ انضم أحمد الشربجي البالغ من العمر 23 عاماً، وأحد سكان مدينة أم الفحم قرب مدينة جنين في الضفة الغربية، إلى تنظيم الدولة الإسلامية بتاريخ 23 أيلول لقتال نظام بشار الأسد».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى