من يقرأ؟

رولان رياض مشوح

«الكتاب نافذة نتطلّع من خلالها إلى العالم»، مثل صيني وددت أن نبدأ به مقالة اليوم لنؤكد على أهمية القراءة ومن يقرأ، ولماذا نقرأ، وكيف تكون الحياة قبل القراءة، وخلالها، وبعدها.

فالقراءة تلك النافذة الجميلة التي نستطيع من خلالها رؤية صور وأشكال وألوان مختلفة، كونها تعدّ من أهمّ المهارات المكتسبة التي تحقق النجاح والمتعة لكلّ فرد خلال حياته، وذلك انطلاقاً من أنها الجزء المكمّل لحياته الشخصية والعملية، وهي مفتاح أبواب العلوم والمعارف المتنوّعة.

فهي تمثل وسيلة اتصال رئيسية للتعلم والتعرف إلى الثقافات والعلوم المختلفة، وهي مصدر للنمو اللغوي للفرد، ومصدر لنمو الشخصيّة، ولها دور كبير في تقوية شخصية الإنسان، فيصبح قادراٌ على الحديث في المجالس، وعلى مناقشة الآخرين في مختلف مجالات الحياة. فضلاً عن كونها وسيلة لتوسيع المدارك والقدرات، فالمرء حين يقرأ ينظر إلى الحياة بمنظار مختلف تماماً عن غيره ممّن لا يقرأون ولا يهتمّون للقراءة.

من المتعارف عليه أنّ لكلّ إنسان هدفاً يسعى إليه، وبالتالي فهو يعرف هدفه من القراءة والفائدة التي سوف يحققها من قراءته، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى اختلاف أنواع القراءات، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: القراءة التعبدية، العلمية، التخصصية، التثقيفية الموسمية، البحثية، الاضطرارية، النقدية، المكرّرة.

هنا نتساءل: ما هي الحال بين ما قبل القراءة وأثناءها وبعدها؟

قبل القراءة: على القارئ أن يحدّد هدفه من القراءة، فقبل أن تفكر كيف تقرأ وجّه لنفسك سؤالاً مهمّاً: لماذا أقرأ؟ وما الهدف الذي سأصل إليه من قراءتي؟

خلال القراءة: عليك محاولة التأني في القراءة، أيّ عدم السعي إلى إنهاء صفحات الكتاب فحسب، بل اجعل الغاية هي فهم ما بين يديك، وخلال قراءتك ستجد معلومات لا تستطيع فهمها، فلا تتذمّر أو تتضجّر فهذا أمر طبيعيّ يحدث لكلّ منا ولفهم ما أشكل عليك حاول قراءة ما استعصى عليك مرة أخرى، لكن بطريقة مغايرة.

من الضروري أن تقرأ بتركيز، فالتركيز هو لبّ القراءة وجوهرها الأساسي، وقراءة من دون تركيز هي مضيعة للوقت والجهد، فمستوى نجاحك في القراءة يعتمد على درجة تركيزك. التركيز مهارة يتعلمها المرء مثلما يتعلم أي مهارة أخرى. كذلك مما يعوق عملية التركيز عدم الثبات على أمر والانتقال من كتاب إلى آخر، فلا يكاد ينجز في حياته كتاباً أو يتقن فناً من فنون العلم.

بعد القراءة: إن انتهاءك من قراءة الكتاب لا يعني إنهاء العلاقة بالكتاب، فلتثبيت المعلومات يتطلب الأمر مراجعة ما قرأت، فلا تعني المراجعة إعادة القراءة بشكل سريع على أمل أن تستعيد ذاكرتك سائر المعلومات، بل هي أكثر من مجرّد القراءة… هي خليط من الكتابة والتحدث والمناقشة وتحليل الأفكار المتعلقة بالموضوع، بل يتطلب الأمر أحياناً إعادة قراءة فصول كاملة كي تفهم ما قرأت بشكل واضح.

لعلّنا لو فكرنا بالفوائد التي سنجنيها من القراءة لرأينا ما لها من أهمية كبرى، وفائدة عظيمة ليس على الفرد وحده، بل على المجتمع ككل، حيت تكمن أهمية القراءة في حياة الفرد من خلال تزويده الأفكار والمعلومات المختلفة، ومن خلال تمكنه من الاطلاع على التراث الثقافي الإنساني للعالم بأسره، إضافة إلى أنها وسيلة لزيادة خبراته، ولها تأثير كبير في بناء شخصية الفرد وتكوينه، وتنمية ميوله، وإعادة النظر في قيمه واتجاهاته الخاصة. أما أهمية القراءة في حياة المجتمعات فلا تخفى على أحد، إذ تربط بين الشعوب وتدعو إلى التقارب والتفاهم الدوليين بصفة عامة، وبين عناصر المجتمع المحلي بصفة خاصة. ولها أهمية كبرى في عملية نقل الإنتاج الثقافي والتراث الإنساني والحضاري من جيل إلى جيل، ودور عظيم في تنظيم المجتمع وإدارة شؤونه الخاصة من أعمال إدارية وحسابية، فمن خلالها تنفذ الخطط والمشاريع وتدار الأعمال، كما أنّ التغيّر الاجتماعي الذي يحدث في المجتمع لخلق اتجاه معيّن تصبح القراءة إحدى أدواته، ولا نبالغ إنْ قلنا إنّ القراءة قد تغيّر قيَماً ومبادئ كان يدين بها مجتمع معيّن، فضلاً عن أنّ وسائل الاتصال قد ساعدت في جعل عمليات النقل الثقافي والفكري والحضاري ظاهرة عملية.

تعتبر القراءة من أكثر المعايير قوة وتأثيراً للتفريق بين الأمم المختلفة والمتقدمة، من خلال ما تقدمه من معايير التقدم الصناعي ونسبة دخل الفرد والتقدم الصحي فإنّ من يرى أنّ معيار تقدم المجتمعات إنما يحكم عليه بمقدار إقبال الأفراد على القراءة ومدى هذا الإقبال.

أخيراً: أختم مقالة اليوم بما كتبه الكاتب سكوت فورسمان في مقالته الجميلة «سوف أغيّر العالم»إذ قال: «سوف أغيّر العالم بطفل في وقت ما، سوف أعطي هذا الطفل هدية لا تنتهي لذتها أبداً، هدية تجعل العالم بين يديه وتجعله أثرى وأغنى. هديتي هي القراءة التي سوف تفتح العينين، وتوقظ الأحلام بالقصص التي تجعل الأطفال يشعرون وينمون ويفكرون لا شيء يوقفني، ولن أسلو ذلك، لأنّ قلبي يعرف معنى القراءة، وأيّ قوة هي».

محامية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى