تحيّة إلى نائب وطنيّ ينطق صدقاً وحقّاً

جورج كعدي

شاءت المصادفة أن يتطابق كلام للنائب السابق عن الضنيّة جهاد الصمد في برنامج إذاعيّ سياسيّ عبر أثير «النور» مع كلام كتبتُه في اليوم نفسه ونشر صبيحة اليوم التالي، تحديداً في مسألة «مظلوميّة أهل السنّة» التي التقى القولان، قوله وقولي، عند نفي وجودها، ولعلّ لقوله وقعاً أقوى كونه كان نائباً من الطائفة السنّية الكريمة، ويندرج رأيه أو توصيفه في خانة «وشهد شاهد من أهله». فمثلما ناشدتُ أهل السنّة، وبخاصّة سنّة طرابلس الكرام، عدم تبنّي شعار «المظلوميّة» والاعتراف بأنّ إذا كان ثمة ظلم لحق بهم وبمدينتهم فإنّما من الزعامات السنّية نفسها، وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة، وأضفت البارحة في هذه الزاوية تحديداً أن الرئيس رفيق الحريري الذي حكم البلد لأكثر من عقد ونصف عقد سياسيّاً واقتصاديّاً وإداريّاً وإنمائيّاً، ونمّى وسط بيروت سوليدير وأحياء أو مناطق معيّنة من العاصمة، مثلما نمّى بعض صيدا، هو مَنْ أهمل إنماء طرابلس الذي كان قادراً عليه بلا جدال لولا انحيازه العاطفيّ والمصلحيّ والانتخابيّ والماليّ إلى بيروت وصيدا على حساب طرابلس وباقي المدن والمحافظات اللبنانية، من الشمال إلى الجنوب، ومن الجبل إلى البقاع، حاصراً الإنماء في المناطق الداخلة في حساباته.

نفى النائب الصمد دعوى «المظلوميّة» أو «الإحباط» عن السنّة، لافتاً بالمنطق عينه الذي اعتمدتُه إلى الحضور غير المتبدّل أو المنقوص للسنّة في مواقع السلطة والقرار، فنوّابهم كاملو الحضور والعدد والتمثيل والفاعلية، وحصّتهم الوزارية محفوظة، كذلك رئاسة الحكومة، فأين يمكن الكلام على «إحباط سنّي» أو «مظلوميّة سنّية» ولا شيء تغيّر في الحصص ومواقع التمثيل والقرار؟! رغم إقرار النائب الصمد بأن ثمّة أحياء ومناطق سنّية في المدن والأرياف تشكو حرماناً وفقراً كسائر المناطق اللبنانية ولدى جميع الطوائف يتسبّبان بارتماء الشبّان في أحضان التنظيمات الأصوليّة والإرهابيّة للارتزاق، والتعويض عن العوز والبطالة وغياب اهتمام الدولة، بالتعصّب والتطرّق الدينيين، غضباً وانتقاماً. وهذا أيضاً ألمعت إليه في مقالتي المتطابقة مع وجهة نظر حضرة النائب السابق الذي لم يفعل سوى النطق بالحقّ والحقيقة.

بيد أنّ الصمد فاجأ محاورته، وفاجأني، بل أحدث صدمة حين ذكر رقماً مخيفاً، استناداً إلى لقاءاته بأهل منطقته الانتخابيّة، وهم من الطائفة السنّية الكريمة، يفيد بأن خمسين في المئة منهم يؤمنون بأنّ ثمّة حيفاً أو ظلماً أو إحباطاً لاحقاً بالسنّة، وأنّهم يؤيّدون «داعش» على الأقلّ في محاربته الشيعة على أمل إلحاق الهزيمة بهم، أيّ أنّ هؤلاء، بحسب تأكيد الصمد، منجرفون تماماً في الفتنة التي عمل عليها الأميركيّون والصهاينة وأتباعهم من المتآمرين على الأمّة منذ سنين بعيدة، وها هي تتحقق اليوم، وتحتاج في رأي حضرة النائب إلى سنين طويلة جداً للقضاء على الفتنة ـ المؤامرة. ولم يُخْفِ خشيته على الوطن من نجاح المؤامرة إذا لم تسلم النوايا وتتضافر الجهود الحقيقيّة لدرء الخطر الداهم والفعليّ.

موقف آخر مهمّ في كلام الصمد يتعلّق بالنائب سعد الحريري ونوّاب «المستقبل» الذين يتفاوت خطابهم ويتناقض حول الإرهاب ودعم الجيش، كأنّما ثمة توزيع أدوار وازدواج في الوجه واللسان، أو في أفضل الظنّ خوف من إغضاب الشارع السنّي الموالي للحريري ونوّابه، وحذرٌ من استفزاز مشاعره المذهبيّة المثارة ضدّ الشيعة والمقاومة، فيخاطَب بوجهين ولسانين. لذا طالب الصمد النائب الحريري بأفعال مقرونة بالأقوال، إذ لا يكفي التصريح اللفظيّ، فيما الفعل على أرض الواقع مخالف ومناقض لهذا التصريح!

للمرّة الأولى أستمع إلى موقف وتحليل سياسيين للنائب السابق جهاد الصمد، ولا أخفي تقديري وإعجابي بمنطقه السليم المتماسك، والتزامه الوطنيّ الصلب، وانحيازه إلى الحقّ والحقيقة، وانعدام أيّ شعور مذهبيّ أو طائفيّ لديه راقني جداً قوله إنّه لا يعترف بتعبير «إسلام معتدل» إذ ثمة بالنسبة إليه إمّا «إسلام حقيقيّ» أو «إسلام غير حقيقيّ» ، والعقل المنفتح والنيّر الذي يتمتع به، فضلاً عن فصاحة التعبير وبراعة صوغ الأفكار وربطها وعرضها.

كان حديثاً مفيداً، صادقاً، محقّاً، عادلاً، حكيماً، وطنيّاً بامتياز، مع جهاد الصمد، المسلم الحقيقيّ الذي لا يريد لوطنه وأمّته وحتّى لطائفته ولسائر الطوائف المكوّنة لنسيج الوطن الغنيّ والمتعدّد ضمن وحدة قوميّة راسخة إلاّ الخير والسؤدد والمناعة وصدّ المؤامرات الخارجيّة التي تريد شرذمة هذه الأمّة وتفتيتها مللاً وأعراقاً ومذاهب، كرمى لعيون «إسرائيل» وسائر صهاينة الخارج والداخل. فتحيّة إلى حضرة النائب السابق، وشرّفتني معرفتك، وإن المتأخّرة، عبر الأثير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى