واشنطن تتآمر على مكامن القوة في النظام السوري

د. وفيق ابراهيم

أحداثٌ مريبة تجذب الانتباه إلى مخطط جديد أعده «المايسترو» الأميركي لتدمير ما يعتبره مصادر القوة في النظام السوري.

تجلّت بداية هذا المشروع في التسوية الأميركية ـ التركية حول كوباني عين العرب . وقضت بمشاركة ما يسمى بـ«الجيش الحر» الموالي لتركيا والبيشمركة الكردية العراقية الموالية لأميركا في الدفاع عن عين العرب.

والمقصود هنا محاولة تعطيل الدور الحصري في الدفاع عن البلدة الذي يتحمله حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المتحالف مع سورية لمحاولة فض ارتباطه بدمشق، ومنعه من تأسيس إدارة مستقلة كردية، تشجع أكراد تركيا على أوضاع مماثلة.

والقسم الثاني من المشروع، تأسيس «غرفة إعلامية» موحدة تدير البرامج والأخبار في محطات الخليج والغرب، ولا تعدّ إلا برامج وأخباراً تتوجه إلى ما تسميه الأقليات في سورية فتدعو المسلمين العلويين إلى التمرد لأن النظام يرسلهم إلى «الموت» كما تقول المحطات. وتؤلب المسلمين الدروز بذريعة أن «داعش» قد يستهدفهم ولن ينجدهم النظام أبداً. كذلك تبث هذه المحطات الرعب في أوساط المسيحيين بعرض ما فعله «داعش» بمسيحيي الموصل وتدعو كل هؤلاء إلى الالتحاق بالمعارضة السورية التي ليست إلا «داعش» والنصرة إنما بمسميات جديدة.

ولاستكمال الخطة الإعلامية تتوجه المحطات إلى أبناء المدن ليتخلوا عن النظام وإلا فإن مصيرهم لن يكون إلا كمصير آلاف الذين ذبحهم «داعش» في الرقة ودير الزور والأنبار والموصل. إن التشابه في البرامج ومواد الأخبار في محطات «الجزيرة» و«العربية» و«أم بي سي» و«بي بي سي» و«الحرة» ومئات المحطات الأخرى دليل على هذا الجزء الأسود الكريه من هذا المخطط. واحتلال أخبار «داعش» درجات ثانوية في الأهمية مؤشر جديد على التركيز على سورية حتى أن هناك اتجاهاً لتجاهل أخبار «داعش» ودمويته وإجرامه.

إنها إذاً حرب جديدة تستهدف النظام السوري بتفكيك حلقات القوة فيه… وينسى هؤلاء أن مكامن القوة في نظام الرئيس الأسد ليس في ما يسميه الغرب «حلف الأقليات»، إنها موجودة في الطبيعة المدنية والعروبية للنظام الذي لا يميز بين مكون وآخر، وتستند إلى حزب البعث القوي الذي أسسه سوريون من مختلف الهويات والمذاهب، ويجاهد من أجل مستقبل عربي متقدم ومكافح في وجه السياسة الأميركية و«إسرائيل».

يضاف إلى ما تقدم، الجيش السوري الذي يبذل الدماء والأرواح دفاعاً عن سورية ضد إرهاب مجرم مدعوم من دول عدة بينها أميركا والاتحاد الأوروبي و«إسرائيل» وتركيا وبلدان الخليج. ومن أسرار صموده أنه جيش الرئيس حافظ الأسد الوطني الذي لا يعير مصالح الطوائف والمذاهب أي اعتبار بل مصالح سورية ومداه البلاد بكاملها بمجمل تنوعاتها الاجتماعية والقومية والتاريخية.

وهل يمكن إغفال شعب سورية المتماسك إلى حد كبير الذي يشكل عنصراً بارزاً في مكامن قوة النظام. وعلى رغم التدمير المقصود لتفاعلاته الاقتصادية وإفقاره وبث الرعب في صفوفه لا يزال يلتف حول الدولة حاملة السوار بالمعصم.

فهل إمكانات الرئيس بشار الأسد أقوى من الإمكانات التي كان يمتلكها شاه إيران الذي فر عندما تركه شعبه؟ وهل بوسع نظام غير شعبي أن يصمد أربع سنوات في وجه 88 دولة وإرهابيات عالمية، لولا التأييد الشعبي له؟

لذلك يبدو الرهان على لعبة تأليب الأقليات مثيرة للسخرية. وتشبه ذلك الذي يحاول العبور على متن قوس قزح. فيقع إلى أسفل ويدق عنقه. هذه هي مصادر قوة البشار التي لن تخذله قط. وأولها أنه يؤمن بفكر قومي غير أقلياتي. ويرفض الأفكار المذهبية والطائفية الصادرة عن الفكر الوهابي من السعودية، فكيف يمكن لقراءة دينية إرهابية تستعدي مجمل سكان الأرض من المسلمين والمسيحيين والهندوس والبوذيين والعلمانيين أن تكون إنسانية؟

لذلك تستخدمها السياسة الخارجية الأميركية في تدمير الشعوب وفتح بوابة دمشق العصية على المؤامرات.

وكيف ينسى منتحلو صفة الإسلام ما يفعله اليهود في القدس الخاضعة الآن للتهويد والمسجد الأقصى المستباح للعصابات الصهيونية، ولا تهتز شعرة في ذقون شيوخ الوهابية إلا لجهاد النكاح وزواج المسيار؟

أما الجزء الدولي من استنزاف سورية فيتعلق بالخفض المتعمد لأسعار النفط باستعمال إمكانات السعودية لإصابة إيران وروسيا بمقتل، لأن الخفض يشلّ إمكانات هذين البلدين على دعم دمشق. وهو سلاح ذو حدين يصيب كل الدول المنتجة ومعظمها مسطوٌ عليه من الشركات الأميركية الكبرى.

ولكن فليتأكد الجميع ـ أن العلاقات السورية ـ الإيرانية ـ الروسية هي علاقات جيو ـ استراتيجية تقوم على رفض موسكو تحويلها إلى نروج مرمية في المحيط المتجمد الشمالي، وتأبى إيران استكمال محاصرتها والدواء لكلتي الحالتين موجود في سورية فقط.

هذه هي أبعاد الحرب الأميركية على سورية التي لن تؤدي إلا إلى مزيد من القتل والتدمير واستنزاف إمكانات دول الخليج النفطية لا قدرات نظام البشار. وإذا كانت دول الخليج قادرة على الفتك بالتاريخ، فإن دمشق عصية على التآمر ومستعدة لإنقاذ التاريخ من براثن من كان دائماً على هوامشه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى